كتب مهند الحميدي- سوريا :
ظاهرة علمية غير مسبوقة ومثيرة للاهتمام باتت تغزو الساحة الثقافية العربية من البوابة الإلكترونية عبر مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، آلت على نفسها إعادة كتابة العلم بأبجدية عربية.
الباحثون العلميون، الباحثون السوريون، الباحثون المصريون، الفضائيون، درب المعرفة الأردني، المشروع العراقي للترجمة، السعودي العلمي، العلوم الحقيقية، ناسا بالعربي، المجتمع العلمي المغربي، النادي الليبي للعلوم، مُتَرجَم، الباحثون المغاربة، الباحثون اللبنانيون؛ مواقع وصفحات عربية تطوعية، تهدف إلى نشر الوعي العلمي، إثر قرون من الإهمال الرسمي والشعبي.
ولا يخفَ على القارئ لدى متابعته لتلك المواقع والصفحات العلمية، تحولها في الشهور الأخيرة، من مبادرات إقليمية محدودة التأثير، إلى ظاهرة تستحق تسليط الضوء عليها، إذ باتت تشمل عموم العالم العربي، بعد أن عمد القائمون عليها إلى التواصل والتعاون فيما بينهم، وتبادل المعلومات والبيانات العلمية، التي تفيد جمهور الناطقين باللغة العربية من المتابعين الإلكترونيين.
وعن أهداف مبادرة “الباحثون السوريون”؛ يقول المدير المساعد للمكتب الإعلامي في المبادرة، يحيى صالح، في حديث خاص لـ “بصرياثا” إن مبادرتهم “سورية المبدأ، متوجهة للفرد والمجتمع السوري بشكل خاص، والمجتمع العربي بشكل عام، أطلقت بالتعاون بين مجموعة من الشباب والشابات السوريين في سورية والخارج لنشر العلم، انطلاقاً من الإيمان بأن الترجمة هي الحركة الأولى في أي نهضة علمية”.
وتواجه المبادرة صعوبات تتمثل في انخفاض مستوى المحتوى العلمي العربي على شبكة الإنترنيت إلى حوالي 0.8% من المحتوى العلمي الكلي، مقابل الزخم الكبير لصفحات التسلية والمزاح.
وتعمل المبادرة على إيجاد آليات ناجعة لطرح العلم بأسلوب جذاب، وقريب من المتابعين، وبحيث تتحقق للمتابعين الفائدة والمتعة، معتمدة على البساطة في الطرح، ووسائل ترفيهية مميزة في تقديم المعلومة؛ كالكاريكاتير والإنفوغراف.
في حين قالت مسؤول العلاقات الخارجية، وإحدى مؤسسي مبادرة “الباحثون العلميون” نورهان العميري، لـ “بصرياثا” إن مبادرتهم عبارة عن “مشروع علمي شبابي طويل المدى، يسعى لنشر العلوم الموثقة والوعي الثقافي بين ربوع الوطن العربي ككل”.
وتهدف المبادرة إلى نشر المقالات والأبحاث العلمية باللغة العربية للقارئ العربي، وخلق بيئة علمية ثقافية تمنح الإنسان العربي فرصة للاطلاع على آخر التطورات والاكتشافات في نطاق العلوم الطبيعية والتكنولوجيا الحديثة، والابتعاد كل البعد عن الخوض في المعتقدات، وتصحيح المفاهيم الخاطئة السائدة، التي بدورها أنتجت فهماً خاطئاً للنظريات والفرضيات المختلفة”.
وأضافت العميري إن المبادرة تحاول “إظهار الجانب الممتع في العلم لترغيب القارئ بالمادة العلمية، مع الحفاظ على صحة المعلومة، لإثارة شغف المتابع العربي”.
ويحاول القائمون على المبادرة التوسع في المجالات البحثية، للإلمام بالعلوم الإنسانية، إلى جانب العلوم التطبيقية.
وقال أحد مؤسسي المشروع العراقي للترجمة، رعد طالب، لـ “بصرياثا” إن غياب الثقافة العلمية على المستوى العربي بشكل نهائي تقريباً، وانعدام التواصل الفكري مع الآخر، شكل دافعاً لمشروعنا، رافعين شعار “لأن عقوداً من الظلام الفكري لا تنتهي إلا بمعرفة الآخر، لابد من الترجمة”.
ويواجه المشروع معوقات كثيرة، تتجلى في صعوبة التواصل الحقيقي على الأرض بين أعضاء المشروع، بسبب تردي الأوضاع الأمنية في العراق، بالإضافة إلى ضعف التمويل، وتردي مجمعات اللغة العربية، ما يشكل عائقاً أمام ترجمة الكثير من المصطلحات العلمية من اللغات الغربية إلى العربية.
وقال أحد مسؤولي مبادرة “السعودي العلمي” فارس بوخمسين، لـ “بصرياثا” إن “جميع جهود واهتمام مجموعتنا تنصب في تعميم وتبسيط العلوم للجميع، ونشر أحدث الأخبار والمقالات العلمية من شتى علوم الطبيعة بدقة ترقى لطموح المتخصصين، ولكن بلغة سهلة وشيقة تناسب العامة من الناس”.
وأضاف بوخمسين إن “انعدام ثقافة البحث العلمي في العالم العربي، كان ولازال يدفع الجهات الرسمية وغير الرسمية، إلى إيجاد المواقع والمدونات بغرض التعريف بالعلوم، لكنها مازالت ضئيلة العدد ومحدودة التأثير وصعبة الوصول، هنا يأتي دورنا كمجموعة شابة، يشرف عليها شباب وطني حامل للمؤهلات العلمية، ويطمح ويعمل لتكوين مصدر إعلامي موثوق ومرجع علمي دقيق لإثراء المحتوى العلمي العربي”.
في حين يرى أحد مسؤولي مبادرة “الباحثون المصريون” عبد الله طه، في تصريح خاص لـ “بصرياثا” إن مبادرتهم تهدف إلى تسهيل نقل المواد والأخبار العلمية المبنية على منهج علمي رصين، ومنتقاة من مصادر علمية محايدة إلى المتلقي العربي، بالإضافة إلى النشاطات الميدانية المتمثلة بإقامة محاضرات، وندوات، ومؤتمرات، وأنشطة علمية أخرى، بهدف رفع الوعي العلمي على أرض الواقع، وهو ما سينعكس بالضرورة على باقي ميادين الحياة الاجتماعية”.
وأضاف طه “تحاول مبادرتنا تجنب خلط العلوم بأي أيديولوجيا من شأنها إفساد صفو ما يُقدَم من مواضيع علمية”.
ويقول مؤسس مشروع “الفضائيون” والمنسق العام له، ياسين بجدو، لـ “بصرياثا” إن “المشروع يسعى إلى تحفيز الأفراد والمجتمعات للنظر إلى الواقع نظرة علمية، وطرح أسئلة صحيحة حول الأشياء، ثم السعي للتعلم، والبحث عن أجوبة علمية، عوضاً عن الاكتفاء بالإجابات الجاهزة والحلول السهلة”.
ويعمل فريق من المتطوعين في المبادرة، خلال الأسابيع الأخيرة، على ترجمة العشرات من الفيديوهات التعليمية والسلاسل التعليمية، وتوفيرها للمستخدم العربي.
وأضاف بجدو “لنكن صادقين؛ نحن واثقون أننا سنموت قبل أن نرى هدفنا يتحقق على أرض الواقع، الأمر صعب ومعقد للغاية، وتغيير كهذا لن يحصل بين ليلة وضحاها، لكن علينا أن نقوم بتعبير شيء ما للجيل المقبل، هذا هو ما نقوم به”.
وختم بجدو قائلاً “حُلمنا هو حلمٌ خالد ومستمر، فهنالك دوماً شيء ليتم القيام به، وكل نهاية هي بداية جديدة، الرحلة البشرية للتعلم رحلة لا نهائية، هناك دوماً أسئلة تبحث لها عن إجابات، عالم يعرف سُكانه كل الإجابات لا معنى للحياة فيه، هنا تكمن روعة العلم”.
وتبقى تلك المبادرات التطوعية الشبابية إرهاصات أولى لنهضة علمية، يتمنى المتطوعون فيها أن تشمل العالم العربي، وتساهم في نهضة جديدة، تخلق جيلاً يتمكن من مجارات واستيعاب العلوم الغربية الحديثة.
وعلى أمل أن تتحول خطواتهم المتعثرة إلى موجة شعبية شاملة تتصدى للغثاء الذي يملأ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، والفضاء الإلكتروني عموماً.
مئات من الشبان والشابات، منحازون للعلم، ورافضون للأعراف السائدة، والموروث الجمعي الذي يمتد لعشرات القرون، يستحقون من القارئ العربي، وقفة متأملة؛ سواء اتفق معهم في الطرح أم لم يتفق، لأن ما يقومون به هو عملية مضنية لتحفيز العقل، عبر منح الأفكار أجنحةً لا يطالها غبار السنين.
—