
يبدأ طقوس ايّامه بوتيرة واحدةيأكل ما جمعته يداه. يحاول أن يثبت جدارته أمام زوجته أنّه تمّكن من الحصول على مستلزمات لقمة اليوم. يظهر أمامها فارساً جاب. الادغال، ونزل الوديان، وجابه الحيوانات المفترسة صادق بعضها بما قرأ من حكايات عن اُلفة الحيوان وترويضه، يراوغ الأخرى عن طريق الطيران من أمامها او القفر إلى جهة أخرى. وهو يمارس كلَّ ذلك لانّه لا يمكنه عبور حدود دولة ثانية، ويبقى يمارس لعبة القفزوالجري حتّى يُرضيها ويثبت لاطفاله حقيقة ابّوته لهم، و امرأته التي قالت.
_هل ستذهب للبيع هذا اليوم.؟
_لا.
_انت تعلم انّنا في عصر أصبح الحصار فيه شديداً..!
_اعلم.
_اتذكرُ ما قرأته لي من الصحف… ما سمعته بإذنك.. وما شاهدته في التلفاز.؟
_قرأت وسمعت وشاهدت.!
_ما العملُ؟
_قررت اليوم البقاء في البيت.!
_ماذا تنتظر.؟
جلس على الأرض وشرع في كتابة الرسالة التي وعدَ بها صديق أخيه الذي كان متشوّقاً لكلّ سطر يطرزه بكلمات تسمح لدموعه ان تنزل على خدّيه. ثمَّ يصطنع كلمات للفرح المؤجّل.!
كان اخوه قد غادر البلاد بداية الحصار. هو لم يشهد كل تلك السنوات نزلت علينا من السُّلم تجتاز عتبات الزمن بسرعة مذهلة.!
كانت الحروف ترجف.. ترجف لحظةسماعها بالكتابة. عن ماذا ستكتب تلك الحروف عن ذلك الذّي جثم على صدور قبِلتْ به! وتناست العِزّ والحياة الكريمة.. وحتى القلم يأبى ان يخون تلك الصّدور.
كان عقربا الساعةتمشيان كأنَّهما تلدغ بعضها. إن يكتب لاخيه شيء يسّره ذلك الذي يصارع الغربة بالتمنّ، ياكل ايّامه بوجع والم. ثمّة ربع ساعة من الوقت المتبقي ولكن ماذا سيفعل بالكلمات العاصية على الكتابة.؟ ولماذا يشهر نفسه أمام أخيه وهو يعلم يوم أغلق الباب مودّعاًكان مَنْ في البيت ينظر إليه غائباً لن يعود سالماً في عَالم يحسب عليه خطوات.
ردَّ على امرأته:قلت لكِ لن اذهب اليوم لابيع جهّزي ما توفّر للغداء فإنّي مشغول بهّمٍ من فارقني ماذا سأكتب له بل ماذا سأضع في الرسالة من نقود.؟ ااخبرصديقه أنّ عاصفة شديدة اضاعت دنانير إنْ صحّت الروايةامّ إنّ الراتب لايكفي لأسبوع.؟
هانذا احتال على الوقت كي ارضيك يا اخي وهذا كلّ ما أستطيع فعله!
دُقَّ باب الدار دقَّتينِ كان يلملم بقايا نفسه التي قنطت اسرع إلى الباب :منْ؟
_انا صديق أخيك في الخارج.
_هو… نعم أهلاً بكَ
_جئت لاحمل رسالة منك إلى أخيك، وانا على عجالة من أمري.
_ماذا سأقول له الكلمات دخلت ِ العصيان كانَّها في مصنع الحصاروتوغّلت لسنوات. قررّ ان يخرج له والرسالة بين يديه لا يريد أن يسلّمها ولا إن يعتذر ولمّا رأى إنتظار صديق أخيه قد نفد صبره أبلغه بكلمات قليلة…. قل لاخي انّه لا يستطيع أن يكتب حرفاً واحداً لانّ الحصار قد سيطر عليه لدرجة يكاد ان يجد مخرجاً من المآزق الذي هو فيه.! يترك صديق أخيه الباب وكانّه قد إختفى.