ملحوظة للتاريخ: الثالث والعشرون من شباط عام 2015 كان آخر ومضة شعاع آشوري في وادي الخابور حين غادرته الملائكة مرغمة دون رجعة.
*********
قدموا كالذئاب المسعورة من كثبان الربع الخالي
مدجّجين بآيات القتل والنحر
وسفك الدماء
وبتعاليم زبانية الصحراء
كانت السيوف تتلعلع في أيدهم كبيارق الجحيم
والشهوات تستعر في عيونهم كحرائق الغابات
كلامهم أشبه بأزيز النار في خشب السنديان
تضطرم الأحقاد في عيونهم كالبراكين
رائحة أبدانهم النتنة تزكم أنوف الخنازير
منتعشون بسراب أوهامهم الحلزونية
فتاكون كالصقور الجارحة
تتردد في أنفاسهم حشرجات الموت
أينما وطئت أقدامهم
ينثرون الشؤم والرعب والوجوم
ويستنزفون كل عرق ينبض بالحياة.
بعد أن يمتصوا دماء ضحاياهم
والتهام لحومها
يسبّحون باسم ربهم الغفور التوّاب
ويركعون خشوعاً لإلههم الماكر المقيت
ثم ينشرون الذعر في أفئدة الأطفال
وينجّسون طهارة أمهاتهم العفيفات
ويرغمونهم على استظهار وتطبيق
تعاليم الشيوخ الذين تنزهوا في جنان الخلد
وعادوا ليخبروننا عن الكواعب الفاتنات
وربّ السموات الذي يرتقهن بين حين وآخر
********
حين وطئت أقدام الدواعش تراب وادي الخابور
الطاهر المطهّر
تسربل الصفصاف بالدم
واشتعلت النيران في ذوائب الشجر
وذوت زنابق الأفراح والمسرّات
وتفتقت براعم رمال البيداء
على ضفاف النهر الخالد
وخيّم على ذلك العش الدافئ
وجوم الموت
وغادرت الطيور أعشاشها
إلى المنافي البعيدة
سالكة آفاقاً لم تطرقها الغيوم من قبل
تاركةً وراءها
قبور أحبابها الساطعة كالشموس
وروائح أمهاتها العابقة بالبخور.
*******
عليّ أن أستعير جميع مراثي الأمم
لكي أستطيع أن أندب مآسي شعبي.
*******
أيعلم أحفاد ذئاب الصحراء
بأن ضحاياهم الأبرياء
كانوا بعد الرحيل
يبيتون على فراش الثلج والجمر
يتسربلون بالحزن
كشجرة يابسة في الصحراء
ينتابهم الرعاش والنزيف
يكابدون الويل والثبور
في ليالي الشتات
وفوق رؤوسهم صلبان ملتهبة
تنير لهم الطريق على دروب الموت
يبحثون عن نجمة يتدثرون بها
يحملون تحت ضلوعهم بلاداً أنكرتهم
قبيل صياح الديك
احترقت على شفاههم الأمنيات
يترنحون في كف القدر
لم يبقَ لهم في وطنهم الرافل ببركات الآلهة
سوى وميض الذكريات
ولكن….
على الرغم من انتقالهم ما بين الشوك والنار
لم يساوموا قط على تراب وطنهم المقدّس.
*******
أيها الوطن المتدفق في شرايين القلب
كنت جنّة صغيرة على حافة النهر
عرضها الأرض والسموات
تظللها رموش العشاق الأوفياء
وفي غفلة من الزمن
هبت عاصفة عاتية من الصحراء
واجتاحت واحة الأحلام البرّاقة
تمطّت فوق ذاكرة النهر الحزين
وقضت على كل أشجار الصفصاف
التي كان يرتديها في كل الفصول
وحوّله أولياء الله
إلى بيداء مقفرة
محاطة بأسلاك الرعب والهلع
ولكن….
ولو بعد آلاف الأعوام الشمسية
نهر الخابور
سينبثق من بين الأحجار والصخور
هادراً كالبرق والرعد…. ووابل الأمطار.
*******
رحلوا… مجبرين
وقبل أن يغادروا
شربوا نخب الأشجار الواقفة بألم وانكسار
قبل أن يذرعوا خارطة القرى المهجورة
ويخرجوا من ذاكرة الوطن المنكوب
تلوح من خلال الدموع الأبواب المغلقة
والصور الطافحة بالذكريات.
*******
حين غادرت أسراب السنونو أعشاشها
كأنها الأنوار تشق عباب الغيم
كان يراقبها الله من شرفته الأزلية
ويرسم خلفها شارة الخلاص
يباركها باسم ألق الأمواج
ويشد وثاق الذئاب بأوتاد الأرض
لتحيا الأرض مخضبة بأريج الينابيع
أيها البلهاء!….
يأتي زمنٌ تزهر فيه دماء الشعراء
على الأرض… وفي السماء.
******
الفقر رغيف يتقاسمه البؤساء.
******
متى سيؤوب المشردون من المنافي
إلى مواطنهم التليدة
لينثروا مناديل أشواقهم
فوق غصون الغمام
ويزيحوا الرماد عن الجمر
لتومض ياقونة الحلم
وتنير ليالي العذاب.
أترى سيعلم أحفاد ذئاب الصحراء يوماً
بأن ابتداءهم كان من أثافي الجاهلية
وانتهاءهم إلى أقبية الجحيم.
*******
إنهم أشبه بلوافح النيران
تأتي على الأخضر واليابس.
*******
يا قوم!….
الأهم من الصوم والصلاة
تطهير القلوب من الحقد والبغضاء
وممارسة الدجل والنفاق
والعيش بمحبة ووفاق
بين جميع أبناء الحياة
يومذاك…
ستكون أبواب الجنّة مشرعة على مصاريعها
أمام كل البشر بدون استثناء
وسيرى الجميع الله واقفاً
متكتفاً
يتأملهم بانشراح
من بعيد.
*******
التهجير المقيت
لم يبلغ نهايته بعد.
*******
سدني- استراليا