كتيبة الأربعين هو اللقب الذي أطلقه المفكر فهمي هويدي على الكتّاب العرب شعراء وروائيين وصحافيين ومثقفين المساهمين في تحرير مقالات الكتاب الداعم للمقاومة والمندد في ذات الوقت بجرائم إسرائيل في حق المدنيين العزل.
هو كتاب صادر حديثا تزامنا مع طوفان الأقصى كانون الأول/ديسمبر 2023 عن دار الفنار بمصر في 254صفحة مواكبة لهذا الحدث الجلل وأبعاده السياسية والعسكرية والإستراتيجية، فقد كان هذا الطوفان مفاجئا لإسرائيل، وقد ظنت أنها أخمدت نفس كل انتفاضة ولهيب كل ثورة، وأنها ماضية في قضم المزيد من الأراضي، وفي بناء المستوطنات الجديدة على حساب الأراضي الفلسطينية بدعم أمريكي مكشوف ،وليس على الفلسطينيين إلا الدخول في متاهة مسار التسوية أو مسار السلام وليس السلام ،وليس كذلك أمام الدول العربية إلا التهافت – تهافت الفراش على النور- على مسار التطبيع من أجل رفاه اقتصادي وهدوء سياسي ودعم أوروأمريكي ، أسوة بمن طبع من الدول العربية، فجاء الطوفان في السابع من تشرين ليوقف هذا المسار وليكشف في الوقت ذاته مخططات إسرائيل المضمرة والمعلنة من أجل تصفية نهائية للقضية الفلسطينية – قطب الرحى ومعقد الوجود للعالمين العربي والإسلامي- وقيام إسرائيل الكبرى بالرغم من كل الترضيات الضمنية للنخب السياسية الفاعلة.
الكتاب شارك في تدبيج مقالاته خمسة وثلاثون كاتبا وكاتبة من سبع دول عربية هي مصر ولبنان والأردن وسوريا والجزائر والمغرب والعراق ويخصص عائد الكتاب لأهل غزة دعما ومناصرة .
قدم للكتاب الكاتبان العربيان فهمي هويدي وعماد الدين خليل وقد أشار فهمي هويدي إلى أن جهد المثقفين هنا في نصرة غزة أشبه شيء بكتيبة الأربعين التي تضم كتابا ومثقفين انضموا إلى جانب أهل غزة وإلى المقاومة في إشارة إلى ضرورة تخندق المثقف العربي مع المقاوم، لأن قضيتهما واحدة وهذا هو الوقت الذي تصبح فيه الكلمة الداعمة للحق إلى جانب المواقف البطولية للمقاومة الفلسطينية ، وقد كتب( ومع ذلك ينبغي أن نحمد لتلك الكتيبة من حملة الأقلام العرب حماسهم النبيل حين اختاروا أن يخترقوا جدار الصمت والحصار، ولم ينتظروا ذيوعا أو منصات للتواصل الاجتماعي ، فقرروا أن يعلنوا على الملأ موقفهم، مؤكدين على أن ما هو عزيز وغال ليس فقط الدم الفلسطيني الذي تتغنى به مقاطع الأغنية ذائعة الصيت، ولكن فلسطين كلها لها مكانتها الراسخة في قلب الأمة وضميرها).
وبدوره أشاد المؤرخ والكاتب عماد الدين خليل بهذا العمل معلنا أن ما تشهده غزة الفلسطينية حالة نادرة لم يكد التاريخ البشري يشهد لها مثيلا من قبل، فهي ملحمة التاريخ كله ،ومن ثمة إنه من أولويات المقاومة العربية والإسلامية الشاملة وقف مسار التطبيع، وإنها لمفارقة كما كتب أن يطرد سفراء إسرائيل في أمريكا اللاتينية بينما تظل الدول العربية متشبثة بالإبقاء على علاقاتها مع قتلة إخواننا في غزة،إن ثقافة الاستخذاء لن تؤدي إلا إلى مزيد من الهزائم ومن النزف والتداعي في كيان الأمة العربية ، ولن يكون ذلك إلا على حساب الموقف الفلسطيني ومن ثمة على الأمة أن تكف عن ثقافة الغرق في عالم الأشياء والبحث عن ضمانات الأمن والاستقرار، فالدم النازف في غزة يجب أن يوقظها من السّبات فما تفتح الأبواب إلا للأيدي المضرجة ،كما يكتب أن المصيدة الكبرى هي في انتظار العقاب الأخير، وهو بذلك يشير إلى عقدة الثمانين التي لازمت دولة الكيان منذ التاريخ القديم وعنها تحدث إيهود باراك ولفيف من السياسيين والمثقفين الإسرائيليين.
إن ما تتعرض له غزة اليوم من إبادة ومذابح وتهجير ينذر بالويل ومفاتيح الخلاص لا تزال بأيدي العرب شرط أن يحسنوا التعامل معها ،فمن أوكد الأولويات في دعم غزة ونصرتها ونصرة الحق الفلسطيني المشروع وقف مسار التطبيع وتكريس ثقافة المقاطعة حسب توصيفه، فالكرامة أهم من البضاعة والدم الفلسطيني النازف في غزة أغلى من كل صفقة، ويختم مقالته بالإشادة بمقالات الكتاب(إن بحوث هذا الكتاب الذي يجده القارئ بين يديه، والذي يدير كاميرته على المشهد من أطرافه كافة ،إنما يعكس هذا كله،ويعكس معه الرؤية الحقيقية لا المزيفة لما تشهده الساحة الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية على السواء.. قد تنطوي هذه الرؤية على شبكة من البقع المعتمة السوداء، ولكنها تنطوي في الوقت ذاته على المساحات البيضاء التي تعد فيه بيوم سوف يقدر فيه للأمة الإسلامية أن تستيقظ من سباتها العميق).
بينما كتب منير لطفي وحاتم سلامة وأحمد المنزلاوي في التقديم الثالث للكتاب أن الكلمة سلاح والكتابة معركة تخدم المجتمع والوطن والدين ،ومعركة تنتصر للحق على الباطل وللخير على الشر وللجمال على القبح ومن منطلق شرف الكلمة وأمانة الكتابة لابد للقلم الحر أن ينتفض إزاء أعدل وأشرف قضية وهي القضية الفلسطينية التي طال أمدها وبحّ صوتها وغار إلى العظم جرحها ولا مجيب!
وهكذا ومن منطلق نصرة القضية والوقوف مع أهل غزة نبتت فكرة الكتاب مادامت المقاومة تكون بالكلمة كما تكون بالسلاح ، وقد كان حجم الاستجابة كبيرا وقد كتبت هذه المقالات تباعا منذ اندلاع طوفان الأقصى في 07تشرين الماضي مواكبة لأحداثه وخلفياته وتحليلا لأبعاد الصراع العربي الإسرائيلي ومآلاته وأطماع إسرائيل المستقبلية في قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية والتنقيب عن الغاز في بحر غزة ومشروع قناة بن غوريون وسياسة التهجير إلى سيناء بالنسبة لسكان غزة وإلى الأردن بالنسبة لسكان الضفة الغربية وصولا إلى تصفية نهائية للقضية الفلسطينية كما تفضح ذلك مخططاتهم الاستعمارية.
فالوعي العربي لازم والوقوف مع القضية العادلة واجب كل عربي وخاصة المثقفين باعتبارهم طليعة الأمة وواجهتها الفكرية وقوتها الناعمة وأصحاب تأثير في الرأي العام – قلّ أو كثر- خاصة ونحن نرى أحرار العالم في الغرب لا يتوانون في نصرة القضية ،فالمسألة كما يقول فتحي الشقاقي (فلسطين نقطة التماس بين تمام الحق وتمام الباطل)، أو بتوصيف فهمي هويدي (قل لي ما موقفك من القضية الفلسطينية، أقل لك ما موقعك من الانتماء الوطني، بل والعربي والإسلامي).
ومن الكتّاب العرب الذين حرّروا مقالات هذا الكتاب الهام والمواكب لطوفان الأقصى: أيمن العتوم، منير لطفي، أحمد المنزلاوي ، حاتم سلامة ، أحمد الحاج ، إبراهيم مشارة ،بلال رامز بكري، محمود الحسن، محمود خليل، أميرة إبراهيم، نهى الرميسي، نور الدين قوطيط ،هشام الحمامي ،يحي سلامة ،وليد الصراف وغيرهم.
ومن المقالات التي تضمنها الكتاب نقرأ العناوين التالية “حلّ الدولتين” ، “العنصرية الصهيونية”، “غزّة والحراك الشعري”،” نهر التطبيع”،”لبيك يا كتائب العزّ”، “ثورة سجن مقلوب”، “القضية الفلسطينية في البرازيل وأمريكا اللّاتينية “،”حرب غزّة حتمية “،”طوفان الأقصى والاعتماد على الذات”، صمودهم وواجباتنا “، “التغريبة “الفلسطينية”، “ملحمة غزّة: الدلالات والرمزية”، “خذلوك فقالوا” ، “رؤية لصناعة النصر”، “محاولات الاستيطان المبكرة في فلسطين”،” المسكوت عنه في العدوان على غزّة”،”الأقصى مهوى الأفئدة والعقول”…
وكما جاء في إحدى المقالات في خاتمة الكتاب فالتّطبيع لن يكون إلا مع فلسطين والقضية الفلسطينية وذلك بإعادة القضية الفلسطينية إلى بؤرة السياسة العربية وإن هذا التطبيع مع فلسطين (سلطة ومقاومة) كان أولى سياسيا وأمنيا واستراتيجيا وحتميا من التطبيع مع إسرائيل.
كتاب مهم ينضاف إلى المكتبة العربية – والفلسطينية خاصة- في دعم حق الشعب الفلسطيني والدعوة إلى سلام عادل وشامل ،يقف مع غزّة شعبا ومقاومة ويفضح الجرائم الإسرائيلية التي أحرجت العالم المتمدن من فرط بربريتها وهمجيتها في مطلع القرن الجديد، ذك أن إسرائيل ظلت تقدم نفسها على أنها الدولة الديمقراطية في الشرق الأوسط والنموذج الأوحد لهذه الديمقراطية، ولكنها مع طوفان الأقصى كشفت عن حجم التناقضات والانقسامات الداخلية ، وعرّت بعض السياسات الرسمية العربية التي لم تتفاعل بالحجم المطلوب فحدث الشرخ بين الموقف الشعبي العربي والموقف الرسمي،كما كشف الطوفان الإجرام والعنصرية والهمجية التي مورست في حق المدنيين العزل من النساء والشيوخ والأطفال وحتى المستشفيات لم تسلم من القصف والتخريب، والأمر كما قال الصحفي وائل الدحدوح (إنهم ينتقمون منا بقتل أطفالنا).
ومن جهة أخرى أكد كتّاب هذه المقالات على واجبات المثقف إزاء أمته وقضاياها وفي الوقوف مع الحق والدفاع عن الإنسان وإدانة العنصرية والإجرام واغتصاب الحقوق المشروعة، وسياسة العنصرية والغطرسة وعقلية الاصطفاء والاستعلاء، وهو موقف يحسب لهؤلاء الكتّاب ،في حين سكت بعضهم وما سمعنا لهم صوتا، وقد ظلوا يشدخون رؤوسنا بصراخهم عن الحرية الفكرية والدولة المدنية وحقوق المرأة وقدموا أنفسهم- لنا وللغرب- على أنهم طواطم أو إيقونات مقدسة فإذا بطوفان الأقصى يكشفهم على حقيقتهم فقد فضلوا المكاسب الشخصية والسمعة والجوائز المحلية والدولية والتموقع داخل أجهزة السلطة على حساب معاناة غزة ومأساتها وعلى حساب الحق الفلسطيني المشروع وقد جاء هذا الطوفان ليكشف العورة ويعري كل نفاق وزيف.