يقع هذا الكتاب في 650 صفحة من الحجم الكبير , ويضم مقدمة وثمانية فصول وخاتمة ..من الصعوبة بمكان ان تتمكن مقالة مختزلة الاحاطة بمواضيع هذا الكتاب العميق والمتشعب الذي رصد التغيرات التي حدثت للشعر الحديث منذ نهاية القرن الثامن عشر حتى عام 1970.ولهذا ارتاينا ان نلقي الضوء على الفصل السابع منه ..مع ضرورة الاشارة بان تلخيص الاراء الواردة في الكتاب سيتم تسليط الضوء عليها بحيادية بغض النظر عما كنا متفقين او مختلفين مع تلك الاطروحات ..
اعتبرت الكاتبة الجيوسي ان من العبث ان نربط بين حركة الشعر الحر (التي بدات مع ظهور الديوان الثاني لنازك الملائكة \شظايا ورماد \ ) والافكار السياسية الثورية التي اندلعت نهاية الاربعينيات .فاعتبرت حركة التجديد تلك ظاهرة فنية نجحت بسبب نضوجها الفني وتوقيتها غير المقصود الذي جاء ملائما للحالة النفسية والتاريخية في الوطن العربي .. وتضيف بان ديوان نازك الثاني هو الذي بدا حركة الشعر الحر رسميا واعلاميا وقد كسبت الحركة دعما عندما نشر السياب ديوانه الثاني (اساطير ) سنة 1950..وفيما كانت القصائد الحرة لنازك تتسم بنقاء الاسلوب وخبرة في التقنية كان شعر السياب يكشف عن فحولة القديم في اسلوبه ولغته ولعل قصيدته ( في السوق القديم ) التي نشرت عام 1948رسخت البحر الكامل واستخدم على نطاق واسع وهي القصيدة التي استهوت الشعراء الاخرين .. وتؤكد الكاتبة بان هذين الشاعرين \نازك والسياب \ منذ البداية كان واضحا انهما سيقودان ثورة الشكل في الشعر العربي الحديث .بعدهما اشتهر البياتي حين نشر ديوانه <اباريق مهشمة > سنة 1954. تقول هؤلاء الشعراء بدؤا رومانسيين ثم تحولوا عنها .
انتقال مركز الشعر الى العراق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترى الكاتبة ان (في نهاية الاربعينيات لم يبرز شعراء جدد مشهورون في مصر وتضرب امثلة على ذلك ..في تونس لم تسمع اصوات شعرية جديدة مهمة بعد وفاة الشابي …الاقطار الاخرى كالمغرب وليبيا والجزائر والسعودية واليمن وغيرها بقيت فيما فرضته من عزلة على نفسها .. في لبنان بدا النشاط الشعري يفقد اصالته …في سوريا ظهر شاعران مهمان : ابو ريشة وقد حدد نفسه بموضوعين يستقطبان القراء : الحب والوطنية اما نزار قباني فرغم مقدرته الفذة على استخدام المصطلح الاجتماعي المعاصر فان حدود الموضوع والموقف في بداية مسيرته الشعرية حالت دون قيامه بدور رائد ..اما في العراق فقد تمكن الشعراء الرواد من احداث ثورة حقيقية فرغم ان اثر الرصافي والزهاوي قد تضاءل فان شاعرا كبيرا قد ولد هو الجواهري فقد كان لشعره اللاهب اثر على الجمهور الا انه كان ضاربا في القدم فلم يستطع ان يكون المثال الذي يقتدي به شعراء الاربعينيات .. لكن السياب ورث منه جزالة في اللفظ وعاطفية في الاسلوب .. وكان العراقيون اكبر القراء في الوطن العربي ولم يتورطوا في متاهة الجدل النقدي وقد طبعو ا ديوان ابوماضي \الجداول \ مرتين ولم يكن الشعر العربي المعاصر كافيا للشعراء الشباب في العراق فمضوا لينهلوا من الشعر الاوربي والغربي فقرؤا اليوت ولوركا , حكمت ونيرودا , ستويل وييتس واودن. لقد بزغت الحركة الجديدة من الشعر الحر استجابة لحاجة حقيقية نبعت من طبيعة الفن \الحاجة للتغيير والتجديد\ .كان الشكل القديم قد (استنفذ امكانات مصطلحه الشعري ) حسب س.م.بورا .. <the creative experiment > ص2 .. وقد كتبت الملائكة مقالا عام 1958يتحدث عن رفض جيل الرواد لما اسمته بالنمط الرتيب وتطلع لشكل جديد ..
عام 1954 نجد السياب يؤكد بان \الشعر الحر ليس ظاهرة عروضية فحسب بل بناء فني جديد يجسد موقفا واقعيا جديدا , جاء ليحطم الميوعة الرومانسية والصرامة الكلاسيكية والشعر الخطابي وادب الابراج العاجية ..وتردّ الكاتبة على جواد الذي كتب بان الشكل الجديد جاء نتيجة للمحتوى الجديد بان < هذا القول ليس صحيحا تماما لان القصائد الاولى من الشعر الحر كانت تقليدية المحتوى .
في الجانب الاخر كان شعراء ونقاد يقوّمون هذه التجربة الجديدة فقد اصدر الخال < مجلة شعر > في 1957والقى محاضرة حول \الشعر الحديث \ سنة كما 1959اكد ادونيس على عنصر الرؤيا في الشعر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن كتاب <الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث > \د. سلمى خضراء الجيوسي \ ترجمة د. عبد الواحد لؤلؤة , الطبعة الثانية 2007\ مركز دراسات الوحدة العربية