1
اللٌيل الذٌي بدأ يُحيل ظلامه ،ويترك سكونه كان قد سرق ساعات من المغرب ،الجلسات والكلام المبعثر ،اقداح الشاي كثيراً ما تتناوب مع السجائر . حتى تستسلم الأنفاس إلى دعوة الفراش لتعترف بجزئيّات الحياة التي سيطرت عليها رقصات الفرح من وجبة دسمة وآماني عند مفترق طريق الحصار .كُتُب مفتوحة مفضوحة ،وأخرى طالما احال الأديب العقّاد شِعرها إلى نثر .والعاطفة التي تفلت هي الأخرى من سجّانها تحبُ أن تدغدغ الإنوثة .
مسكينُ هذا الليل الذي يتكرّر الف مرّة ويودّع احباباً واصدقاء إلى المقابر ليجددّ غفوته مع الذين وصل إليهم السؤال اعِشقاً ام تِيهاً ،اانت مُتيّم ؟انا مريض .هنا يحاول الحلم أن يرشد صاحبه انت دنِف تنّز منك خيوط للعيان في مدارات النفس ،ولحظات التوحّد لا تستطيع أن تتجاوزها مرّة اقفل الحلم أبوابه أمام جيش المدنفين والهياميين ليدخل الخط مع حالم واقف تسمرّت قدماه عند الشباك الذي يطلّ على الحديقة .
الليل والظلام اليفانِ يكسران قيود النهار ،والضوء والسكون يفرضان سيطرتهما عند خليط الليل ،ولكن الارجل لا تعرف الجلوس هي في تواصل دائم لا ينقطع إلاّ بسطوة الظلام .
ينظر إلى مكتبته في جوف الليل الشّتوي،يشعر بسخونة يده حينما يضمّها الكتاب دِفءُ الكلمات وهي ترافق شفتيه .هل كسر الليل قيوده وتصابى عليه متطفّل في جنح الظلام .ايكون اخطبوطاً ينّط عند ادراكه تحوّل النهارات بعد تعبٍ وكدّ ؟ أو تحوّل المغرب إلى لحظات قصيرة لابُد أن ينهيها سرطان الليل ! هو لم يبدأ الشخير بعدُ ،ثمّة صوت معه يهمس خارج زجاج الشباك. ايكون الوله والحبُّ قد سيطرا عليه..ذلك الواقف الشخص إتسعت مِرآة الصورة حينما رصّت انفها.تحسّس انفه بلمسة مستعجلة ،والكتاب بيده الأخرى هو لم يعاشر الحلم فنزواته المكبوتةطالت سنوات ،لم يطمح للرئاسة! كان يريد رغيف الخبز ليومه بعدما أخبره المسؤول الحزبي عن تعليمات صادرة _علّموا الناس كيف يشدّون الأحزمة على بطونهم_لا تتركوا أحداً لا يشّد لانٌه سينحرف عن الخط المرسوم له.
كان يعمل بالوصيّة قوت لا تموت كي يمسح احزانه ،ويوزّع الآهات هنا وهناك .
2
ازدادت ألنقرات مع صوت رجالي…. أنا اِفتحِ الشّباك ! تغيّرت سحنةالواقف في غرفته زادت ضربات قلبه ردَّ بكلمات مبحوحة :م…مَنْ ..انت؟
_اجاب الجاثم خلف الشباك: أنا.
_مَنْ انت؟
ردَّ ذو الوجه الذي ترك لِزوجة انفه على الزجاج:أنا اللَّص…لص…ل…ص
_ماذا تقول.؟
_انت امتهن منذ سنوات الحصار هذه المهنة ،فكم تركت بيوتاً اليوم نفسها لصُّ محترف لكلّ شيء، أحذية ، عيون الغاز ملابس منشورة،واخرى وسط البيت عند شخير اهلها،واليوم استوقفني منظرك !
_وماذا في وقفتي.؟
_ضحك اللص من منظره قائلاً:اظنّك في أعلى درجات الانهيار ،وانت ممسك بالكتاب .
_ها…ينظر إلى الكتاب الذي في يده .
_ ما مهنتك ؟
_رجُل متقاعد ،التهِمُ الكتب كلّ وقتي .
_انت سياسيّ مثقّف!
_مثل ما تقول .
_مثقف ويتحرّك آخر الليل .
_انا اتحرّك ،كما تتحرّك انت؟!
_وماذا تملك انت؟
احسّ الواقف في غرفته منذ بدء الحوار أنَّ السرقات أنواع منها المادية والمعنوية ،وسرقة الكحل من العين ما لبث أن قال:انا أملك هذا الخزين الذي أغرقت نفسي فيه سنوات الا تحسّ إنَّ كلينا مسروقان !
ضحك اللص والتفت جهة الممر الذي يقف عليه عند جنح الظلام قائلاّ:وكيف توصلّت لها يا شاطر؟
_انا لستُ بالشاطراتعقل أنّ شخصاّ مثلي يقف ليلاّ من اجل ان يقرا؟
_انت مَنْ سرقك ؟
_قال صاحب الكتاب: الا تحسب إنَّ سنوات الحصار سرقت حياتنا والغتْ منّا مفكرة الأيام وكلّ لحظات السعادة !
_كيف؟.
3
_لقد نزلتُ أول أيام العيد لبيع جهاز الراديو لانّي لم احتمل الجوع .!
_ردّ اللص انا بدأت السرقة بعد أن هربت من الجيش وكانت بداياتي عند السرايا المتقدّمة للحرب ؟!
_كيف؟
_بعد كلّ هجوم افتّش الاجساد المتروكة في أرض المعركة اجمع الساعات ،المحابس،اجهزة الراديو…تصوّر أنّ شهوتي تتفتّح لحظة اشتعال النيران والقذائف.! واليوم تحولّت إلى المدن أبحث عن كلّ شيء للسرقة.!
_قال المثقّف :انت مسروق كذلك ،الا تتصوّر هروبك من الحياة هو سرقة لزمانك ولحظاتها.
ماذا تقول.؟
_اقول انت مسروق من الرفاق يعفون عنك عندما تدّ س النقود في جيوبهم.
_كلانا مسروق لحظات عمره بل سنوات وجوده في الحياة !
_اجل أنا ُسرقتُ أيام حياتي اتوارى بها عن الشِرذمة وهي تمارس التفتيش كلّ يوم لترمي بي في الجبهة بعد سنوات من الخدمة في الدائرة ،بعد هذا هل لديك رغبة في سرقتي.؟
_وانت الكَ رغبة في التشهير بي في جنح الظلام .؟
_اذن عُدْ ادراجك وامسح سنوات السرقة في الحروب ،وانتظر الفجر كما انتظره أنا كلّ يوم.
_ أنا مُشبّع بلذّات الحروب ؟!
__لكنني متشبّع بالهموم والبحث عن رغيف الخبز.!
_انت تتصوّر الحياة بالكتب التي تُمرّر عينيك عليها ،فنظرك قصير.
_تجاه مَنْ؟
_الشباب الذي لا يرجع ،واخبار النصر تتكرر بين الحِين والآخر.
_انت دقيق في وصفك .!
_انت دقيق في صمتك.!
4
كانت. النافذة قد تمنّت أن يصيبها التهشّم لتفضح داخل ذلك الجاثم بانفه عليها أن ترفع لحظات الهذيان لكلّ منهماحين يدعّي المقدرة على سرد روايات الحياة ؛ تجارب ميتّة تُوضع على المسرح انين وزفير بين رغيف الخبز وشهوة محترقة تدسُّ انفها بكلّ شيء مساحات للضياع شاسعة تكتم انفاسها الحدود الملتهبةبالمحارق من شواء لاجساد غضّة حلمت بالسعادة نهاية الشقاء،وتوسّدت الامل الذي أصبح مشنوقاً مثلذلك كطفل يغفو عند يدي .تنظر فيه لحظات الحنان .!
يسقط الكتاب من يد المثقف ،بدات اليدان تتشاجران امتلكتهما الرغبة .! اخذتا مخالب القطّ زاد الصوت انخفض الحياء ،كثُر اللغط منهما وقلَّ الصبر فضح النهار اغوار كلّ منهما.
الريح تلعب بالاشجار ..تلاعب شعر اللص. يلتصق بالنافذة يغفو عند صبيحة الفجر يكتم انفاسه .
ينهض المثقّف يجّدد صوته للحياة تنبض أمامه بكلّ صورها.!