
لا يعرف محمد ابن أبي جمال السبب الذي من أجله ناداه راعي الحفل الخيري، وأخذه بعيدا عن أعين الناس وآذانهم، ولكنه رأى في عينيه، وعلى وجهه علامات حمراء من الانزعاج وعدم الرضا، وهو يجره من عبه وردن قميصه الغضب.
– اسمع، نعم، أنت استوفيت شروط حضور الحفلة كلها، لكني لن أسمح لك بتغيير النظام العالمي في ربط زر جاكيت البدلة، فاهم؟!
محمد ابن جمال بحيرة واستغراب وتعجب: على راسي، لكن ما به زر الجاكيت، هو مربوط وملتزم بمكانه!؟
– بلا تخوث، فك الزر الثاني واربط الزر الأول، ولا تضيّع وقتي!
وعلى مضض، فك محمد ابن أبي جمال زر الجاكيت الثاني، وربط الأول، ومشى إلى حيث الحفل، وعيناه تتأملان أزرار الجاكيتات المربوطة والمفكوكة. وراقب الأصابع الكثيرة، وهي تفك الأزرار بخفة ورشاقة حينا وتربطها حينا، وأن بعضها قد ربط الأزرار الأولى، وتركها مربوطة.
‘ هؤلاء نسوا عن غير قصد الربط الصحيح لأزرار جاكيتاتهم، وهذا مخالف للنظام العالمي في ربط زر الجاكيت.
“عليّ التحرك فورا لتنبيههم على خطيئتهم”
مشى محمد ابن أبي جمال في الصالة محذرا ونذيرا ومنبها وناصحا، ولكن الرجال الذين التقاهم ونصحهم ونبههم وحذرهم لم يستجيبوا لطلبه، وإنما اكتفوا برسم ابتسامات باهتة ساخرة على وجوههم وشفاههم، وتحسس أزرار جاكيتاتهم للاطمئنان عليها، وعلى ثباتها في أماكنها. فأسرع محمد ابن أبي جمال إلى عريف الحفل، وشكا له الرجال ذوي الجاكيتات المربوطة الزر الأول بمخالفتهم النظام العالمي لربط أزرار الجاكيت، الذين يعيثون في الحفل فسادا، لكن عريف الحفل أمسك محمد ابن ابي جمال من قميصه، وشده إليه بقوة، وقال له بغضب: “خليك بحالك، وانتبه على زر جاكيتك، ويعطيك العافية”.
ابتلع محمد ابن أبي جمال حيرته واستغرابه من كلام عريف الحفل، ورمى عينيه بعيدا عن الأزرار المربوطة والمفكوكة، وقرر أن يكون وسطيا، فمشى في الصالة يفك الزر الأول ويربط الثاني حينا، ويفك الزر الثاني ويربط الأول حينا، والنساء والرجال كلهم الذين كانوا في الصالة ينظرون باستغراب إلى محمد ابن أبي جمال، الذي تاهت أصابعه بين زرين، حتى شده ابنه من ردنه، وقال له برجاء وبصوت مسروق مقهور: بابا، اربط الزر الثاني!
محمد ابن أبي جمال بغضب وقهر: “ليش أنا الوحيد اللي لازم يربط الزر الثاني، ليش؟”.
– بابا، بدلتك بزرين، وبدلاتهم بثلاثة أزرار!”