بعد ليلة اتخمتها اصوات السعلات.. منغمة حسب العمر والشدة..صحبتهم ثلاثتهم ودخلنا المجمع قبيل التاسعة صباحا.. وكلما دخل احد قلت هل هو هذا او مشتبه.. فللاطباء طبع معروف.. في الخط والمظهر.. كان المحاسب صارما..لا يتمكن شمبازي من اضحاكه .. ومع وجه شديد السمرة ولون ملبس غامق وصبغ الميز الذي يظهر بعضه منه.. فهمت نصف توجيهه وانا اطالبه برقم واضافتي للسجل.. على يساري فتاة نحيلة تظهر كمن اصيبت بمرض.. قربها امها.. تتلفتان بحدقات كسيرة قلقة..اتى! قلت (ربما هذا طبيبي).. شاب لطيف الهندام ابيض البشرة. واخذ يتحرك حول المحاسب.. ورقبته لا تستقر.. قلت لقد اخترت الطبيب الخطأ ان ظهر هو طبيبي.. بعد لحظات فتح باب غرفة المختص. ثم زحزح عنها مكتبا صغير.. مسحه قليلا وثبت السجل اعلاه.. فتقدمت نحوه واعطاني الرقم (2).. جوار الفتاة النحيلة وامها كتبت لافتة.. اسم طبيبة وحروف بالانكليزية ثم عبارات تعكس عشرات الاختصاصات..
أتت تتنقل بلحمها المضغوط بالجاكيت الخمري والبنطلون ساترة نفسها بحجاب.. القت التحية عليهما مع شبه ابتسامة رسمية وغطست بعيادتها.. اعقبها رجال يدخلون المجمع ويخرجون ولا احد منهم طبيبي!! ترى هل الفتاة النحيلة هي المريضة او اخوها الصغير.. كشف اللغز حين وضعت فمه بكيس نايلون اسود ويدها على رأسه..كان يتقيأ ويبادلني النظرات وهي تضغط رأسه متوترة وتنظرنى.. الطفل حزينا ينظرني وهو يتقيأ كمن يقدم اعتذارا او يداري خجلا.. كنت اضحك في سري وانا اتخيلني اخاطب الطبيب مازحا (اتيتك بكومة مرضى بفصيل من سعال..هه.).المضمد صارم قاط اسود وجسم طويل مكتنز.. تقدم نحو المحاسب وقف خلف مكتبه منهمكا بموبايله يبتسم بخفوت او يركز او يقلبه بجزع..او تسكن حركاته ومشاعره انه خارج التغطية كأن لا احد من العشرات وجلهم نساء موجود.. فجإة اشرق وجهه وكاد يقهقه.. واستدار للمحاسب واراه مقطعا وهو يضحك بخفوت… ويظهر ان المقطع كان طريفا لدرجة ان المحاسب بدأ يسرق ابتسامات.. وتخلى وجهه عن صرامته فاشرقت في الوجه الداكن ابتسامات انتصرت قليلا على الوجوم.. وقليلا قليلا تبددت فعاد الوجه ينقل عينيه في السجل محركا حاجبيه مقلصا او مفرجا عينيه.. لكن اين طبيبي.. أتى رجل خمسيني وقور منتصب القامة تزينه خصلات مفضضة وحين اقترب قال السلام عليكم خافضا رأسه رافعا يده..اخيرا!!..ودخل الغرفة التي حجزت منها.. الطفل المتقيء دخل اولا وبعد لحظات قليلة دخلت..(دكتور – وانا ابتسم- تحملنا لطفا فقد جئتك بقطيع من المصابين.. ورأيته متعجلا قلت دكتور بامكاني ان اقتني اكثر من باص فقال مبتسما (لا عليك استاذ واعرض الحالات فقد اعتدت السرعة بالعمل..) قلت بضميري هذا رجل شبيه بالخلفات المعتقين…