
رغم محاولاتهم الكثيرة لولوج أعمق مناطق عالمه فإن الفشل كان دائما ما يتلقف خطواتهم نحوه، شكل فقاعة الوقار و الهيبة وقفز داخلها فراق له المكان وقرر المكوث فيها، لم يفعل هذا ولم ينزوي في عالمه الخاص عن حزن أو عن غضب أو عن كره للبشر.. فهو الذي امتلأ قلبه بربه لحد الرضا، فالشدة عنده نعمة و الرخاء امتحان، و الحزن عنده غيمة اتخذت من قلبه محطة فتوقفت عنده وستحرر قطرات الفرج قبل أن ترحل للبحث عن قلب آخر اختاره الله لذات العملية، تجول بين دروب الحياة وارتشفت روحه من كأسي الصبر والنصر.. و ارتطمت بالبلاء و النعمة.. تعايش مع من يضمر الشر ومع من جعل قلبه صندوقا يحوي كنز الخير .. خاض حروبا كثيرة بسلاح التفاؤل و الأمل، فأحيانا كان يخرج منتصرا فيسمع قلبه وهو يذكر الله و يشكره على نعمته وفي أحايين أخرى كان يخرج بكفي حنين¹ فيسمعه وهو يصف هذا الفشل بالشر الذي جعل الله الخير مخفيا في أحشائه.. ولربما هذا ما جعل الحياة تعلن عن انضمامه إلى لائحة التلاميذ الذين دخلوا مدرستها وخرجوا وفي قلوبهم الدروس والعبر، فعن طريق هذه الدروس شكل فلسفته الخاصة في الحياة و صنع لنفسه دستورا متينا، دستور يصرخ أحد فصوله أن التعمق بإفراط في كل العلاقات دون تحليل وتمحيص لا يقويها بل يجعلها على شفا جرف هار قد يخر في أي لحظة، لجأ إلى تضييق دائرة العلاقات القوية وجعل الباقي مبنيا على الأخذ والعطاء وفق مبادئ دستوره التي أسقطها على محوري الدين و المنطق قبل اعتمادها، فقد جعله البعض قبلة للنصح و ٱخرون زرع الله الطمأنينة في قلوبهم تجاهه فجعلوه صندوقا يلتقم أسرارهم عند الفضفضة فيضعها في أعماقه بعيدا عن الأنظار ثم ينشغل بتحرير ما وفقه الله إليه من أفكار تروي ظمأ قلوبهم، كثير الصمت لكن كلماته القليلة ذات ثقل ومعنى، أما عن أقرب الناس إليه فإنه من منابع سكينتهم وقوتهم بعد الله، ولعل هذا ما زين عالمه الصغير وجعله الأمثل في عينه وقرر المكوث فيه، لم يختر العزلة المفرطة التي لا تتماشى مع كون الإنسان كائن اجتماعي ولا التلوث الضجيجي الذي لا يترك للمرء حيزا يشعر فيه بأنه مستقل ومطمئن، لكنه استحضر مبدأ الوسطية و الاعتدال واختار المنتصف بحكمة فوجد ضالته فيه.
1: رجل يضرب به المثل في خيبة الأمل والفشل