كان الفنان التشكيلي العالمي ماغريت يقول ( إن الأزرق هو لون الحب المطلق ) — و يعرف المتمكنون من سبر أغوار رمزية الألوان مثل الفنان العالمي و المنظر التشكيلي كاندانسكي ( أن الأسود هو ملك الألوان ) .
..
هذه التوطئة جديرة من ناحية رمزية أن تكون مستهلا / مفتاحا لقراءة العالم الشعري في تجربة الكتابة الابداعية للشاعرة عائشة الخضر ( لونا عامر ) .. و ذلك لأننا بصدد تخييل شعري في تشكيل دلالاته تتصارع قوة الحب مع قوة المجهول الذي يعصف بالوجود الإنساني العربي كذات فردية و كذات جماعية .
..
تنهل الشاعرة السورية عائشة الخضر من معين خيال شعري يتسامى في قراءته للواقع من مستوى المحلية إلى الكونية ، و من مستوى الذات في تجلياتها العربية إلى الذات الإنسانية ، لذلك و نحن نقرأ قصائد ديوانها ( و للعشق موال أزرق ) نجدنا بصدد شعر أهم ميزة له هو أنه من أبرز صور الشعر الإنساني ، الذي مهما أوغل الإنسان في عجزه و أوغل الواقع في بؤسه ، فإن الكلمة الشعرية تظل بالنسبة لعائشة الخضر رهان على تمجيد قيمتين نبيلتين و هما : الإنسان و الحب .
..
قصائد مثل : ” مقعد في حديقة ؛ و غريب ؛ و كأن أحبك ؛ و على قيد انتظار ” حين نقرأها و نحن نضع بين أعيننا قصائد من الديوان نفسه مثل ” سورية ؛ و مرثية شهيد ؛ و هلوسة سيريالية في زمن الحرب ” نجد أن الشاعرة تنسج رؤيا إبداعية تؤسس للإنسان الذي يقاوم مأساة الواقع بجعل ( الحب ) كقيمة إنسانية كونية هي السماء التي تطهر الأرض من بؤسها و انهياراتها و سقوطها .
..
تنتمي الشاعرة عائشة الخضر إلى السجل الرمزي العظيم ل ( الشعر الغنائي ) — هذا أمر لا غبار عليه : كل مقومات الشعر الغنائي حاضرة في نصوصها الإبداعية ، من الجملة المنحوتة من دم الوجدان و أغوار العاطفة الإنسانية ، إلى بلاغة مجازات التوظيف الرمزي للطبيعة ، و تسيد الأنا الشعري بضمير المتكلم كذات رمزية جوهرية ، و تجليات صور الحزن و القلق و الألم و الغربة و الاغتراب و الحنين و النوستالجيا .. هذه الصور المتخيلة الغنائية الرمزية التي مهما تعددت فيها صور الوجع الإنساني .. فإن سؤال مصير وجود الكائن تلخصها الشاعرة و تمحورها في معنى كبير هو لحمة ديوانها ، هذا المعنى الذي لا يكف يملأ وعينا بفكرة عليائية سماوية فراديسية : تجعل الحب من مجرد التعاطف البسيط إلى حمولته الروحية و الثقافية و الأسطورية هو الخلاص الكوني .
..
نعم .. تنتمي الشاعرة عائشة الخضر إلى سجل الشعر الغنائي .. فلغتها الشعرية من صميم الشعر الوجداني الذي يعيد كتابة الواقع بلغة شعرية رومنطيقة ؛ لكن من وجهة قراءة نقدية صميمية : انها لغة ذات عمق شاعري تأملي و فلسفي و رمزي ؛ لغة شعرية ترقى بالكلمة من مستوى الاستعمال العادي المألوف الى مستوى الاستعارة الأسطورية و مجازات التعبير الكوني الإنساني .
..
تقرأ قصائد عائشة الخضر فتشعر أنها جاءت الى الشعر من اطلاع واسع و مبحر على مختلف منجزات الشعر العربي من للقصيدة الكلاسيكية إلى الشعر الحديث .. و من تمكنها من اللغة و البيان العربي .. و من قراءاتها المتعددة في الأدب و الفلسفة و الدين و التاريخ و الفنون .. لذلك فنصوصها ضاربة العمق في الذاكرة الكبرى للكلام و الأدب و فنون القول و التعبير و سجلات المعرفة و الفكر .
..
شاعرة : يحسب لها بكل اقتدار نقدي لا مجاملة فيه أنها لا تقلد أي صوت شعري ، و لا تتوكأ على منجز شعري جاهز ، بل تمتلك تجربة شعرية أصيلة .. و في نظري النقدي الخالص أعتبرها صوتا شعريا رائدا في الإبداع النسائي السوري العربي .. فنصوصها المنحوتة من متخيل لغات الحب و الصبابة و العشق متميزة و استثنائية و تجعلنا من خلال لغتها نصبو الى حياة خميرتها و إكسبرها الخالد هو الحب .
..
للعشق موال أزرق .. أليس هذا عنوانا كافيا ليكون بطاقة جمالية تعريفية وافية بالشاعرة عائشة الخضر .. ؟
..
الجواب النقدي و الاستطيقي : أجل ؛ ثمة امرأة مبدعة سورية تكتب القصيدة كموال شامي و كموشح أندلسي .. أزرق مثل أبدية السماء و البحر .. أزرق مثل المطلق الإنساني الذي ننشده و نحلم به في أزمنة العنف و الحرب و الألم و الاغتراب التاريخي و الايديولوجي الراهن .
..
محمد علوط – ناقد أدبي من المغرب ( الدار البيضاء 2018 )