مهوس بمدينته وما تمثله من ذكريات وملاعب صبا وبساطة عيش وأب مثقل بالهموم وام لا تملك سوى الدعاء لأبنها الوحيد الذي خرجت به الى الدنيا واعتادت ان تراه بقربها طوال الوقت ..غير ان الابن قد اعتاد قضاء جل وقته خارج البيت.. وتمرده على رتابة الوقت ووجوه الاصدقاء المكررة التي تثير في نفسه الضجر .. وحين يعود الابن الضال تراها تمطره قبلا ..وعندما دقت طبول الحرب وسمع ازيز
الرصاص اخذه الاهل الى مدينة اخرى ليذوب مثل سكر في اقداحها .
احس بغربة وهو يسير بخطى وئيدة وسط الزحام مأخوذا بجمالها وواجهات محلاتها التي لم ير مثيلا لها من قبل وجمال نساءها اللائي يراهن سيلا من النسوة النصف عاريات فتبدو المدينة وكانها غابة من سيقان .
بدا حلمه حلم عصافير .. بيت يأويه متى احس بالتعب .كتب قصائد كثيرة واحلى الابيات لكنه ظل مشردا دون بيت في وطن مستباح.. جلس في حانة بشارع الوطن وراح يحتسي النبيذ ..اخذ القلم ورسم بيتا جميلا سره شكل البيت وما ان اثمل حتى سقطت سيكارته على الورقة فاحرقت البيت فما كان منه الا ان اجهش بالبكاء واستشاط غضبا ..كفكف الندماء دموعه ليغادر بعدها الحانة مودعا من قبل النادل بقصد العودة لعائلته التي كانت لا تعرف عنه شيئا في مدينة كبيرة وصاخبة التي يضيع فيها الجمل ما بالك بانسان غريب مثله وهو ثمل جدا فقد احتسى البحر كي لا يصحو ويتذكر ما حل به من ضياع .