افتُتِحتْ في البصرة قاعة جديدة للفن التشكيلي، استقبلت لوحات أكثر من ثمانين فناناً من مختلف محافظات العراق. ولعل هذا التجمع الذي دعا إليه صاحب القاعة الفنان حامد سعيد، سيتمِّم الأدوار السابقة لقاعات الفن التي التفّت حولها أبرز جماعات الفن التشكيلي، وأسّست لحداثة اللوحة في أحلك الظروف الاجتماعية والسياسية. إن افتتاح قاعة في مرحلة ما يؤشر لتدفق التقاليد الفنية الرائدة بعزم غير معهود وبجهود فردية وجماعية. وبسبب استقلال هذه القاعات عن الدعم الحكومي، فإن مبادرة مجموعة/ جماعة لفتح فضائها الحرّ على المجتمع والثقافة العامة سيرسخ تقاليد الفن في الوجدان الجمعي، ويؤسس من جديد لسياقها الحداثي. من هنا يأتي الرهان على استئناف السياق المقطوع لتقاليد الفن الجماعي قوياً ومتدفقاً، ساحباً معه ذكريات عزيزة من تاريخ قاعات الفن الكبرى، وصراعها ضد العزلة والضمور.
إزاء هذه التاريخ العامر بالبهجة والجمال، أعتقد أن غاليري حامد سعيد سيحتلّ موقعاً أساسياً في البنية المعمارية والحضارية للفن التشكيلي في المحافظة والعراق. يأتي هذا الافتتاح في وقته ليحرك الموجة الراكدة لتيار الفن، فلقد كانت لبنى الفن الخاصة أهمية كبرى في نشر الثقافة الفنية في المجتمع العراقي، منذ خمسينيات القرن الماضي. كلنا يتذكر قاعات رائدة في بغداد العاصمة، مثل كولبنكيان والرواق وأثر وحوار والأورفلي.. وبالطبع نتذكر هنا في البصرة قاعة الفنان ناصر الزبيدي (غاليري ٧٥) وقاعة الفنان عبد العزيز الدهر (مينا) وقاعة الفنان حسين النجار (الغدير) إضافة الى المشاغل الفنية للفنانين جاسم الفضل وعبد الملك عاشور وكامل حسين وعيسى حسن وصبري المالكي وشاكر الياسين.. وبعض هذه القاعات والمشاغل ما زال قائماً، ومؤثراً في نهضة الحركة الفنية وتنوع أساليبها، وإضفاء النور والجمال على الأمكنة التي تتمركز فيها. وهنا ستعمل القاعة الجديدة لحامد سعيد على وصل روابط الماضي الفنية بالحاضر، واقتسام المشهد بين المركز والأطراف البعيدة عن عاصمة الفن بغداد.
نتمنى أن تستمر هذه القاعة في نشر الذوق الفني الرفيع، وترسيخ المناخ الاجتماعي المتحضر، بما تجمعه في المستقبل من أعمال مهمة، وما تعرضه من لوحات متفردة نوعياً وأسلوبياً. فاختيار النماذج على أسس نوعية ومفهومية دقيقة سيحقّق لهذه القاعة الموقع الطليعي والسياق الحداثي بين قاعات الفن في العراق..