سعد عودة :
لم أطلعْ على حياتي عن قرب
كانت تضع على رأسها عباءة سوداء وترتدي (بوشية) سميكة تغطي وجهها بالكامل وكلما حاولتُ الاقتراب منها تهرب الى الجانب الاخر من السرير والعالم بأسرهِ ينتظرُ خارج الغرفة دم بكارتها المصفحة بوسائد (ستانلس ستيل) تلمعُ للظلمة وتُغلق بأحكام بقفل الكتروني ارقامهُ السرية تتكون من ثمانية وعشرين حرفا وملايين الارقام .
السنين تمرُ وانا اركض ورائها من سرير لسرير ومن خلوة لخلوة ,
توسلتُ ,حاولتُ بكل فلسفات الكون اقناعها ,ضربتها بكل أثاث الغرفة ,هددتها بان اقتل روحي واتركها للشارع,شتمتُ اهلها وأجدادها وتاريخها ,صليتُ لله ان يهديها ,اخيرا صرخت بوجهها
انت حياتي, وانكِّ لي وحدي,وان تبقين عذراء هكذا بعد كل هذه السنين أمر لا يُحتمل ,لا يُطاق
افتح شباك الغرفة واصرخ بها
تعالي ..انظري الى حَيَوات الاخرين ,كيف يخرجنَّ بملابس شبه عارية يحملن على رؤوسهن آثام وخطايا,آمال وأحلام ,دماء ودولارات ,اطفال وغربة ,سفر وحكايات.
وأنت تتركيني في هذه الغرفة القاحلة ,بلا ذاكرة وبلا حكايات ,بلا مغامرات ولا قصة واحدة يمكن ان اخبرها لله بعد ان اموت ,امنحيني ذنب واحد تحاسبني عليه الملائكة ,ما معنى ان اعبد ربا لا يجد شيئا يغفره لي ,تتركيني للأسئلة وتنزوين بلا صوت في ركن الغرفة ,ولا نظرة ولا حتى همسة صغيرة تمنحني املا كاذبا.
ايتها العاهرة ,لماذا انتِ هكذا ,بلا رغبة,ما هيَّ طينتكِ وما معنى وجودكِ هكذا ,ما الذي يجعلكِ تستمرين بقتلي ,سنيني تتآكل وأيامي ملت من تكرار هذه اللعبة ,ان اركض ورائكِ,اركض ,اركض ولاشئ يحدث بعد ذلك ,دعيني ارى وجهكِ فقط ,سأتقبل بشاعته اذا كان بشعا ,سأقبل بقسمتي وما اختاره الله لي ,ولا يهمني شيئا بعد ذلك
ارجوكِ ,سأقتنع برؤية وجهكِ فقط ,لن اطلب اكثر ,لن المسَ شيئا من جسدكِ او احاول تقبيلكِ ,سأقف في ركن الغرفة ومن بعيد ارفعي (البوشية) ودعيني اميز ملامحكِ ,طيب سأطفئ اضواء الغرفة واكتفي بأشعة الشمس التي تتسلل بخجل من بين ستائر الشباك ,سأكتفي بملامح غير واضحة وأدع خيالي يكمل الباقي ,بعدها سأفتح باب الغرفة وأترككِ ترحلين ,لن اركض وسأقتنع بما رأيت واترك نفسي للحلم ,الحلم الذي سيفض بكارتك وينام معك كل ليلة ,يتلمس جسدك قطعة قطعة ,هل تعرفين لن اكتفي بمرة واحدة وستكون لي حفلة على رأس كل ساعة,ربما انت تتطلبين بين ساعة وأخرى وإنا كريم جدا ولا أرد طلبا لحياة رائعة مثلك ,ها حبيبتي الان ارفعي البوشية ..
اركض اغلق ستائر الغرفة فيسود ظلام خفيف تشق جسده خيوط الشمس التي تحول اثاث الغرفة الى ملامح استطيع ان اميز حدودها فقط بينما تختبئ التفاصيل تحت أبط الظلام ..
حينها تقف في الزاوية البعيدة عني ,ترفع البوشية بهدوء فيشع وجهها كضوء الهي يضئ الغرفة بالكامل..
وجه على شكل رغبة ترسمها ريشة الجمال ,الكحل رسم حدودهُ على عينين واسعتين ببؤبؤ يحمل لون كستنائي وشفتين يسيل منها لعاب رطب شفيف يبلل الرغبة ويمنحها يدا تصفعني كي ابقى مركزا على هذه الملامح الالهية ..نظرتْ الي وسألتني بهدوء
الم تفهم بعد..انك لن تحصل مني على شئ ابدا..ارجوك افهم ذلك
اهز رأسي موافقا وافتح باب الغرفة واخرج للشارع هكذا بدون حياة.
—