الشمس في يومها الغائم
في مثل هذا اليوم٬ الثلاثاء 21 آب2018 ٬ توفى الكاتب والروائي السوري حنا مينة عن عمر ناهز 94 عاما٬ إذ كان مجسدا فضل أعترافات البحر٬ كبير واقعيته٬ من خلال ما يكنه لظله٬ آعترافاته٬ التي لا تعرفها٬ إلا من خلال ما غطس وشرب من قعر قاعه كتاباته. رحل حاملا هموم البحر وصوت الريح٬ منذ روايته الأولى “الطويلة” (المصابيح الزرق٬ 1954)٬ وحكاية بحار٬ شمس في يوم غائم٬ الدبيع والخريف٬ الشراع والعاصفة٬ المستنقع٬ الولاعة٬ فوق الجبل وتحت الثلج٬ الرجل الذي يكره نفسه٬ الشراع والعاصفة٬ الدقل٬ المغامرة الأخيرة٬ بقايا صور٬ أمرأة تجهل أنها أمرأة٬ الياطر٬ الأبنوسة البيضاء٬ المغامرة الأخيرة٬ الأرقش والغجرية٬ حين مات النهد٬ شرف قاطع الطريق٬ القطاف٬ حمامة زرقاء٬ الفم الكرزي٬ عروس الموجة السوداء٬ البحر والسفينة٬ الرحيل عند الغروب٬ الثلج يأتي من النافذة… وهواجس في التجربة الروائية٬ كيف حملت القلم؟… وروايات وقصص وتنوع كتابات أخر.
عاش حنا مينه وكافح كثير بين الناس ولأجل كرامتهم٬ تذوق مرارة الكفاح وكرسها في اعماله الروائية بعمق٬ شوق النفس وحرمان تنقلها٬ بين ارصفة البحر وغناء مقهى البحارة٬ وعذوبة معاشرة الصحبة على متن المراكب والسفن٬ و شوق الحبيبة وصراع الاسفار. إنه شيخ الرواية السورية٬ له الكفاح والشرف حين فعل التأسيس لرابطة الكتاب السوريين واتحاد الكتاب العرب.
رغم البداية الادبية المتواضعة٬ لكنه تدرج وتواصل ما بدأه دون تحفظ٬ ولم ترقد روح شغفه بسلام ألا ونهض يحمل هموم الموانيء في محابره مخلصا في التعبير عن شكواهم وهمومهم بالكتابة٬ بمعناها الشمل٬ يعبر عنها بألمعية كرسالة مفتوحه بملء الجفون والألسن والأزقة والموانيء٬ هنا وهناك٬ خصوصا روائعه السردية منها٬ حيث تحتل مكانا بهيا في نفوس القراء٬ كما هي لنفوس الأدباء الكبار في العالم شرقا وغربا٬ بأقتناءها حيث انتماءات مشاربهم٬ منقولة إليهم بانتقاء و واقعية٬ يهيمن عليها الشغف والشغب والتمرد٬ بداية الصداقة مع الحياة٬ الأخر٬ لكنها تمهد لما بعدها٬ من صيحات ومسات جنون٬ وإثارة الشفقة على كل من المارة من المارة الصالحين٬ وهم يهيمن عليهم المرح الطفولي٬ و الشخصية الخفية في بواطنهم من إرادة وتحدي وشقاء الصداقة مع الصبر… تقرأ اعماله باستمرار٬ وما زالت تحفظ الشخصييات بمعظم رواياته٬ وهي تعد للقراءة للبعض أكثر من مرة. فيمتلك أسلوبا يتسم بالحساسية القصوى٬ والشاعرية المتدفقة٬ ترى فيه شاعرا كبيرا في رواياته٬ كما يمتلك خيالا خصبا واسعا٬ بحيث يجعل من رواياته تؤلف مجمتعة كتابا متسلسلا رائعا٬ يوضع في الصفوف المتقدمة من المكتبة العربية العظمى٬ بحسب التعبير البورخيسي الفاتن.
من هنا والكلمات تأخذ بتلابيب بعضها البعض٬ بحزن بمختلف التعابير والاتجاهات٬ عن فراقه٬ حملا بهذا الهاجس الموجع الرفيع الذي حصلنا عليها من “القدر!”. مما أوجه التعازي برسالة مفتوحة لعموم اصدقاءه وذويه و لاصدقاءه المخلصين٬ الذي اشاد بهم عبرة التفاني محبة جديرة بهم ٬ كما كان هو جيدا بها.
طوكيــو 21.08.22