كبور ولد الفقيه عندما سمع بخبر تقنين القنب الهندي، هزه الحنين إلى الماضي. فقد كان تاجر مخدرات صغير، لا يتجاوز رأسماله ألف وخمسمائة درهم ، ويربح ثلثها تقريبا. لكن المشكلة هي أن الفترة التي يقضي في السجن، تُضاعف أيضا ثلاث مرات الفترة التي يقضيها (حرا). تعب عندما تقدم به العمر، وبدأ يفكر في الزواج والاستقرار. ولأن البلد يعيش في أزمة بسبب انتشار فيروس كورونا، كما أكد له المرشح الذي عمل معه في الانتخابات السابقة، فقد صدّقه عندما وعده بأن يجد له عملا قارا، حين تسمح الظروف بذلك. كما نصحه بأن يُطعم أمه وأخته من رزق حلال، مهما كان قليلا، فأجره عند الله لا يُقدّر بثمن. لذلك لم يجد أمامه غير استبدال بيع الحشيش، ببيع السجائر بالتقسيط.
رغم انخفاض الدخل بشكل كبير، فقد ضمن له على الأقل أن يبقى طليقا لفترة طويلة لا يقطعها سوى إذا لعبت الخمر برأسه، ودخل غمار معركة تنتهي به وراء قضبان السجن.
اليوم بدا وجهه بشوشا، وهو يجلس أمام باب الدرب خلف صندوق يضع فوقه سجائره الشقراء والسوداء. سمع عن أخبار تفنين (الكيف). لكن كل ما انتهى إلى سمعه هو أن الحكومة ستضع قانونا، يسمح بزراعة القنب الهندي. و(الكيف) حسب علمه لا يُستعمل إلا في مجالات ترتبط بالتخدير. فهو يُباع سرا أحيانا على شكل مشموم من الورد أو (مقسس)* مثل حبات الكسكس، ومجموع في قطعة من ورق قوي، يشبه الورق الذي يضع فيه جزارو الأسواق القروية اللحم. ويُصنع من غباره الحشيش، ويُستخرج منه أيضا زيت له مفعول كالسحر الأسود، ينقل من دخّنه رفقة سيجارة شقراء إلى عالم يشبه الجنة، يتخيل فيه كل ما يشتهيه، فيرى ما يعشق وكأنه بين يديه. لكن ثمنه غال جدا، وغالبا ما يُسوق إلى بلدان ما وراء البحار. البعض أيضا يستعمله في المعجون. يطبخ سنابله في الزبدة حتى يطلق زيته، ثم يعصرها مع طحين دقيق محمر مخلوط بالسكر والمكسرات. ويتحول الخليط إلى معجون، يشبه لون وطعم (الشوكولاطة).ويعتقد كبور بأن بعض الفقهاء يدّعون خطأ، بأن الكيف والحشيش والمعجون يلهون الناس عن العبادة. ففي رمضان من العام الماضي تأكد، وهو يؤدي صلاة التراويح، بعد أن دخّن سيجارتين محشوتين بحشيش من النوع الرفيع، بأنه تخشّع لله كما لم يتخشّع له مخلوق من قبل، وكأن الملائكة استقلت به عن كل ما حوله، ونقلته إلى عالم من الورع والتقوى والصفاء، حتى نسي بأنه مجرد بائع (ديطاي)*، فرأى وجهه بلحية ورأس غزاهما الشيب من كل جانب، يرتدي جلبابا أبيض، والنور يسطع من وجهه، يطير في السماء بين النجوم ، كأنه أحد أولياء الله الصالحين .
تحلق بالقرب منه بعض الشبان من الدرب فسمع أحدهم يقول:
ـ الآن انفرجت! أصبح بإمكان أي مواطن، أن يشتري قطعة حشيش، ويدخنها بكل حرية، دون أن يطارده شرطي أو مخزني، ويزج به في السجون.
قال مع نفسه وقد غمرته فرحة لا حد لها بعد سماعه لكلام ذلك الشاب:
ـ من كان يصدق يا كبور بأن (البزناس)* يمكن أن يحصل على ترخيص للمتاجرة في الكيف ومشتقاته؟! لابد أن الحصول على هذا الترخيص دونه سبعة نجوم. الكثير من الناس سيسعون للحصول عليه، لأنه مثل الدجاجة التي تبيض ذهبا. حتى الفقهاء سيجدون ألف سبيل، ليتوسطوا في السر، لأبنائهم وذويهم من أجل الحصول على رخصة. وأنت يا كبور لا أظن أنك ستحتاج إلى واسطة، أو تقديم رشوة. أنت تتوفر على ملف متكامل، يتضمن شهادات مختومة بتوقيع عمداء الشرطة، وقضاة المحاكم، ومدراء السجون، كلها تزكي بأنك كنت (بزناس) فيما مضى من الأيام. ملف كسقف من حديد لا يتسرب منه الماء. كل هذه الأيام السوداء التي قضيتها وراء القضبان لن تذهب سدى. أغلب الناس يتمنون اليوم لو كان لهم مثل هذا التاريخ. هل فهمت الآن يا كبور لماذا قال الحكماء بأن الزمن دوار؟!
ثم بدأ يحلم بوضع خطة للمستقبل:
ـ إذا حصلت على الترخيص، سأقيم حفلا، وأبدأ من حيث انتهيت. وبعد شهر أو شهرين سأكتري محلا في موقع رئيسي من الشارع العام، وأكتب فوق بابه: شركة دخان النسمة لصاحبها كبور ولد الفقيه.
لم تعجبه كلمة نسمة. تبدو غامضة. والاسم ؟! لماذا سموه كبّور بهذه الباء المشددة الحادة مثل السكين؟! لو كان بيده لسمى نفسه صهيب أو طاهر أو نجم. لن يكتب اسمه الحقيقي. سيكتفي بوضع عبارة: شركة نجم لبيع الذهب الأخضر بالتقسيط، وإذا فتحها الله عليه سيضيف كلمة وبالجملة.
بدت له عبارة الذهب الأخضر عبارة فخمة مثيرة وجذابة ، تليق بالمقام، لا يخطئ فهمها الحشاشون.
لا يجب أن ينسى الزبائن الذين لا يعرفون القراءة. لا بد من رسم صورتين بالألوان واحدة لغصن القنب الهندي، والثانية للوحة متوسطة من الحشيش.
حظه العاثر يُنغّص عليه دائما أحلامه الجميلة. خشي أن يكون ما تخيله مجرد وهم، مثل كل الأوهام التي حطمت حياته من قبل. عليه أن يتأكد من صحة هذه الأخبار حتى لا ينهار سقف الحديد فوق رأسه.
المعلم عمر هو الشخص الوحيد الذي يمكن أن يطفئ نيران شكوكه. سيأتي بعد قليل متأبطا الجرائد، ويقتني ثلاث سجائر أو أربع قبل أن يدخل إلى بيته. يبدو أنه يفهم في السياسة. كل المرشحين في الانتخابات السابقة طرقوا بابه، وحاولوا التودد إليه، لكنه أشاح بوجهه، فتمنوا عليه ألا يهاجمهم، ويحرض السكان ضدهم. يبدو أن الرجل غاوي فقر، وإلا لرفعته السياسة إلى السكن في حي أرقى.
لن يخسر شيئا إذا ابتسم الآن. عندما يلتقي بالمعلم عمر، ستظهر الحقيقة. أشعل أغلى سيجارة شقراء عنده، أخذ نفسا عميقا ونفث أمامه سحابة كثيفة من الدخان وردد مع نفسه:
ـ غدا سيصبح لك اسم جديد، ومهنة معترف بها هي تجارة الذهب، لكن ذهب بلون أخضر! إذا سارت الأمور على النحو الذي فهمته، فقد صدق خطيب الجمعة، عندما قال بأن الله تعالى لا ينسى عباده المعدمين.
المعجم:
ـ مقسس: مهيأ للتدخين
ـ ديطاي: لفظ من اللغة الفرنسية يعني التقسيط
ـ (بزناس): لفظ من اللغة الفرنسية يعني تاجر، وهو وصف يطلق في المغرب على تجار المخدرات.
مراكش 14 مارس 2021