02
لم يكد يمر أسبوع واحد على الدخول المدرسي حتى انتقلت للسكن في بيت سفلي مستقل في ملكية أستاذ من المنطقة يشتغل بنفس المؤسسة. بيت يتوفر على مطبخ وحمام وغرفتين وممر طويل بعرض أكثر من مترين. اكتشفت فيما بعد أن بعض الأساتذة لم يكونوا أكثر حظا مني في العثور على سكن مستقل.
سيدي اسماعيل قرية فلاحية تقع في ملتقى الطرق التي تربط مدينة الجديدة بمدينة مراكش ومدينة البيضاء بمدن اسفي والصويرة واكدير، وتبعد بحوالي خمسة وأربعين كيلومترا عن مدينة الجديدة عاصمة الإقليم. وقد حولتها الحافلات التي تمر من هذه الطرق إلى محطة بها مركز تجاري يتوفر على جميع أنواع المواد الغذائية خاصة اللحوم والخضر والفواكه بالإضافة إلى المقاهي التي تبيع المأكولات للركاب القادمين أو الذاهبين إلى هذه المدن .
إذا قدم إليك ضيوف في وقت متأخر من الليل لن تجد مشكلا في العثور على طعام فاخر في هذه المحطة.
كل أيام الأسبوع أيام أسواق بالإقليم، خاصة وأنه إقليم فلاحي بامتياز. اشتهر بزراعة الحبوب والشمندر والخضر والفواكه، وتربية الأبقار. ويمزج بين الفلاحتين العصرية والتقليدية.
يوم الاثنين هو يوم السوق الأسبوعي بسيدي اسماعيل. موقع السوق كان في البداية محاذيا للطريق المؤدية ل(حد اولاد فرج)* قبل أن يتم نقله فيما بعد وراء القرية من ناحية الشمال الغربي. السوق له طابع خاص في المنطقة. لأول مرة سأرى هذا العدد الهائل من العربات بساحة كبيرة أمام السوق. منظر ذكرني بأفلام (الويسترن). النساء أيضا تأتين إلى السوق، بعضهن يجلسن في مقاهي شعبية عبارة عن خيام مفروشة بالحصير، ويتناولن الشاي والإسفنج والفول المسلوق، وأحيانا المشوي.
بعد الثانية عشرة زوالا تلفظ الإعدادية تلاميذها وتلميذاتها وموظفيها، فيتوجه الجميع تقريبا إلى السوق. الازدحام والغبار والتدافع داخل ممرات ضيقة لا يعجب الغرباء رغم انه عادي بالنسبة لأبناء المنطقة.
الموظفون القادمون من المدن لا يدركون قدسية يوم السوق لدى سكان البادية. انه يوم عطلة وعيد يتكرر كل أسبوع. الذهاب إلى السوق يحتاج إلى بضاعة أو مال. الكثير من الرجال تتوقف رجولتهم على الذهاب إلى السوق، واقتناء كل ما يحتاجه البيت من سكر وشاي وخضر ولحم وحلوى وفول وحمص مسلوق للأطفال. إذا لم يكن لديك مال ولا تستطيع الذهاب إلى السوق ستبقى في الدوار، تحرس البيت مع الأطفال، وحينها ستُجن، أو ستفقد رجولتك، وتهجرك الزوجة في الفراش، ويُقلل الجميع من شأنك.
لا أنسى صورة المرأة الخمسينية التي تقود عربة (بيكوب)، وتنزل إلى المحطة، وتذهب إلى أسواق الإقليم. قيل والعهدة على الرواة أن زوجها قبل أن يقترض مبلغا كبيرا من المال من البنك كتب لها كل أملاكه. دخل السجن لمدة سنتين. وعندما خرج لم تُعد له أملاكه، بل بقيت تتصرف فيها، وتديرها بحنكة الرجال.
في النصف الثاني من يوم السوق ترى الفلاحين أصحاب العربات والنساء أحيانا فوق الحمير والبغال محملين بكل المواد التي يحتاجها البيت، عائدين إلى الدواوير التي قدموا منها، وهم يتناولون الحمص أو الفول المسلوق، وبشائر الفرح تظهر على وجوههم. جل الأسر القروية تعوض وجبة الغذاء يوم السوق بالفول والحمص المسلوق والشاي.
حي البام من أقدم الأحياء في القرية تسكنه العديد من الأسر التي تنتمي إلى المنطقة.
يوم السوق يختفي الأطفال من الأزقة بحلول الظلام على غير عادتهم. رائحة الطبخ البدوي تفوح من خارج نوافذ البيوت. ومن لا تسعفه ظروفه بتناول وجبة باللحم، وشمَّه مطبوخا، ولم يذق منه، قد يُصاب بنوبة من الجنون لن يستيقظ منها أبد الدهر.
تنشغل النساء بين ارتداء ثياب نظيفة، وتهييء طعام العشاء، واستعمال بعض وسائل الزينة. هذه الليلة لها نكهة خاصة. ومكافأة الرجال على ما بذلوه طيلة النهار لإشاعة الفرح في البيت مضمونة.
المعجم :
ـ (حد اولاد افرج) : اسم قرية تبعد عن المنطقة بحوالي 20 كيلومترا ، ويُقام بها يوم الأحد سوق يُعد من بين أكبر أسواق بيع البقر بالمغرب.
مراكش 06 اكتوبر 2017