كلما ازداد عند عبد الله مولودا جديدا ، يمنحه الباطرون مائة درهم (كتبريكة)* ، ويوم عطلة مدفوع الأجر .
زوجته عائشة حامل في شهرها الثامن . كل سنة تضع له كتكوتا . هذه المرة بدأ يحلم بشيء مختلف ، بعد أن سمع خبرا يقول بأن وزارة الفلاحة تمنح للفلاحين أربعة آلاف درهم عن كل بقرة تلد عِجلا ، ولو تجاوز العدد الآلاف . لا يتذكر أين سمع الخبر لأول مرة ، لكنه سأل عنه ، وتأكد من صحته .
وهو عائد إلى البيت ، توقف مرتين في الطريق . بدأ يشعر بصداع في الرأس ينمو شيئا فشيئا . لينسى ذلك ، تساءل مع نفسه :
ـ لو تزوجت بقرة ، هل سنلد عِجلا ؟
انتابه إحساس بالتقزز من أن يتزوج الإنسان حيوانا . تشوش فكره . الزواج يحتاج إلى إجراءات إدارية . موافقة عون السلطة وعائشة والعدول والشهود . وهل يوافق كل هؤلاء على أن يتزوج من بقرة ؟ وكم من الوقت سيحتاج لإقناعهم ؟ وكيف ستفرح الأسرة ، وتقيم له العرس وتستضيف أهل العروس ؟ ولنفرض أنهم وافقوا ، فأين ينام مع البقرة ليلة الدخلة ، في الحظيرة أم في الغرفة ؟
كاد يموت من الضحك ، عندما تخيل بقرة تجلس بجانبه في (العمارية)* ، وهما يشربان الحليب ، ويتناولان التمر . وقبل ذلك عليه أن يضع خاتم الزواج في أصبعها ، ثم يطبع قبلة على خدها . تذكر بأن البقر ليس له أصابع ، ولا خدود مثل البشر ! رأى بأنه سيشعر بالقرف إذا فعل ذلك . وضع يده على رأسه . توقف لحظة ، وأخرج منديلا ، مسح به العرق وأضاف :
ـ هل يمكن لعائشة بنت حمان أن تلد هذه المرة عجلا ؟ قد يحدث ذلك ، لكن بشرط أن يتحولا معا إلى بقر ! وهل يتحول الإنسان إلى بقر ؟ في هذا العالم كل شيء ممكن . إذا صَدّقَت صعود الإنسان إلى القمر ، لماذا لا تُصْدق تحول الإنسان إلى بقر .
نسي أمرا مهما ثم أضاف :
ـ ومن سيأخذ الأربعة آلاف درهم ، إذا تحولنا معا إلى حيوانات ؟ وكيف سيتعرف علينا عون السلطة ؟ لا بد أن يبقى أحدنا على هيئته البشرية
الثور لا يلد ، البقرة هي التي تلد . بالمنطق عائشة هي التي يجب أن تتحول إلى بقرة !
ضحك وهو يرى عائشة تتحول إلى بقرة ، ثم تخيل نفسه يعانقها ، لكن خشي أن تنطحه أو تركله ! رغم أن الصورة بدت مقززة وبشعة ، فمن يضمن له بأن يلدا عجلا ؟ قد يلدا مسخا مركبا : ولد له رأس عجل ، أو العكس عجل له رأس إنسان ! وفي هذه الحالة لن يحصلا على التعويض .
إذن عليه في المساء أن يفتح الموضوع مع عائشة :
ـ أه لو كان الجنين الذي في بطنك عجلا يا عائشة . ستحدث معجزة ، وسنحصل على التعويض ، وسندخل التاريخ . لم يسبق لإنس أو جن أن ولدا عجلا .
كل تلفزيونات الدنيا ستحط الرحال في بيتنا . لن نحتاج إلى عمل . سيتطلب منا التصوير ، والإدلاء بالتصريحات وقتا طويلا ، وسنكسب الكثير من المال .
عندما دخل في المساء إلى البيت هده التعب ، وارتفعت حرارة جسمه . وضعت عائشة يدها على جبهته ، وقالت وهي مرتبكة :
ـ رأسك سخون يا عبد الله . هل ضربتك الشمس ؟ ألم أنصحك بارتداء القبعة ؟
لاحظت بأن درجة الحمى جد مرتفعة .
قامت إلى المطبخ ، وغلت قليلا من الماء ، بللت به قطعة قماش ، ووضعت فيه عشبة (المخينزة)* ، وعقدته حول جبهته ، وفوق رأسه ، وغطته بملاءة صوفية
بعد قليل ، سمعته وهو نائم يهذي ، ويتمتم بكلام غريب لم تفهم معناه :
ـ هل ستلدين عجلا ؟ اعمليها هذه المرة فقط . نفسي في أن يكون لي ولد على صورة عجل !
——
المعجم :
ـ التبريكة : يبارك له المولود الجديد .
ـ العمارية : فراش جميل يخصص للعريسين ، يوضع فوق مرفع من الخشب أو الألمنيوم ، ويحمله أربعة أشخاص أو أكثر ، يطوفون به وسط الضيوف .
ـ المخينزة : من الأعشاب المشهورة في المغرب يتم وضعها في قماش مبلل بماء ساخن ، وتحزم به على الرأس ، وتستعمل كعلاج تقليدي للحمى .
مراكش في 14 غشت 2022