استيقظ عدنان يوم الأحد باكرا. غسل وجهه بسرعة، وسخّن كأس شاي كما نصحته أمه، وتناول كسرة خبز، وضع داخلها ملعقة من زيت الزيتون. أغلق الباب بالمفتاح، وخرج إلى سوق الخضر الذي يبعد عن المنزل بحوالي عشرات الأمتار.
في الحقيقة هو ليس سوقا. كان في البداية ساحة يلعب فيها الأطفال الكرة، ثم جاء الباعة المتجولون واحتلوا المكان، وحولوه إلى سوق للخضر والسمك والدواجن بمساعدة السلطات المحلية.
الزبائن الميسورون كُسالى لا يتوافدون على السوق إلا بعد الساعة العاشرة صباحا. يدور عدنان في السوق، وينتقي زبونا، يعرض عليه حمل القفة إلى سيارته مقابل بقشيش. يتمنى أن يكون الزبون امرأة. يعتقد بأن النساء أكثر حنانا، وتعاطفا مع الأطفال، وينفحنهم بنقود أكثر.
في منتصف النهار يفد زبائن يبدو أنهم موظفون صغار، يضعون لأكياسهم وسلالهم عجلات صغيرة، ويقتنون الخضر بأسعار أقل، ولا يسمحون لأطفال الحي بمساعدتهم. لاحظ أنه مع هذه الفئة لا فرق بين النساء والرجال.
تحسس جيبه، ويُقدّر محصول اليوم ما بين عشرين وثلاثين درهما. من قبل كان الأطفال بالإضافة إلى حمل القفف، يتاجرون في الأكياس البلاستيكية، لكن الحكومة منعت ذلك، وحرمتهم من هذا الدخل الإضافي.
أم عدنان تعمل خادمة في المنازل. كان يذهب معها، وهو طفل صغير. تضعه فوق ظهرها، وتحزم عليه الركّاب*. ربات البيوت اللواتي تعمل عندهن، أغلبهن موظفات. يطلبن منها أن تنظف كل شيء. تزيل النوافذ، وتغسلها وتمسح زجاجها، وتعيدها إلى مكانها. يقفن يتفرجن عليها، وهي تجمع الأفرشة بمفردها. لا يقدمن لها أية مساعدة، يكتفين فقط بتقديم الإرشادات. رغم ما تشعر به من إرهاق تكابر المسكينة وتتظاهر ، حتى لا تفقد مصدر رزقها. أكرمهن تقدم لها إلى جانب الأجر، بعض الثياب البالية أو بقايا الطعام.
توفي زوجها منذ سنتين. لا يتذكر عدنان سوى صراخه، وخناقه مع أمه، وكيف كان ينزع منها النقود، ويخرج من البيت، ولا يعود إلا بعد منتصف الليل سكرانا. تجلس المسكينة تبكي، وتندب حظها. وأحيانا يتدخل خاله عبد السلام للصلح بينهما.
خاله مراد لا زال شابا، ويلبس (شيك)*، لا أحد يعرف ماذا يعمل. يملك الكثير من النقود، ويركب دراجة نارية من نوع ماكس. اشترى له بذلة جديدة حضر بها عرسه. كلما مر بجانبه، يأخذ قطعة حلوى، ويقدمها له، ويسأله هل العروس جميلة؟ فيبتسم عدنان، ويرد عليه :
ـ (فَنّة أ خالي، تتهبّل)*!
لاحظ هذه الأيام، تردد أشخاص على المدرسة ببذلات أنيقة، وحقائب صغيرة، يشبهون موظفي الشركات الذين يراهم في المسلسلات التركية.
اليوم عندما دخل إلى القاعة، تفاجأ بالمعلم يحتفظ بنصف القسم، ويُرسل النصف الآخر إلى معلمة الفرنسية، ويطلب من التلاميذ الباقين، إخراج ورقة نظيفة، وكتابة فقرة يشرحون فيها كيف يعيشون في نعمة الحرية، وعليهم الاجتهاد في دراستهم ، ليساهموا في المستقبل في تطوير وطنهم وازدهاره، وحمايته من الأعداء.
كتب اسمه وقسمه، ونقل نص الموضوع على الورقة، كما طلب منهم المعلم ذلك، وخصص لهم نصف ساعة من الوقت.
خمّن وفكّر بحرية، اختلطت الكلمات بجوارحه وعواطفه، فكتب بحرية:
ـ حين أكبر سأصبح عريسا مثل خالي مراد، ألبس بذلة سوداء، وربطة عنق حمراء، وأركب دراجة نارية (ت ماكس). وسآتي بعشرة أطفال، أقول لهم: أنتم اذهبوا إلى المدرسة، وطوروا وطنكم، واحموه من الأعداء. أما أنا فسأنزل مع عروسي إلى البحر، وأطلب من أمي أن تقعد في البيت، وتهيئ لنا وجبة الفطور.
المعجم :
ـ الركاب : تضع المرأة طفلها على ظهرها ، وتشده بثوب يسمى الركاب .
ـ يلبس شيك : يرتدي ثيابا عصرية وأنيقة .
ـ فنة أ خالي ، تتهبل : فنة : جميلة جدا / تتهبل : تجنن .
مراكش في 06 مارس 2021
قصة رائعة تعكس واقع الطبقة الفقيرة ومعاناة
” المرأة ” على الخصوص بين براتين الفقر وادمان الزوج على الخمر والمخدرات. وفي هذا الخضم يتوه الأطفال في عالم لا يرحم.
حكيك يلامس الواقع بكل تجلياته بأسلوبك المعهود ” الجداب”
أعطاك الله الصحة والعافية أستاذنا الفاضل