أَزَحْتُ الْغُبَارَ عَنْهَا؛ وَضَعْتُهَا أَمَامَ الْحَائِطِ. هِيَ الْوَحِيدَةُ الَّتِي لَمْ يَسْرِقْهَا اللُّصُوصُ مِنْ مَنْزِلِي الْقَدِيمِ. لَمْ تَعْبَثِ السَّنَوَاتُ الطَّوِيلَةُ بِجَسَدِهَا الْبَارِدِ الْأَمْلَسِ؛ لَعَنْتُ اللُّصُوصَ أَنَّهُمْ تَرَكُوهَا!
نَعَمْ لَعَنْتُهُمْ حَتَّى لَا أَرَانِي اقْتَرَبْتُ مِنْهَا. دَنَوْتُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ؛ حَتَّى صِرْتُ فِي مُوَاجَهَةٍ مَعَ تِلْكَ الْمِرْآةِ؛ انْدَهَشْتُ مِنَ الْمَلَامِحِ الْمُخْتَلِطَةِ بِبَقَايَا الْغُبَارِ الَّتِي عَكَسَتْهَا أَمَامِي. وَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى مَلَامِحِي؛ أَتَحَسَّسُ بَرَاءَتِي. لَمْ أَجِدْهَا! صَرَخْتُ؛ مَدَدْتُ يَدَيَّ؛ أَسْتَنْجِدُ بِنَفْسِي بِلَا جَدْوَى.
سَمِعْتُ فَجْأَةً خُطُوَاتِ أَقْدَامٍ مِنَ الْخَلْفِ، فَجَاءَتْنِي طَعْنَةُ سِكِّينٍ؛ تَخْتَرِقُ ظَهْرِي. يَبْدُو أَنَّ اللِّصَّ قَدْ عَادَ مِنْ جَدِيدٍ!
أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِي نَظْرَةً أَخِيرَةً عَلَيَّ. مَا أَجْمَلَ طُفُولَتِي، بَرَاءَتِي الْعَائِدَةَ مِنَ الْمَوْتِ؛ أَمْسَكْتُ بِطَرْفِ ثَوْبِ اللِّصِّ؛ أَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ: خُذِ الْمِرْآةَ، وَاتْرُكْ طُفُولَتِي وَبَرَاءَتِي.