الهروب إلى آخر الدنيا مجموعة قصصيّة تتكون من اثنتي عشرة قصّة هي على التّوالي لحظة عشق ، سعادة الرّوائيّة ، باميلا الصّغيرة ،عروس النّيل ، دعوة زفاف ، الهروب إلى آخر الدنيا ،دعوة إلى الحبّ والحياة ،أنامل ذهبيّة ، عينا خضر ، كرنفال الأحزان ، الملاك الأزرق، الغرفة الخلفيّة .
في هذه المجموعة دعوة إلى الحبّ؛ فحياتنا بمتناقضاتها تقسو علينا، وقسوتها لا تلين إلاّ إذا استجابت لشعور إنسانيّ يسمو على المشاعر والأحاسيس جميعها، بل هو سيدها بلا منازع،ألا وهو الحبّ .
الحبّ هو الطريق لمعرفة الله الذي ينكره بطل قصّة لحظة عشق،ولكنّه مع إنكاره له كان يبحث عنه في لا وعيه ،ويتّضح ذلك جلياً عندما يتسلّل المرض إليه ، فنحن في لحظات عجزنا نتذكر الله،فتنبض قلوبنا بالحبّ .
وتصوّر الكاتبة في قصّة سعادة الرّوائيّة الحبّ في أجمل صوره وتجلياته ونقائه وطهره فنعشقه مرسوماً بعناية فائقة على الورق،ولكنّنا لا نتقنه لانشغالنا بتوافه الأمور،فالتّجاعيد التي ترتسم على وجناتنا تشوّه صورة الحبّ؛لأنّنا نجهل أنّ الحبّ الرّوحيّ لا يعرف التّجاعيد؛فهو أسمى أنواع الحبّ الذي يصل إلى حدّ الكمال، فنعشقه،ونبحث عنه،ولا نتنازل عن مفهومنا الكامل له،ولكنّنا نقرّ بعجزنا عن أن نتقنه، فننكره .
وللحبّ سطوته في قصّة باميلا الصغيرة؛حيث تؤكّد الكاتبة هنا أنّنا عندما نتوهم الحبّ يكون حبنا مرضياً،مثل حبّ زوج الأم الذي يقترف جريمته باسم الحبّ الذي يكنّه لابنة زوجته ، وهذا الحبّ المرضي الذي يقوده لاقتراف القتل، وكم من الحقائق التي نظنها حقائق بردائها الظاهر الذي يستر خلفه ألف حقيقة أخرى!
وتقول الكاتبة ببساطة أنّ الحبّ متاح لنا فهو حولنا ومعنا،ولكنّنا لا نراه ، ومن يتلمّسه ويحسّه لا بد أنّه يمتلك قلباً رهيفاً وحسّاً راقياً ، هذا الحسّ يقبع في دواخلنا جميعنا وموهبة اكتشافه تقتصر على فئة متدربة ، تدريب تصقله التّجارب والظّروف البيئيّة والاجتماعيّة والصّدف أحياناً . ففي قصّة دعوة للزفاف التي يعجز بطلاً القصّة أن يريا الحبّ داخل إطارهما الذي تقرّه العرف والقوانين ، وهما في أوج تخيلاتهما حول حب ّمزعوم ينتزعهما من عالمهما الحقيقيّ،فيتلمسانه دون أن يدركا ذلك بوعيهما .
وهذا أيضاً يتّضح في قصّة “الهروب إلى آخر الدنيا” فبطلة القصّة لا ترى الحبّ المتاح لتبحث عن الحبّ الممنوع،ولكنّها تكتشف أنّ المتاح هو الحبّ الحقيقيّ،وهنا تلعب الكاتبة لعبتها بأن تغيب الزّوج الحبّيب،ليطويه الموت،فتحرم الزّوجة متعة الحبّ الذي أنكرته فأنكرها بطريقته.وتقول الكاتبة قد يغيب القدر الحبّيب،ولكن الحبّ لا يموت،وعلى المرء أن لا يكون أسيراً لحبّ مضى؛فالحبّيب يموت أو قد يهاجر كما في قصّة الملاك الأزرق ، ولكن الحبّ يبقى؛فالإنسان مسكون بالحبّ،ولكن عليه أن لا ينهزم أمامه،فتقول الكاتبة “أنا لن أنتحر حتى ولو رحل البحر، ذكراه تكفيني”.
وتقول الكاتبة أنّ للحبّ لغة عالميّة يفهمها الجميع بلا استثناء،ولن يكون جهلنا بلغة من نحب عائقاً دون توصيل رسالة الحبّ، فقد تصل رسالة الحبّ بإيماءة أو نظرة؛فللعيون لغتها كما نعلم،ولكن الجديد في الموضوع لغة مبتكرة استخدماها بطلاً قصّة أنامل ذهبيّة،وهي لغة التّخاطب بالأنامل،وما أروع لغات الحبّ بتنوعاتها وابتكاراتها! إلا أنّها لغة واحدة تتخطّى الحواجز فهي لغة عالميّة .
أمّا في قصّة الغرفة الخلفية تريد الكاتبة أن تقول أن من يخذله الحبّ وتخونه شخوصه تتشوّه صورته،بل يصبح مسكوناً بروح شريرة عطشى للحبّ والانتقام . الكاتبة تدعونا إلى الحبّ لنبحث عنه؛هي تريدنا أن نصقل ذواتنا وأحاسيسنا لنجده . لنتعلم كيف نتواصل معه،ونعزف أنغامه لتصبح حياتنا أثمن وأجمل وأنقى وأطهر؛ فهي ترسمه لنا بتضحياته وآلامه وآماله وعطائه وجماله وقسوته ولينه ولغته والانتقام له،وبذل النّفس في سبيله.فكم من الشهداء بذلوا أرواحهم في سبيل حبّهم لأوطانهم ، وهو المعشوق الذي نحبّ ، هو الأم … هو كلّ شيء في الوجود .
وختاماً هو الله الذي تلوذ إليه أرواحنا بعد أن تغادر عالمنا الفاني إلى جنّة العشق والهوى في رحابه .
—