شغل موضوع المرأة العربية، ووضعيتها في المجتمع حيزا كبيرا في محتوى العديد من الأعمال الأدبية، التي ظلت تنقل حال المرأة في ظل مجتمع وصفه الكثيرون بالذكوري، وبالمتسلط أمام هيمنة الرجل، وقد تميزت هذه الأعمال بالجرأة في الكثير من الأحيان، عندما كشفت الممارسات السلبية التي يسلطها الرجل على المرأة، وكشفت عن أمور ظلت لسنين طويلة خفية عن الأعين. والحقيقة أن مصاعب المرأة العربية، بجميع مستوياتها ومكانتها باتت تتفاقم في جلّ الدول العربية التي مازالت تؤمن إيمانا قاطعا بالتفوق الذكوري، ومازالت أيضا تنظر إلى هذا الكائن نظرة دونية لا يحق له أن ينافس الرجل أو أن يتساوى معه في القيمة والحقوق.
تسلط رواية “زايا” للكاتبة السعودية ريم الصقر، الضوء على المصاعب والعقبات التي تواجه المرأة العربية المثقفة في مجتمعاتها المحلية، وهو ما يدفعها إلى محاولة الهروب من هذا الواقع إلى دول مجاورة أقل قيودا وأكثر مرونة فإن لم تفلح هذه الحيلة تعبر البحار لتحيا في مجتمعات غربية. وعلى الرغم من كل مظاهر معاناة زاهية بطلة هذه الرواية إلا أنها حاولت أن تجد في الحب مخرجا لها من أزمتها.
وتشير المؤلفة الصقر إلى أنه على الرغم من كل مظاهر معاناة زاهية بطلة هذه الرواية إلا أنها حاولت أن تجد في الحب مخرجا لها من أزمتها.
والرواية، الصادرة عن مجموعة النيل العربية للنشر والتوزيع بالقاهرة، تعبّر عن وقائع كل بيت فككت عراه، الأم والأب والمجتمع، حين لا تمنهج الأم علاقتها بابنتها، فتتبدى لها بصورة الشر المطلق، وحين يصعر الأب خده حتى يتشيأ كأرجوحة الحدائق العامة تتمكن منها كل مؤخرة عابرة، ومجتمع لم يرأف بآت غريبا.
من أجواء الرواية “نمت ليلتي وأنا أشعر أن ثمة شيئا يتكسر بصدري وأنّ هناك من أطاح بأمنياتي .. وأحلامي التي بت أرتبها لزيارة كهذه بدأت تتهاوى.. حتى مر يوم الخميس وأتى ظهر الجمعة وأنا قابعة بفردوس حرم الشيخ.. وأمه.. أناولهن ما شق عليهن أخذه وأراوح بين صالتهن وبين المطبخ أتناوش مع أبي ما بقي لي من إحساس بالكرامة. قفلنا راجعين وفرحتي تتماوت تدريجيا .. كلما تخيلت أن شرف مرافقتهن إنما لأن بنت الخادم تمسي خادمة ولو بعد حين!”.
ثورة على السائد :
تقول ريم الصقر “إن النساء في بلادي مجمدات بلا إشعار للإذابة في المجتمع. مجمدات، في التنقل وفي السفر بل وحتى في المرض، فإن لم تأت برجل يرضى لها أن تضطجع سريرا أبيض فلا علاج لهن عند طبيب ولا يقربن؟. ذات وهن، عرفت أن هناك مخلوقا آخر غير الرجل والمرأة. رأيته سابحا في كوننا، وما إن اكتشفت أنه القلم، أدركت نورا جديدا. عرفت عظمة خالقي أن سمّا به سورة في كتابه، فجمعت ما كان في نفسي حيال مجتمعي ودونته، حتى تمثل لي كتابا قصصيا”.
عنوان الرواية “زايا” هو اسم بطلة القصة، في الأصل اسمها زاهية ولكن حين انتقلت إلى لندن صار الإنكليز ينطقونه “زايا”. والرواية هي محاولة جادّة من مبدعة واعدة للثورة على المفاهيم السائدة في مجتمع مازالت فيه المرأة لا تتمتع بكامل حقوقها، لذلك قرّرت الصقر أن تتحدّث عن هذا الموضوع، لأنها ضد أغلب المفاهيم الدارجة في حياتنا. وجاء على ظهر الغلاف “كنت مؤمنة بأنه لا يوجد في الحياة حب فاشل، ولكن هناك عشاقا لم يعتنوا بحبهم جيدا. فرحل الحب وتركهم. هكذا أقنعت نفسي. لم أدرك أن هناك حبا يمكن أن ينشأ في الظلام، وما إن يطاله النور حتى يحترق”.
وعن ظروف نشر الرواية، تقول الصقر “حقيقة لم أواجه صعوبة في نشر كتابي، ولكن المشكلة أني كنت مترددة في نشره، وكنت قلقة جدا عندما علمت أن روايتي البكر ستنشر ورقيا”.
وهي تشعر أن نقطة قوتها في الكتابة حين تتكلم عن وضع نفسي لأحد أفراد القصة، أما نقاط الضعف “ربما أن قلمي لا يتمتع بطولة البال ويقفز بالأحداث بصورة مختصرة”، وتشبه الكاتبة ريم الصقر نشر الكتاب الورقي بميلاد طفل جديد لعائلة شغوفة بالأطفال.
حالة تشتت :
يلخص هذا الاقتباس من الرواية “أهلي وأنا .. نشبه من اقتلع نبتة من مكان .. وحين جفت جذورها أعاد غرسها بمكان آخر.. لم يتمكن أبي أن يزرعني في السعودية.. رغم ميلادي بها.. وصالح لم يستطع أن يغرسني بالإمارات.. رغم أنها كانت أكثر يسرا.. وبحبوحة.. ربما لأن كليهما كان أقل من أن يهديني حبا حقيقيا .. لكني بالحب .. استطاع محمد أن يغرسني في بلاد الفرنجة كما يسميها ونضحك منها”، حالة الضياع والتشتت التي عاشتها البطلة في تنقلها عبر ثلاث دول واحدة منها غربية.
وتطرح الرواية العديد من الإشكاليات العميقة لعل من أهمها مسألة الجنسية، فلماذا دائما ما يطرح سؤال: من أي بلد أنت؟، كما تناقش الرواية موضوع الهوية، خصوصا في ظل هذا الانفتاح على الآخر، والابتعاد عن العادات والتقاليد التي وسمت مجتمعاتنا العربية بقطع النظر عن اسم البلد.
فالرواية من هذه الزاوية هي أبعد من مجرد تسليط الضوء على المصاعب التي تواجه المرأة العربية المثقفة، لتصبح المسألة أخطر من ذلك حين تترصد وتتبع حياة البطلة زايا، وهي تتعامل مع ثلاثة مجتمعات غريبة عنها، والدافع الذي جعلها تترك بلدها الأصلي، هنا يبرز مفهوم الصدام الحضاري، وكيفية التعامل مع الآخر، ومكانة المرأة في المجتمعات العربية ونضالها الدائم من أجل الحصول على كامل حقوقها، أمام سيطرة ذكورية، تحولت في الكثير من الأحيان إلى أغلال ما فتئت تزيد في تقييد حريتها. يذكر أن ريم الصقر صدرت لها قبل هذه الرواية، مجموعة قصصية بعنوان “بنات النعمة”، وهي تكتب المقالات في عدد من الإصدارات والدوريات العربية.