علي السباعي:
(1)
كُمَيْتٌ وصاحبها
جلس بقربي عربنجي1، صاحب فرس كميت جميل، رشيق جــداً، سألتهُ ونحــنُ نحتسي الشايَ فــي المقهى: كيف تقضي يومَك؟ أجاب: أستيقظُ فجراً، أطعِمُ فرسَي، أسقيها الماء، أضع عليها “جلالها”، اربطها إلى العربة واذهب بها إلى العمل، ظهراً آخذها إلى نهرِ الفراتِ، افتحُ عنها ألعربةَ وابدأُ بغسلها، أقودها إلى المنزل لأعلفها، اتركها تستريح، عصراً، اربط عليها العربة واذهب للعمل، مساءً، أؤوب معها إلى المنزل، افتحُ عنها العربة، أدلكها، اعلفها، اسقيها الماء، انتظرها حتى تنام، ساعتها اذهبُ إلى أهلي.
قلت له: هذه حياة الفرس!!! أين هي حياتك ؟
1.في اللهجة العامية العراقية: هو صاحب العربة أو قائدها.
(2)
سيجارة الضابط العراقي
وقفتُ مهموماً وسط شارع الهوى سابقاً، الحبوبي حالياً، في مدينتي الناصرية، بعد خروجي مَن المدرسة وبرفقتي زميلٌ لي . وصلنا إلى ساحة الحبوبي التي يتوسطها تمثال الشاعر المجاهد محمد سعيد الحبوبي. مرّ رتلٌ عسكري مؤلف من سيارات اللاندكروزات اليابانية تحمل قادة الجيش الكبار؛ سيارات الوازات الروسية تضمّ ضباطاً برتب صغيرة؛ سيارات الفاوانات الألمانية تحمل الدبّابات وفوقها جنودها؛ سيارات الكمنز الروسية تنقل العتاد والمؤن وجنود النقل والتموين؛ سيارات الأيفات محمَّلاتٍ الجنود الذين يلوّحون مع جنود الدبّابات وجنود النقل والتموين والضباط الصغار لطلاب المدارس والمارة المتعبين، بعلامة النصر. شاهدَ زميلي مثلما شاهدتُ أمَّهُ الشابة الجميلة زوجة الشهيد، وقفتْ أمامَها سيارةً يابانية الصنع نوع “تويوتا سوبر”، حمراء اللون، يقودها ضابطٌ يضع على صدره ثلاث نجوم ذهبية وجناحي صقر ذهبي. راودَها، فصعدتْ إلى سيارتهِ، ونحن نتطلع مبهوتين بعيون سومرية سودٍ تلتهب دماً. أثناء مرور السيارة من أمامنا، رمى الضابط عقب سيجارته بوجهينا. عقب سيجارته هذا، راح يعربد في الهواء حتى تلقفته الأرض؛ أرض العراق، وحماةُ البوابة الشرقية يلوّحون بعلامة النصر لنا.
(3)
خوف
شــابةٌ حلوةٌ خرساء ، تقدم لخطبتِها
شــابٌ اخرسَ ، رفضـت الاقترانَ به،
مخافة أن يبكي طفلهُما وهما نائمـان.
(4)
سؤال
جلس بقربي عربنجي1، صاحب فرس كميت جميل، رشيق جــداً، سألتهُ ونحــنُ نحتسي الشايَ فــي المقهى: كيف تقضي يومَك؟ أجاب: أستيقظُ فجراً، أطعِمُ فرسَي، أسقيها الماء، أضع عليها “جلالها”، اربطها إلى العربة واذهب بها إلى العمل، ظهراً آخذها إلى نهرِ الفراتِ، افتحُ عنها ألعربةَ وابدأُ بغسلها، أقودها إلى المنزل لأعلفها، اتركها تستريح، عصراً، اربط عليها العربة واذهب للعمل، مساءً، أؤوب معها إلى المنزل، افتحُ عنها العربة، أدلكها، اعلفها، اسقيها الماء، انتظرها حتى تنام، ساعتها اذهبُ إلى أهلي.
قلت له: هذه حياة الفرس!!! أين هي حياتك ؟
(5)
عراقية
سمراءٌ مُتشِّحَةٌ بالســـواد … تجلسُ أمــام إحــدى بواباتِ القصــرِ الجمهــوري … تضعُ دميةً بلاستيكيةً في حضنِها … تُناغيـها … تُناغيهــا بلا مَلــلٍ … سألــتُ عنهــا … قالـــوا : ” إن القـوات الأمريكيــة قَتَلــتْ طفلتَها وزَوجها بالخطأ.
(6)
معلم
اعملُ مديراً لمدرسةٍ ابتدائيةٍ عريقةٍ… رغم كونٍنا نعيشُ في القرن الحادي والعشرين ألا أن أدواتنا كانـــت بدائيةً بسبــب انقطاعِ التيارِ الكهربائي المستمــر لجأَنا إلى استخدامِ صفارةِ معلمِ الرياضةِ بدلَ استخدامِ الجرسِ الكهربائي، وضعنــــا جدولاً لكــلِ يومٍ يصفـرُ فيه معــلمٌ أو معلمــةٌ،لفت انتباهي احدُ المعلمين كلما تُطلق صُفّارةُ الذهابِ إلى الدرس يهبُ من جلستــهِ بيننا ويذهبُ مُسرِعاً، وفي مراتِ أخرى يظلُ جالساً حتى وان انطلقــت الصفارةُ مدويةً وبقوة،ملأني الفضول، سألتُ احَد المعلمين عن سِر ِتصرف هذا المعلم القدير ، جاءني الجواب صاعقا :” إذا كانت الصفارة تطلقها إحدى المعلماتُ يهْرَعُ المعلمُ بشغفٍ ليأخذَ الصُفارةَ ويضعُها في فمهِ يتذوقُها … يمتصُها.
(7)
زواج
أعمــلُ نجاراً أمامَ إعداديةٍ للبنــاتِ، انتمي لأسرةٍ فقيرةٍ، أمـي مُطَلَقَةٌ، أبي متزوجٌ من أخرى، أعيشُ في كَنفِ جدي لأمي. أحببتُ طالبةً جميلةً جداً، اتفقنا أنا وحبيبتي على الزواجِ، رفضَ أهلُها طلبي، طلبتْ مني أن أستعينَ بِمُدرِّسة قريبةَ جداً منها، حَـدثْتُها لمساعدتِنا وإقناعِ أهلِها بالزواجِ ، قالــت لي دون مقدمـات :” أنا جاهــزةٌ ، عندي بيتٌ باسمـي، وذهب، لـِمَ لا تتقدم لِخطْبَتي ؟ ” . وافقت فورا وتزوجتُ المُدَرّسة.
(8)
عازفٌ نسي عوده
كان معي جنديٌ إبان حـرب ثماني السنــوات فـي جبـــهةِ القتـــالِ ، لم يكن مقاتلاً شرسـاً، كــان عازفَ عودٍ موهـــوباً، مُبدعـــاً، لا يجيدُ القتالَ… أثناءَ المعــاركِ الطاحنـــةِ وما أكثرَها وأثناءَ اشتدادِ القصفِ كان يعزفُ لنا نحنُ إخوانَه المقاتليـن أجملَ الألحان ، يضربُ علــى عودهِ بلا تعــــبٍ ، بمتعةٍ وإبداعٍ أبداً لا يكررُ نفسَه. أُعلــــنَ وقـــفُ إطــــلاقِ النارِ في 8/8/1988 راحَ يدندن فرحا بانتهائِها، وإذا بقذيفـــةٍ إيرانيةٍ تسقطُ على موضِعـــه وهو يعزُف … تقتلٌه.
(9)
استجداء
أتسكعُ تسكعـــا معرفيا … فـــي أحــدِ شوارعِ النــاصرية …
الناصريـــة التـــي هـــي أشد خرابا مـــن واســط القديمة …
واجهتني شابةٌ متعبةٌ … تستجدي المــــارة بكفين مقطوعتين.
(10)
عسلٌ مغشوش
ذاتَ طفولةٍ …
كــان المطربُ داخل حســن ” رحمــه الله ” صديقــاً لوالــدي
الخياط … يأتــي لدكــانِ أبي يغنــي لــه يوميا … صباحَ كلِ
يـوم … كنــتُ أُصغــي لغنائهِ … وأحفظــهُ … كــان عملــي
حفــظ غنــاء داخــل حســن وأنا منهمكٌ بمساعدةِ والــدي كـي
لا يحــس داخــل حســــن ” إذا حفظت غنــاءهَ جيدا أكرمني والــدي
أيمـا كرم وإذا لــم أحفظهُ جيدا أشبعني ضربــا ” … ليـــلاً … أعيـــد
ما غنــــاه المطربُ داخــل حســن لوالدي الــذي يبـــدأُ بالسـكرِ .
(11)
صبي أسمر وحمائم بيض
شــابٌ رافدينيٌ يافــعٌ حالـــمٌ … طَموحٌ ،جلَب أَول أيـــام التحــرير خمس مئــــة حمامـــةٍ إلـى ساحـــة الفـــردوس ، ليحـــاكي ساحــةَ النصرِ فــــي باريـــس بطيورِهـــا التـي تملأُهــا حيــــــاةً وهديـــلاً ، مــلأ الفردوسَ بيماماتِه البيض التي تحلـــق سعيدةً مطرزةً سمـاء بغداد بالحــرية ، جــاء ثانـــي أيــام الاحتــــلال ليجـــــــد ثلاث مـــئة وخمســـين حمامـــةً قـــد اختفت … ســأل ودمــوُعه مِلءُ مآقيه :- من سرقَ طيورَ السلام ؟
أجابـــَه صبــيٌ اسمــــرُ صغيــــــرٌ يلهــــو فـــي الفـــردوس :- رجالُ الشرطة.
(12)
جدتي ومذيع التلفاز
كانت جدتي رحمها الله عندمـا
يظهرُ المذيعُ في التلفــازِ تَتَحجبُ
بعباءَتِهـا.