ضمن منشورات دار الفرات للثقافة والإعلام، صدرَ حديثا (تشرين الأول 2015) باللغة العربية في العراق (بابل) وبطباعة أنيقة، ديوان شعري جديد للشاعرة الناقدة والمترجمة الدكتورة أسماء غريب، تحت عنوان ((99 قصيدةً عنكَ)). يقعُ الديوان في (380 صفحة) من القياس الوزيري، ويتكون من 125 قصيدة ذات طابع صوفي عرفاني حديث، حرصتِ الشاعرة على أن يكونَ صوتُها فيه صوتا تجديديا، يُسائلُ حَرف التصوف وتاريخه، وينفضُ عنهُ غبار التقليد، ويحرره بلغة أصيلة وأسلوب سلس من تكلّسات الإيديولوجيا والفكر المُوجَّه. تتصدّرُ الديوان كلمة بقلم الشاعرة، جاءت كتمهيدٍ حاولت من خلاله إرشاد القارئ إلى الأرضية التي انطلق منهَا حرفُها الصوفي، وإلى مدى تأثير المدينة التي رأتْ فيها النور على بعض من قصائدها، لا كلّها، ذلك أنّ حرفَها يتجاوزُ حدودَ الإقليمية أو الوطنية ليعانقَ حدود العالمية والكونية، مما يعني أنّها هي نفسُها قصيدةٌ ذات ثقافة غزيرة جمعتِ الشّرقَ بالغرب وصهرتْ بين أسماء مختلفة من أعلام الإبداع والحضارة الإنسانية وجعلتْها تتحدثُ بلسانِ اللاهوت تارة، وبلسانِ العلوم الحقة تارات أخرى، وبلسان أهل الفلسفة والخيمياء تارات ثالثة.
لوحةُ الغلافِ هي من إنجاز أسماء غريب، وقدْ أطلقتْ عليها اسمَ (شجرة المُلْكِ)، وهيَ تُشْبِهُ طائرا ذهبيّا، يُجَسِّدُ حسبَ وصْفِ الشّاعرةِ لهُ، قلْبَ الإنسانِ المُجنّحِ والمُتوهّج، والمُعَافى من كلِّ علّةٍ وداءٍ. وهو ما يعني مرحلةً شفائيةً أشارتْ إليها أسماء في لوحتِها بالشريان الأبهر والوريد الأجوف، الملتفّيْن على جسد الشجرة الشِعريّة الواقفة المتجرّدة منْ كُلّ قيْدٍ ورَسْمٍ، مُشكّلةً بوقْفَتِهَا هذه أيقونةَ الطبّ العظيمة، والتي بمُوجِبِها يتحوَّلُ الديوان برُمّته إلى عيادة شفاء الإنسان مِنْ أمراضه وقلقه، وخروجِه منْ حالة الظّلام إلى حالة النور، ومن حالة الحربِ إلى حالة السّلام.
الديوان هو مِن تقديم الأديب والفنان التشكيلي السوري صبري يوسف، وقد كتبَ عنهُ أيضا ستّة من النقاد والباحثين العراقيين. وهو الرابعُ بين دواوينها الشعرية التى صدرتْ لها إلى اليوم، ويتميّزُ كما سبقه من الدواوين بطول النصّ الشعري، وهذه سمة تتأتّى من طول نفَس الشاعرة في كتابة المؤلفات والدراسات النقدية التي تعتمدُ البحث العلمي وتقتضي مِن الدّارس الصّبر والتّأني حتّى يأتيَ العملُ مُميّزا جديدا وتجديديا، يخاطبُ الروح والعقل أكثر من العاطفة، ويحفّزُ القلبَ على التّفْكير واختراق حُجب الكلمة والغوص في رموزها القديمة الجديدة.
—