الذي غادرناه من الحلقه السابقة٬ دعانا به إلى أمتلاء كيانتها في معرفة ما فقدت موضوعات الباليه من معارفها الاساسية أساسا. فلحظة حملها الفن كصورة للحكمة٬ أنفصلت عن لحظة البيان٬ كباقي الفنون في طرحها العام عن الحقيقة. بمعنى تفردها في ما تمثله للخطاب من توجهات؛ عبر وظائف قدرتها في إنشاء قضايا المعنى٬ تحتم عليها أن تقلع منه٬ أو الرفع من خلالها على أنقاض٬ ألتقاط ما قد تفيد منها المفردات المألوفة تعبأة روتينية الفهم (كقطيع)٬ في توجه المعاني بمفرداتها٬ بل أن تحررها الاحكام النمطية الصورية في قدرتها كصورة. بل حملت بأسها٬ لتصب أهتمامها؛ على دراسة مجموع الثوابت الجمالية الخاضعة؛ لتاريخ حمولات المعرفة ٬ لتاريخ العقل النمطي.
بمعنى٬ أن فقه الجمال ولغة الفن للجسد والخطاب المسرحي الحيوي٬ لم تترك إليها منشأ على أنقاض الفهم العام٬ والتاريخ المعرفي الجمالي٬ وتحليلات الثروات من المعلومات المتغيرة٬ بل أخذ خلاله تأسس قيم معرفية جمالية٬ حيثما لم تكن هذه توجد. أي بمعنى٬ أعتمدت المكان في الزمان الكوني٬ مبحثا شاغلا عن تركات حركاته الخفية٬ أي التبؤر في عمق الأخدود للأشياء؛ التي كانت تفصل بينهما٬ وما لها من أنعكاس في معرفة الأداب والعلوم في العهود السابقة٬ في التصنيف والتخصيص٬ والذي عبأت نفسها أن تملأ ضوضاء الأتصال المعرفي/ الجمالي من فواعل. أي٬ ما أخذت تتطور على موضوعات لها فقه ونحو جمالي متفاوت ومنتظم٬ مقولا خلاله للوظائف التمثيلية للخطاب؛ من المكان ذاته٬ من الأشياء؛ التي خضعت لتاريخ البحث الطبيعي والإنساني٬ الذي ترك بصمات حقائقه للحكم على ما كنت تملأه٬ عن الوعود بعد مغادرة أحكام وتأويلات شاقة الإنتاج عن علاقة ما قد تم الانفصال منه٬ في مباحث مخارج الاحكام عن لحظة البيان. ان شئتم.
فإذا برز على عكس ما أرست عليه النزعة التقليدية٬ في تقوية أهدافها ودعائمها الأقوى متانة٬ وثوقية في التحول الذي أصاب تكوينها؛ في ترتيب الخبرة الجمالية المرتبطة بالأشياء المميزة٬ والمؤثرة في إعادة إنتاج ثورة فنية جمالية٬ إذ تصوراتها خلقت من مبحث الحقيقة٬ منتج لتأملات المعرفة٬ في أنوجاد نفسها٬ إظهار ما قد يبدو للعيان في الصوت والحركة٬ ما يعطي من خلال أنطلاقها على الظهور؛ داخل المسرح وعوالم الفن التماثلي٬ فيما تختلقه صورة للفكر المتوهم في نفسه من القدرة على ما تعكس خلاله من كيانية في أتصالها إليه.
أما عن التحولات التي واكبت أتساع٬ علويتها٬ الذي أصاب علم الجمال والمعرفة المميزة للفكر المتعالي٬ من أساسيات التقدم الفني في دراسات علم الجمال٬ وطبيعة الإمكان من وصف وصفه٬ عن طريق النظر والرأي٬ والدراسة؛ معبرا عن لحظتها العلمية الجمالية٬ إبداعا من قوة تأسيسية عليها٬ حيثما كانت الأفهومية الكلاسيكية أو ما تظهره للعيان من خلال أنطلاقها للتمثيل بكيفية لا تنقطع فيها٬ وداخل تمثيل القيم الجمالية٬ أي أن تترك للتأملات زمانية معرفية٬ غير معلقة٬ بل قوية في إبراز التماثل بالمقابل٬ عبر فضاء فلسفي في المكان؛ الذي أرست فيه النزعة الفنية اللائقة في آرساء دعائمها الأقوى وثوقية ورشاقة.
ذلك أن تحليل الإنتاج المعرفي/الجمالي٬ كمشروع أفهومي جمالي متعالي٬ متجدد٬ للإنفاق التأملي الجمالي الحيوي٬ تحديد دورها الأفهومي أساسا في تحليل العلاقة بين القيمة والجمال؛ رصد المعنى في تحديد دورهما؛ كما أن أفاهيمية الكيان الجمالي المرتهن٬ عضويا وتنظيميا٬ ورصد أدوات مناهجها التشريحية للمعرفة الجمالية المقارنة بالتمثيل.
وبالأجمال٬ أن أغلب الموضوعات المحورية “للقوة البدنية” للفنان/ـه ترصد التطلعات الإبداعية الناشئة٬ قوة مهارات مضافة٬ في تحديد دور الأخيرة٬ في تحليل وتوزيع الاسانيد الأقوى٬ برهان “متانة” في منهج التشريح المقارن؛ ما تعد “البنية البدنية”؛ تفسر كيف أن اللغة التعبيرية في تحليل إشكالية البنيات الملاحظة؛ في الأفراد القادرة على تقويم السمات الفنية الجمالية للأفاهيم عموما٬ بحسب الأختيار للنص٬ المعتمد٬ الذي تقوم عبره مقام سمات عامة؛ بالنسبة للتفاوت المعرفي من جهة العقل في المعنى٬ وكذلك بالنسبة إلى التصنيفات عن أجاناسها التشريحية المقارنه في بنية أصالة الاتصال إليها؛ علما٬ كان لفقه الرقص لأجل أن يوجد الأحكام الصورية للغة٬ مثابة الجسر٬ في مد قدرتها على أنشاء المعنى؛ أو المصادر المؤهله في تمييز المعنى؛ من الملاحظات في تحليل العلاقة بين القدرة والمقامات التماثلية٬ والتغذية القادرة في الإعادة للتنظيم المعلوماتي؛ التي تفيد عن طبيعة الفصائل/الفروع/ المفردات للغة٬ والبيانات المنتقاة أخذها؛ في التخصص والمناهج للتأول والتشريح في التحليل والنقد.
فقه الرقص: لغة٬ له مفرداته الخاصة به؛ في تفسيرها بايلوجيا٬ لها من المقام سمات التأثير٬ في المحورية للأجناس والفصائل والفروع للأشياء٬ والأثر الاجتماعي الثقافي في الحركة والتغيير٬ كي يصب أهتمام التأثير؛ على دراسة مجموع الثوابت الثقافية “لغويا”؛ في السلوك العام٬ والتاريخ الطبيعي للمعنى٬ وتحليل مخارجها المعرفية الحادثة٬ بل وتأسس حيثيات لم تكن قد وجدت من قبل٬ أي التمكن على أشغال نبض المكان ٬ لما هو شاغر أصلالة في الموضوعات الإبداعية والاتصال.
وبرز في فضاء الباليه٬ فضاء فلسفي متجدد في الاتصال٬ فيه من الموضوعات الجمالية محركا أساسيا٬ عن تفكير العلائق مع الأشياء٬ من تقاسم أواصر التفكير الفلسفي. فلحظة الحمل المعرفي٬ لحظة أنفصال وأتصال٬ ظاهري ومستتر٬ معتمدة على لحظة البيان؛ هو سمات تفسيرها كمقاطع متصلة وعارضة للاشياء العامة/كيانات/موضوعها المعرفي التقليدي والجديد٬ ليظهر مكانها شكل العلاقة بصورة جمالية أوسع فهما٬ وأكثر دفعا وتأثيرا بين مبحث الاحكام٬ وسياقات أشياء الوجود المعرفي مكانيا؛ في زمن صورتين متماثلتين٬ لحظة الحكم من أتصال و أنفصال. بل من أجل أن تفسح لنا المجال في معاينة الإشكالية في مسألة لحظة البيان المعتمد؛ في حصرالعلاقة العامة بين المعنى الأصلي تاريخيا٬ والجديد في مبحث الأحكام٬ أي لحظة التعيين الأولى٬ ولحظة لحاق الاشتقاق عبر الزمن.
وبذلك الباليه تؤشكل المكان والزمان من جهة٬ والأفهوم الجمالي المرتهن من جهة أخرى٬ وكذلك الأثر على أعظم لحظة للتفكير الجمالي المعرفي والفلسفي المرتهن. بحيث أن يكون التساؤل عن طبيعة العلاقة الجمالية التي تهدف إيضاحه فنيا؛ عن علاقات إنتاج المنطق الجمالي للوجود؛ سالكة بذلك سبيل الصياغة التمثيلية؛ والتي لابد أن يصادف فيها بشكل علم جمالي٬ بصغة الرياضة/ الهندسية/ لما تحث عليه من مخاطر وأهمية٬ فيما هو مألوف ومختلف في المعنى.
في حين الإشكال الأفهومي الجمالي المرتهن٬ المعبر عنه في الباليه؛ هو العلاقة الدلالية؛ بين المعرفة المتحولة بالدلالة بأثر زمني؛ فالباليه تغوص مكانتها الإبداعية في ضروب تدشين عملية الكشف عن البنية المسرحية في العروض؛ عملية كشوفات خلاقة لن تعرف في المسرح التقليدي العام ـ٬ وهو لا محالة سبيل صياغته كتماثل في الطرح والاشتقاق لأي موضع في العرض. بمعنى البالية قد تكون هي من تعلن نهاية الفهم المسرحي التقليدي٬ كنقطة شروع لأنفصالها٬ بالتدقيق والنظر٬ والمعيدة من جديد بطرح موضوعات التأويل الأساسية ومناهجه. ومما لا شك فيه أن الإشكالية الأهم؛ التي كان من الضروري أن تطرحه أدوات منهجها على إطار تأملاتها الفلسفية في الجمال؛ هي مسألة العلاقة بين هاتين الشكلين اللذين اتخذتهما الباليه في منظومة تفكيرها الفلسفي الحديث.
صحيح أنه ليس من أختصاص المسرح في الأداء٬ نحوها٬ غير أن الإدلاء بالهدف؛ هو من الضروري يشكل تفكير فلسفي تدور حوله٬ أتخاذهما الأهداف؛ في طرح الموضوعات القابلة والمعيدة في التأويل عبر المخالفة والموافقة والتغيير والتطوير٬ ما إذا كانت تلك العلاقة بالاهداف تتخذ من العلاقة إلى أنعقاد فيها من روابط ممكنة٬ أو بشيء من المكانة حول طبيعة أسسها الراهنة٬ لكن في مقدورها ـ الباليه ـ٬ تعيين المنطقة التي تسعى تلك العلاقة اعتمادها إلى صلة شراكة فيها٬ من حيث المرجعيات الادبية٬ والحيز المعرفي الجمالي؛ الذي ترمي به فلسفة الجمال الحديثة؛ إلى أن تعثر فيها على وحدتها٬ وفي أي موضع من الأشياء الحيوية٬ كاشفة عن الثقافة الإنسانية وملابستها التأويلية في المعرفة ولغتها المنسوبة؛ في طروحات الموضوعات التحليلية؛ التي تعتمدها التخصصات في التفكير الفلسفي والجمالي٬ أو العلاقة بين الشكلين في حيازتهما القابضة٬ من أجل أن تعثر فيه على وحدتها٬ وفي أي فرع أو أداة يصادف فيها إشكال منطقي أو جمالي في شروط تقبلاته.
وعادة ما تحصر الباليه أختصاص تطلعاتها في أهم المسائل؛ التي يتخذها التفكير الجمالي والقيمي٬ على التفكير الفلسفي٬ وفي أي المواطن المعرفية التي تكشف عنها ميادينها بشكل أرحب؛ أي أن الأفهوم الجمالي عادة ما يعين المنطقة التي تسعى إليها على إشكالية تعثر وحدتها في الحيز التمثيلي٬ الذي ينضم خلاله التجديد٬ إن شتم.
لأن الباليه كمعرفة جمالية للفن٬ يؤرخ لها الأنطلاقات الفنية الجمالية الجديدة؛ في التعبير والتأويل عن الموسيقى٬ مما يمنح قوة معاصرة في المعنى٬ وليس فقط كمبحث مجدد في وحدتها وانعقادها للعلاقة بينها٬ وبين الفروع الفنية الأخرى؛ في أختصاص الصورة الفنية بالبحث؛ في شروط وقبليات تشكيل الوحدة المعرفية٬ زمانيا للمعنى٬ و الأنطلاق منها مكانيا في تشكيل الطرح التمثيلي الموازي؛ في الإدلاء بموضوعات التأويل الاساسية ومناهجه٬ إذا ليس بالبحث وحدة متوقفة على التأثير والتأثر٬ بطبيعة الحال٬ معتمدا إليها بالكشف؛ شروطها؛ في تقليب الموضوعات عن شروط القابليات الخاضعة تاريخيا؛ إلى مشكل ما نصب إليها من ارتباطات في التفكير الفلسفي٬ عن الجمال٬ وعن العلاقة المنطقية في تشكيل الهيئات الهندسية والجمالية في أعتمادها التفكير الفلسفي.
بهذا المعنى٫ تستطيع الباليه تحليل شروط الأفهوم الجمالي التي سمحت بوجود الراهن يتغلغل في تاريخانية الجمال وطبيعة المعنى والتحليل للثروات المعرفية في إعادة إنتاج المكونات التأويلية٬ مدشنة أنطلاقا في كشف السبيل لأفهوميات الجمال٬ والمعرفة التي لم تؤرخ عن أنطلاقاتها ٬ بحكم تسترها في الكشف عن المعاني٬ وفقه ونحو مناطقها في تلك العلاقة الممكنة٬ لتودع بأنعقاد علاقة مع العلوم والأفكار والأراء في نسج ما تمرح به الأشياء من كيفيات منهجية٬ وحيزها القبلي الذي ينظم طبيعة تاريخ المعرفة التأويلية على وحدتها الناقصة/الكاملة. داخل فضاء لا شروخ فيه أو أنفصام. وإن كانت فيها تحليلات عروضية في التمثيل؛ الموسيقي والمسرحي والشعري واللغة؛ والأنظومات الثقافية في ثوابتها المجتمعية المنسجمة والمتجانسة فيما تقدمه؛ من تباينات خلاقة في وحدة المعرفة واتساعها٬ وهي تعالج ما عجز فيه العمق الجمال في باقي المعالم المعلوماتية من أختلال عميق. إن شئتم.