دائما ما تدهشنا الفكرة ، تلك هي بؤرة التجديد في الفن ، التشكيلي بخاصة، ويتعدى ذلك للرواية والشعر، فما بالنا لو وجدنا الدلالة الواعية ببعدها الكامل حتى نهاية القصد.
حين نبصر عملا نحتيا تقودنا لحظة التعرف إلى استبصار المغزى أولا ثم نذهب إلى طريقة الاشتغال والحياكة البارعة ، وربما تذهب بنا الدلالات إلى آفاق رحبة نجدها بعيدة في زوايا تقع على أطراف فضاء العمل ، الذي نحدق فيه الآن ونقرأ ما أراد المبدع أن يقوله ، وما نريد نحن أن نفهمه ونركب رؤيتنا عليه ، وكأننا نبحث في البنى العميقة للنص، ولكي لا يكون العمل سهل المغزى والمقصدية نجد المبدع يذهب بالدلالة بعيدا في أعماق النص ( البنية العميقة) ونذهب نحن قريبا إلى سطح النص( البنية السطحية ).
هذا ما نجده في عمل جميل سوف يكون أيقونة معرض 30 في 30 الذي سيقام في ( جاليري حامد سعيد ) المتوقع افتتاحه في الأيام المقبلة ، والذي سيكون دهشة موسم الثقافة الدالة الهادفة لا الاعتباطية في مدينة البصرة .
اشتغل التشكيلي حامد سعيد على فكرة تأبين صديقه الراحل المغترب الفنان فؤاد هويرف ابن مدينة البصرة ، الذي كان يمني النفس قبل رحيلة منذ أيام معدودات ، أن يستمتع في جلسة صفاء مع أصدقائه من التشكيليين البصريين الذين سالت مشاعرهم على قماش لوحاتهم ألما وحزنا عميقين بعد رحيله المفاجئ.
ذهب حامد سعيد إلى البعد المفهومي بعودة جثمان فؤاد من غربته إلى البصرة ولهذا لابد أن يوجد حامد سعيد قبرا له ( تلك هي الدهشة الأولى ) , ولكي لا يسقط سعيد بالتقليدية اختار أصل قاعدة السعفة الملتصق بجذع النخلة وهو ( الكربة بالمعنى الشعبي المتداول ) ليحفر له فيها قبرا ، وهذا سر جمال الصدمه بدلالتين وهما:
اولا – السعفة جذر البصرة وهو مفهوم استبدالي.
ثانيا- النمو والخصب في تخليد النخلة البصرية والفنان البصري .
حفر حامد سعيد جسد ( الكربة) وجعلها قبرا معطرا برائحة التمر ، ولم يكتف بذلك بل استخدم رموزا مسمارية ليحكي من خلالها قصة حياة ( أنكيدو) ، وكأن جامد سعيد يتلبس دور ( كلكامش ) في بحثه عن الخلود ، بعد وفاة صديقه أنكيدو ولكن هذه المرة ليست له بل لصديقه الراحل فؤاد هويرف .
حامد سعيد يشكل اسطورة جديدة بل يعيد صياغة اسطورة سومرية / جنوب العراق ،التي تسكن في أعماق كل جنوبي/ عراقي .
طفولة وبهجة ورغبة ذكورية وابتهاج انثوي ورائحة النخلة ودلالة (الكربة ) بمعناها التشكيلي المتحول الى النحتي ، إذ يوحي جسدها إلى خارطة العراق ( ضيق في الجنوب واتساع في الأعلى شمالا ) ، وحكاية الفتى ( فؤاد هويرف) في طفولته ومرحه وبهجته التي استعادها حامد سعيد في هذه المنحوتة التي تحولت فيها ( الكربة ) إلى تابوت .