” رايحين ندور على السعادة ” .. لا نجدها . يتكرر الأمر ، لأن البداية خاطئة .
البحث عن السعادة ، يفترض أنها ” خارج” الانسان ، فى مكان معتم ، أو عنوان مهجور ، ملقاة على شاطئ ما ، أو مدفونة تحت الآرض ، وفى أعماق البحار ، مثل الذهب واللؤلؤ .
بينما ” السعادة ” ، هى ” داخل ” الانسان ، وليست خارجه . وكل ما نحتاجه ، هو
” التحديق ” فى داخلنا ، وأن ” نرهف السمع ” للصوت الهادئ ، ينشده القلب ، فى زهد ، وشموخ ، واستغناء .
وفى بحثهم عن السعادة ، يندفع الناس الى امتلاك المال ، والثروة ، والشهرة ، والسلطة ، والنفوذ ، والصداقات ، والسفر ، والمقامرة ، والحب والجنس . وبعد الانخراط فى هذه الأشياء والعلاقات ، يكتشفون أنهم ما زالوا ” غير سعداء ” ، وربما من قبل ، كانوا ” أكثر سعادة “. الوضع الذى لا يحتمله البعض ، فينتحر ، أو يرتكب جريمة ، أو تبلعه دوامات الاكتئاب والاحباط .
والسعادة ليست تفادى الألم . ولكنها امتصاص الألم حتى ثمالة الحكمة . وهذا يعنى أن القضية ليست الألم ، بل كيف ننظر اليه . وكما قال المهاتما ” غاندى ” 2 أكتوبر 1869 – 30 أبريل 1948 : ” لا تيأس .. فالبحر لن يتسخ بسبب قطرات ملوثة من الماء “.
علمتنى الحياة ، ألا ” أجادل ” مع الألم . بل أحسن استضافته ، أدعوه الى العشاء ، على ضوء الشموع ، أخصص له غرفة ، لا يدخلها سواه . وعندما ينوى الرحيل ، أعطيه قُبلة امتنان ، ونسخة من مفتاح شقتى . السعادة الحقيقية ، هى فن ادارة الألم ، والحزن .
ان الأشياء المادية خارج الانسان ، مثل المال ، أساسية لتأمين حياة كريمة ، من طعام ومسكن وعلاج ، وترفيه . المال وحده ، لا يحقق السعادة . حتى الحب ، الذى نتغنى به ، لا يستطيع اسعادنا ، الا اذا كنا ” سعداء ” بدونه . والثروة ، التى نعبدها ، لن تسعدنا ، الا اذا كنا قبل الحصول عليها ، نشعر بالامتلاء والغِنى .
نحن لا نستطيع أن نحظى بشئ ، غير موجود داخلنا . فالبوصلة ، والحقيقة ،
والغاية ، والهدف ، و ” المعنى ” ، و” الأصل ” يرقد بداخلنا .
ان السعادة ، ليست ” مركزا ماليا ” ، فى أحد البنوك . ولكنها ” حالة عقلية ” واعية ،
ايجابية ، تكشف للانسان ” الطاقة ” الكامنة فى قلبه ، والشغف ” الحقيقى ، ” الموهبة ”
السارية فى دمه ، و تميزه عن الآخرين ، و” السِر ” يهمس له فى سكون الليل : ” أنت الكون ” ، و ” الكون أنت “.
وهذا لن يحدث ، الا اذا أصبحت ” الذات ” المنسية ، المجهضة ، المقهورة ،
الممنوعة ، المحظورة ، المحبوسة ، المغتربة ، المكروهة ، المنبوذة ، المهمشة ، مقصوصة
اللسان ، منكسرة الأجنحة ، تفك الحصار ، تدرك قدراتها ، تلمس الخيط الواصل بينها ، وبين باقى الموجودات .
” الهارمونى ” بين ذواتنا ، و ملكاتها الابداعية ، وبين ذواتنا وأنشودة الكون ، فلا نعود نشعر بالاغتراب ، والقلق . وما كان يشكل ” عدوا ” لنا ، يصبح نافذة ضرورية ، للاطلال على آفاق ، جديدة .
كل ” ذات ” فريدة من نوعها . ولا توجد ذات ” مُهمة ” ، وأخرى غير مهمة ، أو أقل أهمية .
وهذا هو المصدر الوحيد ، ” للطمأنينة الوجودية ” . والسعادة ، هى ” الممارسة ” الحياتية المتصلة ، الناتجة عن هذه الطمأنينة .
نعيش فى عالم ، يرصد ميزانيات ضخمة ، فى الثقافة والاعلام والتعليم ، والفن ،
والدعاية والتسويق ، والتكنولوجيا ، من أجل تمجيد ، وتعظيم ” التضحية ” بالذات الفردية ،
من أجل الآلهة ، والوطن ، و الجماعة ، والاستهلاك ، والأسرة ، والخرافات ، والأوهام ، والعادات والتقاليد .
ان ” التنازل ” عن ذاتى ، خيانة عظمى . ومنْ يخون ذاته ، يسهل عليه الخيانات الأخرى ، ولا يعرف مذاق السعادة .
خير وتقدم البشرية ، كان بفعل نساء ورجال ، لم يضحوا بأنفسهم .
هناك اناس تقتلهم ” الوحدة ” ، ليس بسبب ابتعادهم عن الآخرين . ولكن بسبب ابتعادهم عن ” ذواتهم “. وعنوان حياتهم ، هو ” الهروب ” من الذات ، بكل الطرق ، وطول الوقت ،
لاهم أموات ، ولا هم أحياء .
فى الحالات الشديدة ، يكون هؤلاء هم منبع الشرور ، والجرائم فى العالم .
ولكن هذا لا يمنعهم من تبادل الورود ، حينما يهل ” اليوم العالمى للسعادة ” فى 20 مارس كل عام .