الـصــمت والمـؤامـرة :
مبدئيا لا يمكن عـزل مؤسسة ( مـا ) أو فعاليات ( مـا ) عن سياق الأحداث والقضايا الدائرة حولها؛ فهي تـؤثر وتتأثر بتا؛ مهما بلغت درجـة اللامبالاة أو الحياد ، لآن تلك المؤسسة أو الهيئة أو الفعاليات ليست – كوصمونتية – نشأت وتـكونـت خارج السياق الثقافي والمجتمعي العام ، بل هي كـينونة اجتماعية تتحرك وتتفاعل بالحراك الاجتماعي والسياسي. وبالتالي فـمن عهد الخلافة الاسلامية ؛ حسب المصادر والسند التاريخي؛ يتبين أن طبيعة المجتمع الاسلامي/ العربي جٌـبـِل على الدسائس والوشايات والمؤامرات؛ إلى يوم الناس هـذا !! وفي عصرنا هذا فالمضحك والمثير للاستغراب؛ أن أية مؤامرة ؛ كيفما كانت طبيعـتها ؛ ننسبها و نتهم بها عناصر أجنبية ؟ كأننا منزهين عن تلك الممارسات؛ والإشكالية الكبرى؛ أن هاته الممارسات الخـسيسة؛ تكون في أغلبها من صنيعة الفقهاء والعلماء والوزراء وكتاب البلاطات والأدباء ؛ ليس لأنهم في الواجهة بل النزوع لحُبِّ الـسَّـيطرة والتمَـلك والتفرد هو الدافع الأساس؛ وفي بعضه يكون الانتقام كظاهرة لاشعورية عند البعض؛ وبالتالي فصنم الكتبة لم يخرج عن سياق الصراعات الوهمية، المجانية والمؤامرات العجائبية ! بحيث كانت المؤامرة سببا مباشرا في إطاحة – محمد عزيز الحبابي – من رئاسة وشرعية تسيير(اتحاد ) : ولم يفلح في الوصول إلى ما كان يحـلم به، أي خلق مؤسسة ثقافية حرة و مبدعة و لصيقة بتطلعات الشعب المغربي، و بتحولات مجتمعه الذي كان مولودا لتوه، بعد حقبة غير يسيرة من هيمنة استعمارية قذرة.إن الحبابي تعرض لخيانة كبيرة من طرف من شاركوه حلم تأسيس اتحاد كتاب المغرب، فانسحب بعيدا عن كل ما يمكن أن يمس عزته الثقافية، و يخدش كرامة ضميره المهني (1) أكيد تعرض لخيانة؛ من خلال مؤامرة جد محبوكـة من لدن من كانوا معه فعلا فيما يسمى المكتب التنفيذي؛ بعدما جمدوا عضويتهم لفترة زمنية( 1963 الى 1968) ففي هاته الفترة ؛ من عوض الأعضاء المنسحـبين ؟ كيف سيـر ودَبر رئيسه الأزمة ؟ كيف تعامل الإتحاد مع الأحداث السياسية التي هـزت البلاد والعباد؟ أي دور كان للشعراء والأدباء في تجـسيد والتعبير عن الأحداث كتابة وإبداعا؟ هـكـذا تساؤلات لها ارتباط بالوضع السياسي والاجتماعي آنـذاك ؛ وضع عـرف غـليانا بعد دستور 1962 الذي غير مجـرى التاريخ النضالي و السياسي؛ مفـرزا صراعات إيديولوجية و تناقضات و سياسية عميقة ! بين الأحـزاب والأحـزاب ؛ والأحـزاب والقصر آنـذاك ؛ وخاصة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، إلا أنه تلقـى عدة ضربات أضعفت من نفوذه السياسي والاجتماعي إثر اعتقالات ومحاكمة منا ضليه ؛ وإلغاء الشرعية لحزب التحرر والاشتراكية (الحزب الشيوعي المغربي) فكانت الانتخابات الأولى في 7 مارس 1964 ؛ ومقاطعتها ومحاولة إسقاط حكومة احمد ابا حنيني ؛ من خلال ملتمس للرقابة، بعد ظهور وثيقة ” الاختيار الثوري للمهدي بن بركة ؛ دونما إغفال مضايقة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والذي تـمدد نشاطه التنظيمي والتو عوي؛ الى الثانويات؛ فـتنامت نضالية شباب المدارس في إضرابات23 مارس 1965 التي تحولت إلى انتفاضة عارمـة : و كانت النقطة التي افاضت كأس التمرد و الانتفاض قرار وزير التعليم الدكتور يوسف بلعباس, من عائلة مراكشية.. تكون في فرنسا و اشتغـل طبيبا.. و كان قريبا سياسيا من حزب الاستقلال و ايديولوجيته التعريبية. كان ضد أي حوار. هدفه هو إقصاء أبناء الطبقات الشعبية (2) والشيء بالشيء يذكر يقال أنه كان مسنودا من لدن – محمد بنهيمة – مما تصرف قبل المذكرة التعليمية المشؤومة : حينما كان وزيرا للصحة سنة 1962 هدد الأطباء العرب المتمرنين الذين اختاروا قضاء مدة تدريبهم في المغرب بالطرد والتوقيف ، إذا هم شاركوا في إضراب مع الأطباء المتمرنين المغاربة(3) ففي ظل هـذا الوضع الساخن والمغري بالإبداع والعطاء؛ هل كان يدعو المثقف أن ينسحب من الإتحاد الذي يعـتبره العـديد من كـتبة الصنم : خـيمة الفكر وواحة العطاء وهلم من المصطلحات التمجيدية الرنانة؛ أم يفر ض عليه البقاء في مواجهة الأحداث المفعمة بالاستبداد و القمع و مصادرة الحريات؟ هنا لا يذهب ذهننا ؛ بأن ينخرط المثقف في الدم بالدم ؛ بل الدم بالحبر؛ يدوَّن ويبدع من وحي الحدث وثائق؛ باعتباره شاهد تاريخ عصره: فالقضية أو الوظيفة المرتبطة بولادة مفهوم المثقف أبعد من أ صلها اللغوي وترتبط ارتباطاً حميمياً بأدائه الفكري والمعرفي وحتى الـسياسي، ولذلك من الصعب الفصل بين الاصل التاريخي لمفهوم المثقف في المجتمع العربي عن التطور التاريخي والاجتماعي والسيا سي لتطورهذا المجتمع (4) هـنا جوهـر الإشكالية ؛ لماذا لا نمتلك ناصية الفكر والإبداع الفعال ؛ لأن المثقف منذ فجر الاستقلال ؛ كان خارج الحراك الاجتماعي؛ وهُـنا لا نشير لمفهوم المثقف عند غرا مشي؛ بل مثقف مغـربي – قـح – له رؤيته المتلاحمة برؤية الطبقات الشعبية ؛ ولكن فمنطقيا كان انسحابهم انسحاب من معمعان الحراك السياسي والاجتماعي؟ علما بأن المرحوم عزيزالحبابي كان منتميا لحزب الشورى والاستقلال الذي كان يضم أطرا وفعاليات لها موقعها الفكري والسياسي كما أشرنا سلفا . وهذا الانتماء تؤكده العديد من الأصوات بما فيهم عبد اللطيف كمال الذي أكد في إحدى الندوات الفلسفية تكريما للراحل : انخراطه في الحركة الوطنية المغربية في صفوف حزب الشورى والاستقلال، التيار الليبرالي الذي انشق عن حزب الاستقلال المحافظ. وكذا أحمد اليابوري يؤكد هـذا الانتماء السياسي (5) والمتتبع للتاريخ الحزبي؛ خاصة الصراع الدموي بين حزبي الاستقلال والشورى والاستقلال؛ الذي كان يعد بـمثابة حرب أهلية أوطائفية؛ سيستشف أوتوماتيكيا لماذا كان الانسحاب وما صرح به بعض الأعضاء المنسحـبين؛ إلا تضليل في تضليل(ك): غير أني انسحبت منه، بجانب أصدقاء آخرين سنة1963 احتجاجا على محمد عزيز الحبابي، الذي كان يقدم نفسه بصفة حـيادية، دون انتمائه لأي حزب سياسي. بداية، اتفـقـنا على أنه سيكـون إطارا غير رسمي، بعيدا عن القصر، مع التأكيد على ضرورة ضمه لكل الاتجاهات سواء يمينية أو يسارية… .غير أن عزيز الحبابي، شرع يغازل القصر، مـما اضطـرنا إلى الانسحاب، ثم عـدنا ثانية للإطاحة به.أصدقاؤنا اللعبي وآخرين، وجهوا له انتقادات،ولا أعرف هل حضروا معـنا أم لا، لكنهم رفضوا الدخول في التجربة ( 6) فهاته الفقرة لوحدها تحتاج لنقاش أطول؛ لما فيها من معاني وتناقضات في نفس الآن ؛ ومن خلالها نكـتشف الاضطراب النفسي بين الملفوظ والمعاش؛ فكـيف ياتـرى لا يعرف بأن الشاعـرعـبد اللطيف اللعبي والنيسابوري والطاهر بنجلون ووو هَـل حـضروا معهم أم لا، وهـو عضو فاعـل في مجلة – أنفاس – آنـذاك ؟
هـنا كيف لمن جمد عضويته عمليا ؛ يعود لممارسة مهامه ؛ وتقديم مقترحاته لرئاسة (الاتحاد ): أثناء انعقاد المؤتمر الثاني العاصف، لاتحاد كتاب المغرب. كان معي إبراهيم الخطيب والأمين الخمليشي. حاول محمد برادة أن يقنع رئيس الاتحاد محمد عزيز الحبابي رحمه الله، أن يفتح أبواب المنظمة لتشجيع الأسماء الجديدة الواعدة التي تبحث عن من يأخذ بيدها في ميدان الكتابة والنشر، لكن طلبَ ضمِّنا وآخرين إلى قائمة أعضاء الاتحاد، قوبل بالرفض القاطع من المرحوم، خشية أن يؤثر الأعضاء الجدد في كفة الميزان الانتخابي، إذ استشعر الحبابي يومئذ خطورة تحرك الثالوث المعارض، المكون من محمد برادة، ومحمد العربي المساري، وعبد الجبار السحـيمي، الذي تهيأ لمعركة السيطرة على اتحاد الكتاب، لكونه خرج، برأيهم، عن أهدافه وتحول إلى مؤسسة مهادنة للسلطة الرسمية، لدرجة أن الأنشطة الثقافية المقامة في مقر الاتحاد* غلب عليها حينئذ، الطابع الترفيهي الخفيف والإخواني ( 7) فالجميل أن الحوارات مع أعضاء قدمى في صنم الكتبة ؛ تفتح لنا اشتغالا بحثيا؛ يساهم في ترميم الفراغات الحاملة للصمت ؛ صمت المؤامرة التي تمت في حـق الثقافة والمثـقـفين؛ وما وقـع ويقـع الآن لصـنم الكـتبة ؛ له ارتباط عـضوي بما نحن بصـدد مناقشته؛ وبالتالي فـمن الطبيعي أن تـُـفـْرض عـتـَمة الرؤيا مـن لدن رجالاته ؛ لإخفاء ملفات وحقائق ؛ وذلك من خلال صـنع هالته وصيته ‘ الصابوني’ وليس بفعقات صابونية ؛ لأنه كلما اقـترب المرء من الصابون سينـزلق لمتاهات تفضي للصمت المطلق في كثير من الأحيان؛ وبناء على طرح – الصابون – نقارن بين الفقرات السابقة وهاته التي تـكـشف وجها آخر:.في المؤتمر الثاني لاتحاد كتاب المغرب في سنة 1968 كنا قد دبرنا انقلابا على الرئيس المؤسس المرحوم الدكتور محمد عزيز الحبابي، من أجل أن ننتقل بالاتحاد إلي خانة الاشتغال بالشأن العام، وبوأنا الأستاذ عبد الكريم غلاب في الرئاسة. وكان الدكـتور الحبابي يرى أن الاتحاد يجب أن يضم في صفوفه ممثلي مختلف الحساسيات السياسية، ولكن من دون أن يكون ذيلا لحزب من الأحزاب.وفي المؤتمرين الثاني والثالث كان النقاش محتدما حول مفهومي السياسة والتحزب. ووقع بعض الخلط. وحدثت تطورات في مسار الاتحاد أدت به في الأخير إلي إفراز خط عام متوافق عليه، قوامه الانشغال بالسياسة من دون أن يتحول الاتحاد إلي فصيل سياسي أو إلي جبهة لفصائل سياسية. واستقر الرأي على أن الاتحاد يجب ألا يكون غرفة صدى لهيئات سياسية، كما كان على الاتحاد أن يعترف بأن هناك مبدعين من حقهـم ألا يكونوا منتمـين سياسيا(8) فأي صورة أقرب للصحة ؟ حينما تسلمت رئاسة الاتحاد لعبد الكريم غلاب ونائبه محمد برادة والكتابة العامة لـمحمد العربي المساري. والثلاثة: هم النواة الصلبة للفئة المحتجة على الحـبابي معروفون آنذاك بانتماءاتهم السياسية المعــلنة بوضوح ؟؟
الإحـــــــالات :
1) اتحاد كتاب المغرب أو المؤسسة الوهمية ليونس إمغران نشر في طنجة الأدبية 17 – 04 – 2012
2) الحركة الطلابية طليعة تكتيكية للطبقة العام لة و للطبقات الشعبية (4) لعبد الغني القباج/ مراكش – موقع أصوات مهاجرة بدون تاريخ
3) اانتفاضة 23 مارس 1965 …. لعبد الرزاق السنوسي معنى جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 23/03/2009
4) المثقف ضد السلطة لرضوان زيادة سلسلة مبادرات فكرية ص 12-عــدد 27 / 2005
5) أنـظر لحوار أحمد اليابوري: في مجلة زمان عدد 36 بتاريخ 23/03/2016 – أجراه عمر جاري
6) ذاكرة أنفاس : حـوار مع محمد برادة*حاورته: زكية الصفـريوي ترجمة : سعيد بوخليط
7) عبد الجبار السحيمي… ضمير جيل منكسر لمحمد بوخزار مجلة – طنجة الأدبية 24 /04/2012
8) اتحاد كتاب المغرب .. السياسة والثقافة لمحمد العربي المساري – صحيفة الشرق الاوسط
عـدد 9586 في 25/02/2005
—-