نسيم عليل، وشمس تداعب وجوه السابلة، نمشي الهوينى ويدي تضم يدها بحبّ، نتبادل اطراف الحديث عن موضوع ما، نسيته! اي والله نسيته وأتذكر وجهها بعمق..
مررنا بشارع، نقصد محطة سيارات الأجرة، صعدنا بكرسي واحد قرب السائق، نحكي بهمس وأمنح طرفي لها وأبتسم بشدة، انعطفت بنا التاكسي، فوجدنا أنفسنا أمام أشعة الشمس تدلف من النافذة، أشرت لها بأن تنزل الرف الذي بأعلى، فصادفنا صورة لصبية لطيفة، عمرها يقارب عقدًا من الزمن، انتبه لنا السائق فأنشأ قائلا بخجل لطيف: إنها سمية. فصمت برهة ثم أردف : ابنتي الوحيدة.
فتنهد، ثم نظرت إليه كصديق حرمني منه الزمن، تابع بحرص كأنه لا يرغب بأن يرهف السمع الينا الركاب خلفنا: ماتت زوجتي عند ولادتها، عانت المسكينة، لا أعرف السبب فعلا، لكنها مشيئة الله، تعبت حينها فأنا كيف سأمنح هذه الصغيرة حنانًا كأمها، كيف أفعل، ماذا أقول لها حين تكبر، سميتها على أمها! فوجم كأنه تذكرَ أمرًا ثم استرسل يتابع وهو يضغط بيده على المقود: كانت علاقتي بزوجتي رحمها طيبة جدًا ودودة، كأنها الخير بهيئة إنسان، لكن (استغفر الله) الحمدلله على ما أعطى وأخذ.
عيل صبري بسمية في الأول، فلولا جدتها لجننت، وطاش عقلي، جاءت أمي من الرباط لتقيم معي، وتعيلني على أموري، فقد كنت مضغوطا بديون عليّ، قامت أمي اطال الله في عمرها بكل الشؤون، لا أنسى حين عدت ليلة منهكًا، صليت المغرب ثم منحت رأسي الوسادة وأمي في المطبخ تجهز العشاء، قامت سمية واتكأت بيديها ثم اعتدلت بهدوء ورمت أول خطوة ثم الثانية فالثالثة فالرابعة، جلست بغتة أنظر بحب، عند الخطوة الخامسة سقطت على مؤخرتها، ثم أعادت الكرّة، فصرخت بأمي، فأتت تنظر وهي تمسح يديها بمنديل، ابتهجنا بخطوات حبيبتي، زرع ليلتها بقلبي شعور أول مرة أعرفه، أنني أب.
فقبلها لم أكن أدركه بمعناه الكامل، خطواتها كانت السبيل لذلك..
توقف السائق، وهمهم كل الركاب معًا، ماشاء الله اللهم بارك..