1
بدأت الحكاية عندما انتقلت إلى نيابة الجديدة للعمل بثانوية سيدي إسماعيل.
قدمت في نهاية شهر غشت من مدينة القنيطرة إلى الجديدة. اتجهت صباح اليوم الموالي إلى (زاوية سيدي اسماعيل). قضيت اليوم بكامله في البحث عن كراء محل للسكنى، دون جدوى.
عدت إلى مراكش، لكن لم يهدأ لي بال. أخرج في الصباح إلى مقهى ال 24 بالأحباس قرب المحطة الطرقية. أتناول فنجان قهوة، وأدخن سيجارة أو سيجارتين، فجأة أجد نفسي في الحافلة متجها إلى (زاوية سيدي اسماعيل) للبحث عن الكراء. المنطقة تختلف كثيرا عن بومالن دادس. الامازيغ جديون وواضحون وحقانيون. لا يلجؤون إلى الابتزاز، ولا تحتاج معهم إلى مساومة. في الزاوية يبدو الأمر مختلفا. الناس هنا حذرون وشُطّار. وأنا لا أعرف أي فرد من المنطقة.
نصحني صاحب مقهي بالسؤال عن شخص من أبناء المنطقة، معروف بمساعدته للغرباء في العثور على منازل للكراء. حدد لي الزنقة ورقم المنزل. طرقت الباب. لحسن حظي أو لسوئه، فتحت الباب امرأة تجاوزت الأربعينات. استغربت للطريقة التي استقبلتني بها. لما حييتها، ردت التحية بأحسن منها. وأجابتني بأن الشخص التي أبحث عنه خارج البيت، ثم سألت عن حاجتي إليه. عندما سمعت بأني أبحث عن الكراء، أدركت بأني موظف جديد قدم إلى المنطقة. رمت الشّباك، وتأسفتْ كأني فرد من العائلة. وزاد خوفي عندما وصفتني ب(الكبيدة)، وأخبرتني بأن الطابق السفلي مر على كرائه أقل من أسبوع، واقترحت علي أن أقيم في المرآب بشكل مؤقت حتى يجدوا لي مسكنا.
رغم تقدمها في السن لا زالت تحافظ على ملامح من الجمال، باستثناء قصر القامة، وشيء من البدانة. ينطبق عليها المثل المغربي الشهير (إلى مشى الزين تبقاو حروفو)*. تعجبت للمفارقة. كُلًّ وهَمُّه. أنا أبحث عن محل للسكنى، وهي ربما تبحث عن زوج يسترها من دوائر الزمن.
مرت الخمسة عشر يوما بسرعة، وحلت فترة الدخول المدرسي، وفشلت في العثور على محل.
قررت أن آخذ متاعي. وصلت الزاوية قبل الساعة العاشرة صباحا. وضعت حاجياتي في (كراج) عند أحد تجار المنطقة. تعرفت عليه عن طريق أحد الأصدقاء.
ذهبت إلى المؤسسة. وقعت محضر الالتحاق، وملأت إذنا بالغياب لمدة ثلاثة أيام بدعوى بحثي عن بيت أقيم فيه.
لم أغسل وجهي، ولم أصفف شعري. لم أنظر إلى المرآة، ولم أحلق ذقني. لم أتناول فطوري على طريقة الموظفين. ملابسي وكتبي وفراشي ، الكل ما زال مكدسا في (كراج) مع مواد البناء. جلست في مقهى شعبي يحمل اسم القرية نفسها تناولت فنجان قهوة، ودخنت سيجارة، ثم بدأت رحلة البحث عن السكن.
بعد منتصف النهار تعرفت على أحد العاملين بالمؤسسة. عندما سألته عن الكراء اقترح علي معاينة بيت في ملكية إمام المسجد بالقرب من مقر الدرك. ساحة تشبه حوشا كبيرا محاطا بسور قصير، يوجد في مدخله غرفة طويلة ذات باب مكون من صفحتين خشبيتين رقيقتين، يتوسطهما مزلاج بقفل صغير، وأمامها بئر. والمكان بعيد نسبيا عن سكن الإمام. قبل الحصول على المفتاح لمعاينة المكان أكد لي بأنه سكن أكثر من سنة في هذه الغرفة التي عمل على تقسيمها إلى ثلاثة مرافق تفصل بينها ستائر:
ـ مرفق بالقرب من الباب خاص بالمطبخ.
ـ مرفق بالوسط خاص بغرفة الجلوس.
ـ المرفق الثالث والأخير خاص بغرفة النوم.
بالنسبة للمرحاض، جال ببصره في الفضاء الواسع أمامه، مانحا إياي الحرية في اختيار أي ركن يمكن أن أقضي فيه حاجتي أنا وزوجتي مستقبلا. وأضاف أنه عانى فقط من شدة البرد في فصل الشتاء.
استغربت للبرودة التي يتحدث بها، وكيف رضي أن يقضي برفقة زوجته أكثر من سنة في هذا المكان الذي يشبه الإسطبل؟
في المساء عثرت على غرفة واسعة نسبيا حوالي ستة أمتار على أربعة في بيت سُفلي مع الجيران بثلاثة مئة درهم. المرحاض وأنبوب الماء مشتركان غير أنهما متهالكان. ومصباح كهربائي مستقل داخل الغرفة. قبلت السكن في هذا البيت بشكل مؤقت إلى حين العثور على منزل مستقل. في المساء نقلت إليه متاعي. لاحظت بان الكهرباء تظهر وتختفي. اكتشفت فيما بعد أن جيراني الجدد إما تلاميذ بالمؤسسة أو تجار يرتادون الأسواق المجاورة.
المعجم :
ـ (إلى مشى الزين تيبقاو حروفو) : مثل مغربي يعنى بأنه إذا ضاع الجمال وانتهى بفعل المرض أو الكبر في السن تبقى علاماته ظاهرة.
مراكش 05 أكتوبر 2017