موتى نحن…لكننا نمشي على الأقدام…ما من حياة تمارس سطوة الجنون فينا…لذلك كان علي أن أتوقف لأفهم مايجري بداخلي، هذا العبث من حولي، يشعرني بفراغ مثقل بالقلق… يجثم على أنفاسي
شيء ما يتغير..، أفتح التلفاز الذي قاطعتُ مشاهدتَه منذ سنوات…أتساءل لِمَ أفعلُ هذا الآن؟ كأنني أبحث عن
شيئ ما تسلّل من يدي وسط هذا الصخب، ربما أبحث عن حياة عادية تأففت منها كثيرا قبل الآن…أخبار الخراب ومشاهد التفاهة تشعرني بالاختناق أكثر …قلت في قرارة نفسي سأجرب أن أنصهر وسط الزحام، لعلني أستعيد نفسي…لكن الزحام أيضا فقد صورته البسيطة، وكأن العالم غيرُ العالم…أهرع لهاتفي من جديد…أقلب الصفحات…أبحث عما يعيد دبيب الحياة في أوصالي لكني سرعان ما أُصاب بالامتعاض…سخافة وابتذال تعبث ” بالأزرق ” لكن لا زرقة فيما أجد…أتطلّع بعيني إلى السماء… لون الضباب لا يختلف كثيرا عن لون الدخان، وكأن الكون في محاولة لِالتقاط أنفاسه بعد الحرائق المتكررة هنا وهناك
سأرتمي في حضن الصداقات القديمة، على أمل أن أجد بين تقاسيمها شيئا افتقده، وجدتُ صديقي ” اليساري ” قد خلع قميص النضال القديم… هو الآن يتأرجح بين اليقين واللايقين.
صديقي المتدين… ربما أتعبه التهجد في جُبّ الليالي
الظلماء، يفرُك جبينَه كلّ مساء، وهو يقلّب صفحات الأزرق يقف طويلا عند صور النساء الجميلات…هذا المساء اتصل بي كان منتشيا وهو يتحدث عن ” طالوني ”
صديقتي أيضا… انطفات ملامحُها بسبب خذلان حبيبها الذي اختفى فجأة من حياتها…هاتفها مغلق، يبدو أنها لم تخرج بعد من حالة الاكتئاب هاته…
الكل هنا ينشر صور عطلته الصيفية…يوثق الاستجمام لكن هل الكل فعلا سعداء ؟ معظم الصور تفضح التّجمل…
و أصدق لحظات السعادة لا تختزلها صورة…كأنّ العالم يهوي فوق رؤوس الجميع…كأن الفرح حلم عصي… أدركت أخيرا أننا وسط الصخب والزحام والشواطىء المكتظة بالأجسام ، ندهس الإنسان فينا ،فتسقط قلوبنا في غفلة منا ضريبة لحياة مابعد الوباء…وكأننا نحفر قبورنا ونحن نبتسم، نأخذ صور السيلفي مع أجسادنا المفرغة من كل شيء إلا من الاغتراب…
تحسستُ ذراعَيَّ وأنا أُصدِر زفرة عميقة… وكأنني أحضنني بسخاء…ودّعتُ المكان بسرعة وعُدت لخلوتي…أردد بداخلي كل معاني الأمل والتسامح كأنني أستعيدُني…كأنني أسقي أصيص الجمود بما أختزن في قلبي من سلام داخلي
كلّنا نتحمّل وزر السواد المهيمن…
كلنا نحمل عار النهايات…