اصبح فضاء الشعر واسعاً أمام المندفعين للكتابة فيه، وهو بين الخواطر والذاتيّة؛ او إعادة للشعر الرومانسي.ّوالحَكم بين تلك الكتابات هو غوغل والفيس بوك بين الإطراء و الإعجاب والإشادة به عن قصيدة غير موزونة وفرضت نفسها، ويحصل إنَّ كاتبها حديث الكتابة ويطلب رأي القرّاء..
ومقابل ذلك كانت القصيدة العموديّةتصدح لها الحناجر وتشدّك القافية إلى حالة الطرب وعذوبة اللّغة ووزن لائق لا شائبة عليه. ولمّا كان للجانب الإجتماعي اثره في بيئة الشاعر فقد تناول الشاعر السعوديّ احمد باعطب في قصيدته “الموظف والراتب” في مجلة الفيصل السعودية العدد ١٣٣/سنة١٩٨٨/ص٥٠ جانباَ حيويّاً متلازماً لحياة الناس، وفي صُلب إقتصاده لانَّ توفير مستلزمات العيش لا تجري إلاّ بالعمل فكيف إذا كان موظّفاً ينتظر شهر اً كاملاًحتى يتسلم راتبه عكس الأعمال الحرّة في تناول أجرها يومياً وحسب توفّر الشغل.
والقصيدة تبدأ بحساب الايام التي إنقضت بعد تسلّم الراتب بوصف يربط العلاقة بين الجيب ورائحة المعاش من ايام مضت.
إذا ما أدبرت عشر فعشر وشَّم الجيب رائحة المعاش. ِ
يبدأ الشاعر بوصف من يشاركه الحياة زوجته في طلبات البيت قائمة تلو قائمة حين تفتخر أمام من يزورها.
اعدّت زوجتي كشفاً مليئاَ. بأسماء الجديد من القماشِ
وقائمة بما ترجوه حتماً. لم تزل لها العتيق من الرياشِ
ويصف حاله حين تغلق زوجته الطريق بذرابة لسانها ما تريده من الراتب في المنزل. وامّا ما تبقى من العشرة الأخيرة فهي مرحلة قلق، وأسئلة تحتاج إلى اجوبة على فراش الموظّف
وتمضي بعدها عشرُ البواقي. على قلق توجّع لي فراشي
والقصيدة وإنْ كان الشاعر باعطب قد كتبها سنة ١٩٨٨فإنَّ متطلّبات موظف اليوم قد خرجت عن المنزل إلى المطاعم وتذوّق الأكلات الجديدة، وما نراه من المجمعات والمولات للتسوّق يجعل الموظف يقف ساكناً أمام التغييرات الإقتصاديّة بين الكماليات والاجهزة المتنوّعة ولا يستطيع توفيرها بوقت واحد..
وعن يوم صرف الراتب يصف مشاعره وحالة الزهو والبِشر بادية عليه كناية عن الفرح يقول.
و انْ ما هلَّ يوم الصرف طُرنا إلى الصندوق نركض كالمواشي
ويستلم النقود بكلّ بِشرٍ. و هو في السريرة وإنتعاشِ.
وهو بين مصدّق بالراتب يقوم بعدّه مرات.
اُكرر عدّها بيدي حريص. ووجه مشرق البسمات باشِ
ويصل وصفه إلى أعضاء جسمه ومنها المفاصل
واشرق حين ابصرها بريقي. وتصطّك المفاصل لإرتعاشي
ويشبّه تسلّمه الراتب و رجوعه البيت كما ترجع الطيور إلى اعشاشها حاملة زادها.
ونرجع والحوافظ متخمات كما تاوي الطيور إلى العشاشِ
ويخرج الشاعر من الذاتيّة إلى تبيان أهمية المال وجمعه، وقد تمزّق شعوب من أجل المال
رأيت شعوب هذي الأرض طُرّاً. ممزقة الجوانح والحواشي
ويمكن ان يذّل المال الإنسان ويغيّر أخلاقه
يِحطّم عِزّة الأخلاق فيها بريق المال يسحر كلّ جاشِ
وطشّه ثانية جمع المال والجري وراءه مثل البهائم العِطاش تبحث عن مورد تقف عليه
فهّم بجمعه سِراً وجهراً. نكّد إليه كالبُهم العِطاشِ
ولا ينسى الشاعر عًالم الجريمة والمخدّرات من مال الحرام، والقتل وكذلك الربا والزشوة وهي حالات شاعت في المجتمع.
بهِ يُساق الإجرام باغٍ وقد يُرْبى به وبهِ يُراشي
وقد لا يشبه الفتى اباه بانْ يحمل خطيئة الحياة من المال الحرام فيصبح كقشّ البعير يظهر مُسرعاً.
وقد يُزري الفتى بابيهِ حمقاً. على عرضٍ يؤول إلى قشاشِ
ويعّبر الشاعر عن المال عند اللئيم اخطر من وجهة الشاعر لانّه سوف يتعالى ويورد اهله سوء العاقبة بتصرّفاته العشاء في المال.
وإنْ ظفر اللئيم به تعالى وساق لاهلهِ سوء الغواشي.
ومن خلال هذه الأبيات تبدو جليّاً قصيدة الشاعر أحمد باعطب غاية في الوضوح في تناوله لجانب مهّم في حياة الإنسان الا وهو المال الذي يخدمه في قضاء عيشته؛ ولكنّ الموظّف اكثر لهفة وتشوّقاً لرؤية يوم صرف الرواتب على الموظّفين ومع الحدث الذاتي الشّيق الذي عرضه الشاعر لكنّه لم ينسَ الحدث الخارجي للمال حين يكون بيد اللصوص والسُّراق، وأصحاب الربا والزشوة فقد تعمّد الشاعر ان يتطّرق إليها في نفع المال ومضرّته على المتصرّف فيه.
هي قصيدة ربط الشاعر فيها بين الهزل، والجدّ كي يصبح شاعراً فاعلاً في مجتمعهِ. وقد نحتاج إلى تفاعل الشاعر مع بيئته ومجتمعه وهو يلتقط ما يصلح ان يكون شعراً معبّراَ عن غاية إجتماعيّة. وهذه القصيدة هي خير شاهدٍ للشاعر السعودي احمد باعطب.