س1 كيف تقدمون الروائي الكاتب محمد سيف المفتي؟
رجل قرر أن يعرّف الغنى بغير المال.
يقول عن نفسه أنا من أغنى أغنياء العالم، إلا أنه لا يقيس ثراؤه بالأرصدة، بل بـ “تجارب الحياة” التي قذفته بين أقصى الأضداد: بين الفقر والغنى، بين لهيب الحرب والأمان المطلق. رجل عايَن كيف تتحوّل التحية باحترام حين يكون في طريق الشهرة والمال، إلى نظرة باردة بلا اهتمام حين ينعكس الطريق.
تقلبات البشر حوله لم تسمح لأفكاره أن تتلوث بالكراهية أو الحقد؛ ليس لأنه “طيب القلب” ، بل لأنه ارتضى لنفسه نقاء فكرياً مطلقاً ولم يسمح بهذه الملوثات كما يسميها أن تلوث دواخله. لذلك، وبعدما امتلك الخبرة، اختار الانسحاب من صخب السياسة والمناصب (في المجلس البلدي والبرلمان)، لأجل سيادة الفكر وحريته.
هو كاتب “يجتر” أحداث الحياة بعمق شديد، ويسافر باحثا عن الالهام الحقيقي، ويقول عادة ما اجده في العشوائيات وبين الناس البسطاء، أما الالهام المزيف فأجده حاضرا في الفنادق الفخمة، وعندما اجده يدفعني بقوة لأرسال رسالة جديدة كما في روايتي “رقصة داكنة”.
هذا النص الذي قيل عن أسلوبه في الجرائد النرويجية: ” أسلوب سهل يكاد أن يكون مستحيلاً”، و كتب كذلك “تمكن المفتي أن يكون محايداً بين الضحية والجلاد.”
وكما كتبت عنه هيئة الإذاعة النرويجية على لسان كبيرة النقاد مارتا نورهيم:
” وحين عاد سيف إلى النرويج، كنت أتوقّع أن تُنهي الرواية بهدوء… وربما بلقمة من شطيرة السلمون في مركز Ski للتسوق وفي المقهى الذي اعتاد الجلوس فيه.
لكنّ المُفْتي يختار بدلًا من ذلك أن يرفع وتيرة الأحداث درجة أخرى وأخرى، ليُظهر لنا مرةً جديدة مدى تعقيد المعركة ضدّ التطرّف.
المُفْتي صوتٌ جديد ومهم في الأدب النرويجي.
س2 ما هي اهم الاشكاليات التي اشتغلتم عليها في نصكم الروائي.؟
بعد أن علكتني الهجرة بقسوتها ورأيت بأم عيني الثمن الذي يدفعه المهاجر ليقف على قدميه من جهة ولاحظت أن هناك عددا كبيرا لم يستطع الوقوف على قدميه، فقمت بتعريف الهجرة على أنها تلك التجربة الصادقة التي لا تعرف المجاملة والقاسية الصارمة التي لا تعرف الرحمة، والتي نفتقد فيها لحنان الام وعطف الأب. بمعنى آخر اوربا ليست الجنة الموعودة كما توصف وقطوفها ليست دانية وفي متناول يد الجميع. اردت حماية الناس من أحلام اليقظة فجاءت ولادة الجمال العربية على الثلوج القطبية في عام 2007.
بعد سنوات من السفر والترحال بين بلداننا العربية وبلدان اوربية بدأ ارصد آثار الطبقية على مجتمعاتنا وكيف تولد احقادا بين الناس والسبب هو في عدم المساواة والمحسوبيات وعشرات الأسباب التي تجعل الانسان لا يرى إلا أنه مضطهد لا لسبب إلا لأنه ينتمي الى عائلة فقيرة، أو من أحد الأقليات أو لعائلة لها تاريخ لا صلة له به غير أسم العائلة أو دينه والاحتمالات التي يحاسب الانسان اخاه الانسان كثيرة، وكلها صدفة جغرافية، سببها أن رجلا عشق أو تزوج حبيبته أو من المرأة التي اختارتها له العائلة في بقعة جغرافية معينة فجاء الى هذا العالم رجل أو إمراة تحمل تاريخا لا علاقة لها أو له به، فجاءت ظالمايا التي ولدت في عام 2014 محذرة من العنف الذي قد يقوم به المستضعف تجاه القوي عندما يطفح الكيل، تتحدث الرواية عن ظالمايا، ، ظالمايا العليا وظالمايا السفلى اسم افتراضي لمدينة عاشت في عقل الكاتب، والنتيجة في نظر القراء مهمة جدا للكاتب، هناك من رأى فيها تازا العليا والسفلى في المغرب وهناك من رأى فيها العلاقة بين رام الله وغزة وهناك من فاجأ الكاتب وقال هذه هي العلاقة بين المنطقة الخضراء وبقية العراق، يقول الكاتب أن هذا الأمر لم يخطر ببال، هذا التشبيه منحني شعورا بأن رسالتي وصلت الى أي بقعة جغرافية عانت وتعاني من الطبقية.
اما الرواية الثالثة فجاءت بعد مخاض عسير دام ثمانية سنوات وذلك على أثر اختطاف الموصل واختفاءها خلف علم الدولة الإسلامية الأسود في عام 2014 وضياع ولدي أختي خلف اسوارها، وخلال هذا البحث اكتشفت الكثير من الخفايا.
فكتبتُ ” رقصة داكنة” لأذكّر هذا العالم بحقيقةٍ لم يشأ أن يراها بعد.
لو كانت القنبلة والرصاصة قادرتين على قتل الأيديولوجيات، لما عادت النازية، ولا تجددت الراديكالية، ولا خرجت من الظلام أفكارٌ ظننا أننا دفنّاها.
والسبب ببساطة أن العالم لم يفهم بعد أن الأيديولوجيات تشبه البكتيريا:
السلاح لا يقتلها… بل يفعل فعل المضاد الحيوي ويدفعها لتطوير سلالاتٍ أشد قسوة وفتكاً. هذه الأفكار لا تُهزم بالرصاص، بل حين نكشف حقيقتها، وننزع القناع عن وجهها، ونزرع بدلاً منها أفكارًا إيجابية بناءة قادرة على أن تنافسها في الوظيفة والمعنى. اردت أن يرى العالم أن الأفكار وحتى أكثرها عدوانية لطالما كانت قادرةً على أن تمنح إنسانًا ما «وهم فائدة»
فستعود دائمًا من جديد وبوجهٍ جديد. وعليه! الأفكار التي لا نزيحها بفكرةٍ أعمق، ستبقى، حتى لو ملأنا العالم ترساناتٍ نووية.
هذه المعارك ليست معارك سلاح، بل معركة وعي.
س3 ماهي اهم المدارس التي تفاعلتم معها قراءة وأثرت في كتاباتكم؟
بالرغم من تقديري العميق لقامات الأدب العربي والنرويجي لغتي الثانية بالإضافة الى ترجمات الادب العالمي التي قرأتُ لها، والتي أثرت بلا شك في لغتي وثقافتي العامة… إلا أنني في الحقيقة لا أرى مؤثراً جذرياً في تقنية الكتابة وبنية النص سوى اسم واحد: غابرييل غارسيا ماركيز، يقفز أمامي كلما فكرت في كلمة القدوة في الأدب.
لقد علّمني ماركيز، من خلال الواقعية السحرية، أن الأزمات الإنسانية الكبرى – كالتطرف والحروب – لا يمكن تناولها بالواقعية الجافة وحدها. بل يجب رفع الحدث المأساوي إلى مستوى الأسطورة الخالدة.
باختصار: ماركيز هو المؤثر المنهجي الذي قدم لي مفتاح الرؤية والأسلوب.، إلا أنني رغم ذلك واعجابي بالكثير من الكتاب إلا أنني اكتب بأسلوبي.
س4هل نحتاج اليوم الى مدرسة نقدية عربية لها اسسها ومقوماتها النظرية والتطبيقية؟
أجد هذا السؤال هو سؤال اكاديمي، لا أملك الخبرة الكافية للإجابة عليه، لكن من خلال تجربتي أجد أننا بحاجة الى مدرسة نقدية قادرة على تقييم النصوص المطروحة في الأسواق وتلزم دور النشر بتقديم ما يرتقي الى مستوى الادب، فأسواقنا ممتلئة بكتب يصعب قراءتها.
س5كيف تقيمون اليوم الحركة النقدية العربية وهل واكبت هذا الكم الهاىل من النصوص المنشورة؟
لا أعتقد أن هناك حركة نقدية قادرة على مواكبة هذا الكم من المنشورات وخصوصا بعد أن تحولت كلمة “الكاتب” أو ” الروائي” الى برستيج وعليه يكتب الكاتب ما يشاء ويدفع المبلغ المطلوب من دار النشر وسيحصل على عدد معين من الكتب مقابل المبلغ المدفوع وحفل توقيع ويحصل الشخص على لقب كاتب أو كاتبة وانتهى الامر. سمعت عن كثير من دور النشر استبدلوا حرف الراء بحرف اللام، يسرقون جهد الكاتب وعدد دور النشر الرصينة بدأ يتقلص في عالمنا، أتمنى أن تكون هناك حركة نقدية تتعامل مع النص وعمل دور النشر من التدقيق اللغوي والتحرير الخ الخ.
س6 ماهي مشاريعكم المستقبلية واهم الاشكاليات التي تودون الكتابة فيها وعنها؟
لم يمتلأ سنام الجمل بعد بفكرة جديدة! العمل القادم يتعلق بالتغيرات التي تطال المجتمع بعد أن تندمج فيه كثير من العادات الحميدة والخبيثة القادمة من البلدان البعيدة، هذه الفكرة انتهيت منها وأتمنى أن ننشرها خلال النصف الأول من 2026. اشعر أنني مسؤول عن القاء الضوء على بعض الجوانب في الحياة التي اكرمني ربي بالاطلاع عليها في سفرة ما، لقاء عابر أو لطفل فتح قلبه لي واخبرني بما لم يخبر به والديه، أو الاطلاع على عقبات واشكاليات شخصية يسميها البعض مصائب واسميها نعمة من نعم الله وقفت في طريقي. لكن لحد هذا اليوم اتمرجح بين عدة حوارات تدور في رأسي.
س7 كيف تقيمون عالم الحوائز الادبية وطنيا وعربيا؟
حقيقة لا علم لي بها! لتوضيح الفكرة عندما سرق فصل كامل من رواية ظالمايا وتحول الى حلقة في مسلسل عراقي، ازعج هذا الأمر أصدقائي واسعدني لأن همي الأول والأخير هو نشر الفكرة، وأكذب لو قلت انني لن أكون سعيدا لو ذكر اسم الكاتب.
لكن طرق سمعي أنه هناك جائزة عربية مهمة تحدث عنها عدد من الكتاب اسمها كاراتا وأخرى باسم الروائي الكبير نجيب محفوظ. كيف توزع أو تقييم، لا علم لي.
س8 ماهي العلاقة بين الغربة والاغتراب وانعكاسها على نصوصكم وحضور الوطن الام في متنكم الروائي هذا وفي قادم أعمالك.؟
انا ابن الغربة، حتى فصيلة دمي أصبحت غريبة، ستبقى الغربة واللجوء سمة في عملين قادمين ولا اعلم ما سأكتب بعد ذلك.
س9 الترجمة والتعريب التقاطعات والآفاق في تجربتكم الابداعية وفي متون التجارب الأخرى.؟
أجد أن هذا السؤال أكبر من حجم خبرتي المتواضعة. لا توجد مشكلة بالتعريب لكن الإشكالية بنقل النص العربي الى الغرب، وعليه أجد من المهم في كثير من التراجم أن يتم التعاون بين مترجمين أحدهم يحمل خلفية كاتب النص والآخر يحمل خلفية اللغة التي سيترجم النص اليها.
س10 كيف تفاعل الاخر مع نصكم وانتم القادمون من الانا حضارة وتاريخا ؟ وكلمة ختامية
هذا سؤالٌ في غاية الأهمية.
فعلى الرغم من أنني أعيش في النرويج منذ ما يقارب ثلاثة عقود، فإن النص في بداياته لم ينجح في تلبية الذائقة الأدبية النرويجية. وليس بالضرورة أن يكون ما هو جميل في الشرق جميلًا في الغرب؛ فالأدب النرويجي يميل إلى المباشرة والاختزال، ويبتعد كثيرًا عن الوصف المكثّف والمبالغة الدرامية التي نحبها في نصوصنا العربية.
هذا الاختلاف أدى إلى رفض الرواية من أكثر من ثلاثين دار نشر.
وكلما وصلني عدد من رسائل الرفض، كنت أجد فجأة رسالة مشجّعة تقول إن النص جيد، لكن يحتاج إلى إعادة صياغة وفق ملاحظات محددة. إلا أن هذه الملاحظات كانت تعني أن أمسح الننص من الألف الى الياء واعيد البناء والشخصيات من جديد، وهذا ما حدث ثلاث مرات، وأضطر إلى “قتل حبيباتي” أي حذف الجمل الشعرية، والوصف، والكثير من التفاصيل التي نعشقها نحن العرب في البناء الادبي.
وبعد اكتمال العمل وخروجه إلى العالم، حصل على دعم من مؤسسات الدولة، مع أنه لا ينسجم تمامًا مع السياسات الرسمية. لكن حرية الفكر مصونة في هذا النرويج وتصل الى درجة القدسية.
سافرتُ إلى العديد من البلديات لإقامة حفلات توقيع مدعومة من المؤسسات الداعمة للأدب النرويجي، وكنت ضيفا في الإذاعة النرويجية، وكتب عنها في عدد من كبريات الصحف النرويجية وللأمانة، كان التفاعل مع الرواية أكبر مما توقعت بكثير.