وإننا بتنا نشهد نوعا من الفوضى واختلط الحابل بالنابل وصار كل من هب ودب ناقدا وهذا يشكل خطرا كبيرا على الساحة الأدبية من حيث عدم التمييز بين النصوص في تحديد مستواها وقيمتها الإبداعية فيعلو شأن من لا يستحق ويخبو شأن من يستحق نصه الاهتمام
الدكتورة مفيدة الجلاصي استاذة جامعية وباحثة تونسية تؤثث من موقعها العلمي والأكاديمي والابداعي المشهد الثقافي وراكمت تجربتها عبر الحفر في النصوص الابداعية بمعاول نقدية معاصرة بهدف الارتقاء بالمشهد النقدي الذي توجب عليه أن يواكب كل هذا الكم المنشور شعرا أو قصة أو رواية لكل هذا حاورناها قصد الاضافة والتعرف على زوايا نظرها تجاه الاشكاليات الحارقة اليوم
س1 كيف تقيمون حركة النقد وطنيا وعربيا وهل تساهم هذه الحركة في التقدم بالنص وبالسرديات عموما
في الحقيقة حركة النقد وطنيا بطيئة فهناك تبخيس للنقد الأدبي في تونس في رأيي لا أرى احتفاء بالناقد بل كل الاهتمام منصب على الرواية يعني السرد عموما فمثلا كتابي الصادر مؤخرا “مقاربات نقدية” لم يلق حظه من اهتمام الدارسين او في الندوات والأمسيات مع ان الكثير. عبر عن قيمة الكتاب واعتبره إضافة قيمة للنقد في تونس اما في الوطن العربي فيختلف الأمر مقارنة بتونس لأنني أرى حركة إبداعية نشيطة متوازية مع حركة نقدية جديرة بالمتابعة وهذا لا شك في أنه يتقدم بالمشهد الإبداعي ويطوره ويرتقي به لأن المبدع في حاجة إلى أن يسلط النقاد الضوء على إبداعاته كي يواصل بنفس جديد يحدد فيدرك بفضل النقد الموضوعي مكامن النقص والهنات التي عليه تداركها من اجل تقديم الأفضل والناجع والأجمل فنيا ومضمونيا وليس في السرديات فحسب لأن الناقد مطالب بأن يهتم بكل الأجناس الأدبية شعرا ونثرا
س2هل هو زمن الرواية كيف تقيمون حركة النقد وطنيا وعربيا وهل تساهم هذه الحركة في التقدم بالنص وبالسرديات عموما
اذا قلنا نحن في زمن الرواية، فذلك اعتبره تعسفا على بقية الأجناس الأدبية فنحن لا يمكن أن نمحو من اذهاننا المقولة المعروفة “الشعر ديوان العرب” ومع ذلك فنحن لا ننكر اليوم ان الرواية باتت تجتاح الساحة الأدبية والثقافية والإبداعية في كل أنحاء العالم بل صارت تتصدر النسبة الأكبر في الإقبال على اقتنائها وقراءتها ولعل السبب في ذلك يعود إلى ما تحمله الرواية من قدرة على التعبير على الواقع وسبر اغواره في مستواها الإنساني والاخلاقي والايديولوجي ايضا
س3ماهي الاشكاليات والتقنيات والمعايير التي تعتبرونها ذات أولوية ليتحول النص الابداعي إلى نص عالمي يطبع بأكثر من لغة ويحصد الجوائز العالمية
للنص الإبداعي العربي إشعاعه العالمي منذ زمن بدليل انه يحظى بالترجمة إلى عدة لغات ولنا في ذلك ” ميخائيل نعيمة” و”جبران خليل جبران” و”نجيب محفوظ” و”ابو القاسم الشابي” والعديد العديد من المبدعين الذين يمثلون أعلاما في مجال الكتابة الأدبية شعرا ونثرا ولكن لا شك أن للإعلام دوره في التعريف بالمبدعين الجادين الذين لا يمكن التشكيك في عطائهم الإبداعي واثرائهم للساحة الثقافية والفكرية ولكن مرة أخرى يأتي هنا دور النقاد في اهتمامهم بالنصوص الإبداعية التي تستحق أن تكون لها صيتها الداخلي والخارجي بعيدا عن ذلك النقد الإنطباعي الإخواني المعتمد على المجاملات خاصة واننا بتنا نشهد نوعا من الفوضى واختلط الحابل بالنابل وصار كل من هب ودب ناقدا وهذا يشكل خطرا كبيرا على الساحة الأدبية من حيث عدم التمييز بين النصوص في تحديد مستواها وقيمتها الإبداعية فيعلو شأن من لا يستحق ويخبو شأن من يستحق نصه الاهتمام
س4كيف تقيم الباحثة تداخل الفنون اليوم والخروج عن التصنيف الكلاسيكي المدرسي أو هل نحتاج اليوم إلى مدرسة ادبية تأخذ بمكونات المشهد الابداعي لما بعد الحداثة
نجد تداخلا بين الفنون والأجناس الإبداعية اليوم لأن الرؤية ضبابية لا سيما وقد بتنا نشهد عسرا في عملية تصنيف النصوص وتجنيسها وهنا نشهد تضاربا في الآراء والمواقف يصل الى حد الإختلاف السجالي وهذا ليس بالأمر الغريب فلكم شهدت الساحة الأدبية العربية صراعا فكريا بين مدرسةالمحافظين الكلاسيكيين ومدرسة المجددين الحداثيين ومما لا شك فيه أن هذا الصراع سيتواصل لأنه امر صحي في اثراء المشهد الإبداعي ودليل على عدم الركود والجمود
س5كيف يمكن للناقدة خلع جبة النقد لتكتب سردياتها أو شعرها بدون استحضار الضوابط السلوبية والمدرسية.
شخصية الناقدة تبقى مسيطرة علي لا إراديا لذلك لا يمكنني خلع “جبة الناقدة” وانا بصدد كتابة نصوصي الإبداعية إذ اجدني خاضعة وبكل صرامة لمجموعة من الضوابط الفنية أو لأجهزة الإبداع المتمثلة في الأدوات والآليات التي التزم بها في عملية إنتاج نصوصي الإبداعية والتي تقودني إلى تحقيق ما ابتغيه من أهداف جمالية ان في الشكل او المضمون وهذا من باب الإقتناع بأن العمل الإبداعي ليس اعتباطيا بل هو صادر عن وعي وإدراك ولذا سأبقى استحضر مجموعة من الضوابط التي بها لا يمكن أن اخلع جبة الناقدة الصارمة والحازمة مع ذاتها قبل الآخر
س 6هل تواكب الجامعات الوطنية والعربية الكم الهائل من الكتب الشعرية والقصصية والروائية
انا اشك في أن الجامعات الوطنية والعربية تواكب الكم الهائل من الإصدارات الشعرية والسردية بل نحن نجد اسماء بعينها هي التي تلقى الاهتمام من خلال الإعلام الذي يمثل أداة للدعاية لهم والترويج لأعمالهم في متابعة كلية لإصداراتهم او من خلال بعض رجال الأعمال او، المؤسسات التي تتبناهم ويبقى الأمر رهين الظروف المادية فكم من المبدعين الأفذاذ بقوا مغمورين إلى آخر حياتهم ولم نسمع بهم وتركوا أعمالا رائعة، لقيت الاهتمام بعد موتهم وهذا اشار اليه “علي الدوعاجي” الذي ناله تجاهل المجتمع له ولأصحابه من جماعة
“تحت السور” في قوله المؤثر : عاش يتمنى في عنبة /مات جابولو عنقود/ما يهنى فنان الغلبة كان من تحت اللحود
س 7هل بامكان المؤسسة الجامعية أو بيوت الشعر والرواية تقديم الاضافة ثم هل أضافت الجوائز العربية الكثير أو القليل للمدونة التونسية والعربية تواكب.
مما لا شك فيه أن للمؤسسة الجامعية دورها الحيوي في الإضافة الأكاديمية خاصة لذلك تأتي في المرتبة الأولى ومن بعدها يكون دور بيوت الشعر والرواية ومن هنا تتكامل الأدوار وتتظافر من اجل إثراء الساحة الأدبية والثقافية والإبداعية ومع ذلك فلا بد من توفر المقاييس الموضوعية في إسناد الجوائز المادية والمعنوية لمن يستحقها من المبدعين بعيدا عن المحاباة والولاءات والمحسوبية اذا كان الغرض الإضافة النوعية للمدونة التونسية والعربية فعلا لأننا لاحظنا في الفترة الأخيرة انتشار هذه الظواهر بشكل لافت للإنتباه وهي ظواهر سلبية جدا من شأنها ان ترذل الساحة الأدبية والثقافية والإبداعية بالتشجيع على الابتذال والتفاهة وانعدام الذوق الرفيع والرداءة والعقم الفكري والأدبي والأخلاقي والعفن بكل أنواعه ولذلك أكدت على ضرورة ان تتحلى اللجان القائمة على هذه المؤسسات بالكفاءة في التقييم الموضوعي للمنحزات الإبداعية شعرا ونثر.
8هل تحتاج المدونة العربية النقدية إلى جهاز مفاهيمي خاص بها و مدرسة تعبر عنها أم هل النقد بدون هوية كما يقال ويمكن أن يكون عالمي يتابع المنشور بنفس الأجهزة المفاهيمية هنا وهناك.
طبعا المدونة النقدية العربية في حاجة أكيدة إلى جهاز مفاهيمي يميزها عن باقي المدونات العالمية ولكنها تبقى في مواكبة لكل ما يظهر كل يوم من دراسات نقدية جديدة وفي تفاعل مستمر مع مدارس النقد الأدبي قديمها وحديثها سواء كانت عربية او غربية تنهل منها وتضيف إليها فنحن لا يمكن أن ننكر انه ما ظهر من مسائل نقدية في التراث النقدي العربي كان لخدمة المتلقي او المتقبل القارئ الناقد طبعا الذي جعله النقد الحديث فاعلا يقوم بعملية توليد المعاني من الأثر الإبداعي عن وعي وإدراك ومن هنا تتأسس المرجعيات والمفاهيم الأدبية والنقدية في علاقتها بالنص الأدبي كمنجز إبداعي جمالي له سيميائياته الذوقية في مجازياته التعبيرية وهنا لا بد من التأكيد على ما يمكن أن يمتلكه الناقد من سلطة تقييمية على مفاصل النص الإبداعي عندما يتبلور خطابه النقدي فيما يمتلكه من قدرة على تقديم تصوراته التأويلية عبر منهجه النقدي ليقدم لنا منجزا إبداعيا اخر من صلب نص إبداعي من اي جنس كان ليصبح مثيرا للاهتمام ومن هنا أكد الاستاذ الباحث “توفيق الزيدي” على ما أسماه بضرورة التأصيل لخطاب نقدي له وقعه الإبلاغي بكل ما يتسم به من سجال أو احتجاج او تنديد وقد أثرت في كتابي الجديد “مقاربات نقدية” على ما اسميته بوقع النص الأدبي ومنزلته لا سيما الشعر عند العرب الذين سموا الشعراء “أمراء الكلام” واذا نجد تلازما بين النص الإبداعي والنص النقدي فلحظة النقد هي لحظة انصهار بين المبدع والناقد وتبقى وظيفة النقد ومادته مستمدة اساسا من النص الإبداعي وحينها يتحول النقد إلى إبداع على الإبداع إنه في، علاقة كشف لا متناهية، في السعي الدائم إلى سبر اغوار النص الأدبي وفك شفراته شكلا ومضمونا بنية ومعنى.