الحسين بري:
استفاق هذا الصباح، أحس بتعب شديد، حاول أن يتذكرهل ذاق طعم النوم أم لا؟
لكن ذاكرته المتمردة، أعلنت العصيان، لم تعد تطاوعه، بل لم تعد تستجيب لرغباته.
أحس بضيق شديد، حزن رهيب يجثم على صدره، يخنق أنفاسه، يحرمه لذة الحياة.أفكارمشوهة تعبث بذهنه، تتقادفه كما تتقادف أمواج بحرهائج بقايا شراع محطم. أحست بالامه وأحزانه، أطلقت العنان لخيوط أشعتها الذهبية، كي تداعب وجهه الشاحب، وعينيه الذابلتين. تحتضنه كما تحتضن الأم رضيعها. بأدب جم، أشاح بوجهه عنها، واستسلم لأفكاره المسمومة.
أصوات عديدة تتناثربداخله، كماتتناثرأوراق الخريف في ليلة عاصفة هوجاء.
بعد تردد طول، وبايعاز من رفيقة دربه، اختارالحل الأصعب. اقتحم حديقة ذهنه، توقف عند بابها، جال بنظره في كل أرجائها.
كانت غارقة في فوضى عارمة، تغوص في أوحال قذرة، أشواك وطفيليات تملأجنباتها. حتى العصافير،التي كانت بالامس تملأ المكان بتغاريدها العذبة، هي اليوم هاجرت تحت جنح ظلام دامس …
حتى الأزهار التي كان المكان يتباهى بعطورها الفواحة، اختفت، ولم يبق منها سوى زهيرات، تقوس عودها، وانحنت رؤوسها في خنوع واستسلام.
جثا على ركبتيه، نظر الى السماء، ثم أجهش بالبكاء. كان يبكيها بحرقة زائدة، لكنه سرعان ماتذكر أنه اختار صعود الجبال. توقف، استجمع قواه وذاكرته، ثم شرع في إعادة بنائها من جديد. رمم سورها، حصنها بباب حديدي، ملأ أطرافها بأغراس مختلفة وبالوان زاهية. كان يواضب على تشذيبها، وتخليصها من الزوائد والحشائش الضارة.
ماهي الا شهورا قليلة، حتى استعادت الحديقة عافيتهاوتوازنها. يجول بين ممراتها،يستمتع وهو يتأمل حلتها الجديدة…
يستلقي تحت ظلال شجرة، يتأمل زرقة السماء في استرخاء عميق.
خيوط أشعة شمس الصباح تتسلل عبر الأغصان، تشاطره فرحته، تلفه بدفئها، تأخذه من غفوته وترمي به في أحضان نوم لذيذ لطالما كان يحلم به…