منذ الثمانينات كانت انطلاقته عبر المطبوعات المختلفة في محافظته نينوى أم الربيعين وأهمها جريدة الحدباء حتى رسخ أسمه كقاص في مدينة الموصل، أصدر مجموعة القصصية الأولى “”أكليل الملك “” عام 1996 عن الاتحاد العام للأدباء و الكتاب في محافظة نينوى وبعدها أصدر مجموعته القصصية الثانية “”الأسوار البعيدة”” عن دار الشؤون الثقافية في العاصمة بغداد عام 2000 ثم رواية “”سكاكر البرجس”” والتي أحدثت ضجة في وقتها عن مؤسسة الواحة للنشر عام 2007 ثم كتاب “” تسابيح الخيول”” الذي صدر عام 2010 عن مطبعة الأخوة في الموصل ، وعبر شبكة الانترنيت تمكنت من أجراء حواري هذا معه لنعرف القارئ بالقاص والروائي سالم صالح سلطان أحد أعلام و رموز نينوى الأدبية في وقتنا الحاضر .
— رواياتك وقصصك القصيرة مستمدة من المدرسة الواقعية التي تحدث في مسقط راسك نينوى فما الذي تتميز به هذه المدرسة..؟؟
نتاجاتي يعكس واقع بيئتي التي عشت بها وكذلك هي مطهمة ومشبعة بالموروث والعادات والتقاليد الموصلية التي كنا نجد في طقوسها الإنسانية منبع لتربية صالحة أنتجت جيل يحمل جمجمة العراق بخلقه وكفاحه ونضاله وتنظيمه للحياة بتصنيفاتها السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية للبيت الموصلي خاصة والعراقي عامة.
— يذكر الدكتور إبراهيم العلاف في مدونته وفي موضوع له أنك كنت تتحدث عن شخصية عبد البرجس في روايتك المشهورة “”سكاكر البرجس””فحدثنا عن هذه الرواية وهذه الشخصية الحقيقية التي كانت قريبة من المجتمع الموصلي..؟؟
عبد البرجس في الرواية كان منطلق عضوي دخلت من خلاله مدينة الموصل ،وهو رجل يحمل بين جنباته تأويل غيبية عما يمكن أن يحصل وما يعانيه الفرد في الموصل ،ومن كل الجوانب لذلك لا تجده يوما متوقفا في حركته الدائبة بين الناس وفي مختلف أرجاء المدينة .فهو في السوق وبين قوميات المدينة عبارة عن متلازمة تنسج حبها الموروث في عيشهم على أرضها منذ عقود طويلة منصرمة وعند جلوسك معه و أنت تحمل كل متناقضات الشكوك حوله يستوقفك بإثباتات أفعاله وكراماته بكل ثقة وأمام جمهور واسع من مريديه وزواره.
الحديث عنه طويل لكنه يبقى عبد البرجس أسطورة موصلية سوف تتحدث عنها الأجيال وعن صفاته الحسنة رغم منظره المشوب بدشداشة ملح لونها وحافي منذ أربعين سنة خلت في شوارع الموصل.
— يذكر الأدباء أن السرد يمر بظروف صعبة واستثنائية فما هي برأيك من يمنع السرد من التقدم ..؟؟
السرد أسلوب متبع كتابته في الرواية والقصة ،وهناك أدباء ماهرين في صياغة السرد والتعاطي مع طرحه بأفضل الأشكال ورغم أن القصة أو الرواية الحديثة . العضو الفعال فيها منطق السرد لكن وللأسف الشديد مازال الكثير يجهل استخدامه بطريقة علمية صحيحة وكيفية توظيفه في النص ، الخلل في الكاتب طبعا ومستوى معرفته بعناصر بناء النص السردي بشكل خاص .
— نجد أن السرد عندنا ملاصق للمدرسة الواقعية لا يبتعد عنه بتاتا بينما نجد أن هناك مدارس أخرى متداولة فلماذا لا نجد أدباؤنا يلجئون للمدارس السردية الأخرى..؟؟
الكاتب ابن بيئته وسرده يكتسبه من طبيعة البيئة المنتمي لها ،لكن حينما تؤثث لنص خام خاص من فضاء خيالي مؤسطر لديك عند ذاك عليك إيجاد أسلوب سردي يوائم الطبيعة العلمية لنصك كي يخرج منسجما ومتن النص
— أصبح النقد الأدبي للسرد عملة نادرة على العكس النقد الأدبي للشعر فما هو السبب ..؟؟
طبعا لأن الكتابة السردية تحتاج لناقد خاص وخاصة في مجال القصة والرواية ولا تنسى أن النقاد عددهم قليلو العدد قياسا لكتابنا وشعرائنا وكذلك في بقية دول العالم .
— من قراءتي لمنجزك الأدبي أجد أن لك توقعات مستقبلية كتبتها في الماضي وها هي الآن حدثت في وقتنا الحاضر ..؟؟
يحتاج الكاتب إلى الرؤية المستقبلية في تفكيره عندما يفكر أو يكتب وكذلك قراءة المعطيات والنواتج التي ممكن أن تفرز من أحداث عصره إلى القادم من الزمن ، وحتى عبد البرجس عندما كان يقول للناس هناك نار كبيرة قادمة ستحرق العراق كانوا يضحكون منه وبالتالي فأن العراق احترق ودمر.
— الكل يتحدث عن روايتك القادمة ،فهل من الممكن أن نعرف القارئ بروايتك القادمة..؟؟
الرواية القادمة لمن عذب أصابع رأسي ودلل ليلي بالرصاص وجدران السجون ونفاني في فيافي الجبال و خيبات الأرصفة، الرواية القادمة خطاب للفرد المشرقي وهو ينفصم في رؤيته المستقبلية تجاه ما يحلم وتجاه ما يخرب فيه ذاته وتأريخه وحلمه الربيعي الذي يتماهى له كبرقع يتوامض ولكن لا وجود له. الرواية القادمة لا قطرة لعينها الضائعة .
— كل مبدع له أجواءه الخاصة للإبداع فما هي الأجواء التي يحتاجها الأستاذ سالم من أجل أن ينقل إبداعه إلى الورق..؟؟
ملاك الإبداع يتلبسني بعد كل تداعي أعيشه في واقع الحياة .بعد كل تجربة أو موقف مؤسف أو حالة تكسر عظم تفكيري وتثير مكامن السعير بروحي فتجدني أجلس أمام أوراقي مستسلما لبياضها الحميم لأنسج عليها ما أجده يعوضني حالة الخيبة و الانكسار النفسي بالكتابة .
— ما هو الأقرب إليك من خلال تجربتك السردية الثمينة القصة القصيرة التي تختزل كل شيء في سطور قليلة أم الرواية ذاك العالم الذي لا حدود له..؟؟
هي حكمة أتمنى أن يستفيد منها كل مبتدئ. كل البدايات هي تجارب ومران قاسية للمبدع في القصة تتعلم فن الاختزال والتصوير ونظم السرد وأداء الحوار المركز المختزل بمفردات بسيطة وكيفية غزل بداياتك وطبيعة الاستهلال فيها وكذلك عملية شد العقدة في القصة ونسجها نحو نهاية مثيرة عند القارئ .كل ذلك ينتج بعد ذلك عند الكاتب سفر الطريق نحو الرواية والتي تعتبر مركز الرجم الفكري لما يريد أن يوصله عبر الفن الروائي.
— العالم أصبح قرية صغيرة هكذا يقولون بسبب الثورة التكنولوجية التي نعيشها فأين مكان “”السرد”” في هذه القرية الصغيرة..؟؟
لقد أثر سرد كتاب أمريكا الآتينية كثيرا في عالم الرواية المعاصرة ،وغالبية كتاب العالم يخوضون مضمار السرد في معظم اشتغالهم الكتابي. أنا بالنسبة لي أجد وعبر رؤيتي المتواضعة وبسبب التطور التكنولوجي أجد أن أسلوب الاختزال في تنظيم عمل الجملة الروائية وكشف مضمونها عبر لغة سحرية ساخرة متهكمة مؤثرة في المتلقي هي من أفضل الطرق للوصول إلى كتابة جديدة لأن العالم يتغير بسرعة شديدة وينبغي أن ننتبه لذلك.وكل اشتغال أنيق ومؤثر له جماله بدون قوانين شرطية عقيمة .
— طوال هذه المسيرة الأدبية الرائعة والمتميزة هل ما يزال هناك حلما أدبيا لم يرى النور حتى هذه اللحظة لدى الأستاذ سالم ..؟؟
أن الأحلام كثيرة ولكن علينا أن ننجز ما هو قريب وبين بين إذا منحنا الله سبحانه وتعالى عمرا جديدا.
— كلمة أخيرة تريد قولها للقراء ..؟؟
علينا أن نحافظ على الحب والتسامح والتآلف الإنساني بيننا نحن البشر .في عالم ينزلق نحو متاهات الغربة الروحية عن بعضه البعض ومن دون ذلك سيبقى ما نحصده غير ذي قيمة .