مقدمة :
حفزني لوضع هذا الكتاب ما رأيته من عزوف الشباب عن القراءة والابتعاد عن تراثهم…لقد بذل رواد النهضة العربية جهودا جبارة في غربلة التراث واحيائه ودفع المواطن العربي الى التمسك بتأريخه والفخر بحضارته , لكن الانظمة الشمولية و ظهور النت و شبكات التواصل الاجتماعي ويأس الشعوب اجهزت على كل تلك الجهود , حتى اصبحنا نغلف الكتاب بكيس ونحن نحمله خشية الاتهام بالبطر … والكتاب جمع لاهم حكايا الاعلام و العلماء العرب .. بعد توطئة مختزلة لسيرهم , وقد بذلت جهدي في التحقيق معتمدا على مصادر قديمة ومعاصرة .ان اية امة تتخلى عن تراثها ورجالها الخالدين فمصريها العبودية او الفناء ..انهم هناك في الغرف السرية يهندسون تخلفنا..وعلى المثقفين ان يعرقلوا الانزلاق الى الهاوية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخليل بن أحمد الفراهيدي واضع علم العروض ومعجم العين :
ولد أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي في سنة 100 هـ / 718م بعمان،(وقيل بالبصرة ) والفراهيدي نسبة إلى فراهيد، وهي بطن من الأزد، سافر إلى البصرة طلباً للعلم فتتلمذ على مشاهيرعلمائها..
عرف بالصلاح وحسن الخلق ورجاحة العقل والذكاء والوقار والتواضع، وأكثر ما كان من صفاته بعد سيادته في العلم وانقطاعه له ما كان من زهده وورعه والتقلل من الدنيا والصبر على خشونة العيش وضيقه، وكان يقول: «إني لأغلق علي بابي فما يجاوزه همي»، فحكى عنه تلميذه النضر بن شميل، أنه أقام في خص من أخصاص البصرة لا يقدر على فلسين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال>>. ».
وعكف الفراهيدي على دراسة علوم اللغة العربية، حتى عده العلماء الواضع الحقيقي لعلم النحو في صورته النهائية، التي نقلها عنه تلميذه سيبويه في كتابه المسمى «الكتاب» فذكره وروى آراءه في نحو ثلاثمئة وسبعين موضعاً معترفاً له بوافر علمه، وعظيم فضله. ويذكر أنه ذهب إلى الكعبة حاجاً، فتعلق بأستارها، ودعا الله أن يهب له علماً لم يسبقه أحد إليه، ثم عاد إلى وطنه، فاعتزل الناس في كوخ بسيط من خشب الأشجار، كان يقضي فيه الساعات الطويلة يقرأ كل ما جمعه من أشعار العرب، ويرتبها حسب أنغامها، ويضع كل مجموعة متشابهة في دفتر منفرد، وذات يوم مر الخليل بسوق النخاسين، فسمع طرقات مطرقة على طست من نحاس، فلمعت في ذهنه فكرة علم العروض، وهو ميزان الشعر إذ ضبط أوزان الشعر العربي، وحفظه من الاختلال والضياع، وقد اخترع هذا العلم وحصر فيه أوزان الشعر في خمسة عشر بحراً واهتم بضبط أحوال القافية..
ويعد الفراهيدي من أهم علماء المدرسة البصرية، تتلمذ عليه الكثيرمن العلماء منهم سيبويه.
وأشاد به العلماء فقال السيرافي: «كان الغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو وتعليله>>. »
مصنفات الفراهيدي :
خلف الفراهيدي الكثير من المصنفات منها كتاب «العروض»، و«الشواهد»، و«النقط والشكل»، و«النغم»، و«معاني الحروف»، و«العوامل»، و«النوادر»، و«الجمل». غير أن الذي أذاع شهرته في الآفاق هو كتابه ومعجمه الفريد في مصنفات اللغة العربية كتاب «العين»، إذ يعتبر أول معجم جامع للألفاظ في اللغة العربية، قال عنه أبو الطيب اللغوي: «أبدع الخليل معجمه حسب مخارج الحروف مع مراعاة أوائل الأصول.توفي بالبصرة عام 170 هـ ، ويقال إن سبب وفاته هو استغراقه في التفكير في طريقة تيسر استخدام الحساب على العامة، فدخل إلى المسجد، وهو شاغل فكره في التفكير فاصطدم بسارية(عمود) المسجد وهو غافل فكانت السبب في موته.
((الحكاية))
ومن حكايات زهده أن سليمان بن عليٍّ والي البصرة وجَّه إليه يلتمس منه الشخوص إليه وتأديب أولاده نظير راتب يُجرِيه عليه، فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزًا يابسًا، وقال: ما عندي غيره، وما دمت أجده فلا حاجة لي في سليمان. فقال الرسول: فماذا أبلغه عنك؟ فأنشأ يقول::
أبلغ سليمان أني عنـه في سعـةٍ
وفي غِنًى غير أني لسـت ذا مـالِ
سخَّى بنفسيَ أني لا أرى أحـدًا
يموت هزلاً ولا يبقي على حـالِ
والفقر في النفس لا في المال نعرفه
ومثل ذاك الغنى في النفس لا المـالِ
فالرزق عن قَدَرٍ لا العجز ينقصـه
ولا يزيـدك فيه حَـْولُ محتـال
إِن كانَ ضَنُّ سُلَيمانَ بِنائِلِه
. فَاللَهِ أَفضَلُ مَسؤولٍ لِسُؤالِ
فقطع عنه سليمان الراتب، فقال الخليل:
إن الذي شقَّ فمي ضامن ــــ للـرزق حتى يتوفـاني
حرمتني خيرًا قليلاً فما ــــ زادك في مالك حرمـاني
فبلغت سليمان، فأقامته وأقعدته، وكتب إلى الخليل يعتذر إليه، وأضعف راتبه، فقال الخليل :
وزَلَّة يكثر الشيطان إن ذكرت
منها التعـجب جاءت من سليمـانا
لا تعجبَنَّ لخيرٍ زلَّ عن يـده
فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المزي 2\327