الفصل تجدونه في مركز تحميل بصرياثا
– إليكم القصة…
قال ” فريد سكران ” ثم راح يبذل المزيد من الجهد، لكي يقرأ قصته بالشكل الملائم لمستمعيه الأربعة الذين جلسوا حول المنضدة. تجشأ كثيراً بطريقة مزعجة، ثم راح يقرأ :
” في شارع من شوارع البصرة بعد خرابها الأخير، وعند زاوية تتجمع فيها النفايات والأوساخ، أبلغ أحد المتسولين عن وجود جثة متحللة بشكل صار من الصعب على القوات البريطانية التعرف على صاحبها. “
توقف ” فريد ” عن القراءة ليرى فيما إذا كان هناك ردة فعل بدرت من أصدقائه، فلاحظ الشيء نفسه الذي كان يستشفه في جلسات سابقة، من خلال ملامحهم المتجهمة وتبادل النظرات التي لم يسمح يوماً ما بأن تُحبطه، كونها تدلّ على عدم رغبتهم في الاستماع إليه وهو يمضي في سرد قصته. فقال بصوت عالٍ يريد منه الدلالة على أن ثمة أشياء مهمة يريد سردها عليهم :
” كانت تلك أول جريمة من نوعها التي تحدث في البصرة بعد دخول القوات البريطانية التي أخذت على عاتقها القيام بمهام الشرطة المحلية التي أُعدم وجودها حينذاك. ولما كان لزاماً عليهم التحقيق في الأمر، فقد أُوكلت القضية إلى محقق جيء به من لندن يُدعى ” بيتر ” الملقّب بـ ” هولمز ” كونه يتمتع بحنكة ومهارة كبيرتين في الكشف عن الجرائم. ”
” كان السيد ” بيتر ” هذا تحرياً بارعاً أُحيل على التقاعد في الفترة الأخيرة. إلا أن الحكومة ارتأت إرساله مع مجموعة من ذوي الخبرة بصحبة الجيش البريطاني إلى العراق، لأجل المساعدة في حل المشاكل والتحقيق في الجرائم التي توقّع القادة حدوثها بعد الاحتلال. فباشر المحقق عمله، وبدا متحمساً وهو يحقق في هذه الجريمة، ويبدأ أولى خطواته من الجثة المتفسخة التي تشوهت ملامحها بشكل مقزز، فراح يفتّش في جيوب الضحية، لعلّه يعثر على شيء يكشف هويته على الأقل، إلى أن عثر على أشياء عديدة من بينها رسالة خطية مرسلة من دار نشر عربية في ألمانيا، تعتذر فيها عن نشر كتاب أرسله الضحية بالبريد العادي. وثمة دفتر جيب دوّن فيه رؤوس أقلام وتخطيطات غريبة بالحبر الجاف الأسود، وأقوال فلاسفة ومفكرين وكتاب من جنسيات مختلفة. ”
” لقد تفحص السيد ” بيتر ” تلك الأشياء بدقة، قبل أن يتوصل إلى نتيجة مفادها أن الضحية كان كاتباً، كما يبدو ذلك من رسالة الاعتذار المرسلة من قبل دار الجمل، وبقية الأشياء التي تساءل المحقق عما إذا كان المرء مجبراً على حملها في حال أنه ليس مهتماً بالأدب.
في كل الأحوال، كان اكتشافه هذا دافعاً مشجعاً جعله يتفاءل بما سيتمخض عن بحثه المشوب بالخطورة، إذ أن المكان والظرف الراهن لا يتوافقان مع مزاجه كمحقق، خصوصاً أن تعقب المتهمين في البصرة يختلف عما هو عليه الحال في لندن التي اشتُهر فيها كمحقق ذكيّ وبارع، طالما تمتع باسمٍ لامع في عالم التحريات الجنائية، لكنه مع ذلك يرغب في خوض غمار هذه التجربة، وازداد اهتمامه بالأمر حين علم أن هذه هي الجريمة الأولى التي تحدث في البصرة بعد أيام من الهدوء الذي أعقب دخول القوات البريطانية وأعمال النهب. ”
” في اليوم التالي، فكّر السيد ” بيتر ” بالذهاب إلى المكان الذي يلتقي فيه أدباء المدينة، لعلّه يحصل على بعض المعلومات، منها المكان الذي يسكن فيه المجني عليه، ومعرفة ما إذا كان له أعداء أو خصومات مع أشخاص في الوسط الأدبي. وما أن اقتنع بالفكرة حتى طلب المساعدة من الجيش، فخصص له آمر الثكنة التي يقيم فيها، في أحد القصور الرئاسية المشرفة على الشطّ، دورية عسكرية مؤلفة من عشرة جنود وضابط وثلاث عجلات ومترجم عراقي. “
– إليكم القصة…
قال ” فريد سكران ” ثم راح يبذل المزيد من الجهد، لكي يقرأ قصته بالشكل الملائم لمستمعيه الأربعة الذين جلسوا حول المنضدة. تجشأ كثيراً بطريقة مزعجة، ثم راح يقرأ :
” في شارع من شوارع البصرة بعد خرابها الأخير، وعند زاوية تتجمع فيها النفايات والأوساخ، أبلغ أحد المتسولين عن وجود جثة متحللة بشكل صار من الصعب على القوات البريطانية التعرف على صاحبها. “
توقف ” فريد ” عن القراءة ليرى فيما إذا كان هناك ردة فعل بدرت من أصدقائه، فلاحظ الشيء نفسه الذي كان يستشفه في جلسات سابقة، من خلال ملامحهم المتجهمة وتبادل النظرات التي لم يسمح يوماً ما بأن تُحبطه، كونها تدلّ على عدم رغبتهم في الاستماع إليه وهو يمضي في سرد قصته. فقال بصوت عالٍ يريد منه الدلالة على أن ثمة أشياء مهمة يريد سردها عليهم :
” كانت تلك أول جريمة من نوعها التي تحدث في البصرة بعد دخول القوات البريطانية التي أخذت على عاتقها القيام بمهام الشرطة المحلية التي أُعدم وجودها حينذاك. ولما كان لزاماً عليهم التحقيق في الأمر، فقد أُوكلت القضية إلى محقق جيء به من لندن يُدعى ” بيتر ” الملقّب بـ ” هولمز ” كونه يتمتع بحنكة ومهارة كبيرتين في الكشف عن الجرائم. ”
” كان السيد ” بيتر ” هذا تحرياً بارعاً أُحيل على التقاعد في الفترة الأخيرة. إلا أن الحكومة ارتأت إرساله مع مجموعة من ذوي الخبرة بصحبة الجيش البريطاني إلى العراق، لأجل المساعدة في حل المشاكل والتحقيق في الجرائم التي توقّع القادة حدوثها بعد الاحتلال. فباشر المحقق عمله، وبدا متحمساً وهو يحقق في هذه الجريمة، ويبدأ أولى خطواته من الجثة المتفسخة التي تشوهت ملامحها بشكل مقزز، فراح يفتّش في جيوب الضحية، لعلّه يعثر على شيء يكشف هويته على الأقل، إلى أن عثر على أشياء عديدة من بينها رسالة خطية مرسلة من دار نشر عربية في ألمانيا، تعتذر فيها عن نشر كتاب أرسله الضحية بالبريد العادي. وثمة دفتر جيب دوّن فيه رؤوس أقلام وتخطيطات غريبة بالحبر الجاف الأسود، وأقوال فلاسفة ومفكرين وكتاب من جنسيات مختلفة. ”
” لقد تفحص السيد ” بيتر ” تلك الأشياء بدقة، قبل أن يتوصل إلى نتيجة مفادها أن الضحية كان كاتباً، كما يبدو ذلك من رسالة الاعتذار المرسلة من قبل دار الجمل، وبقية الأشياء التي تساءل المحقق عما إذا كان المرء مجبراً على حملها في حال أنه ليس مهتماً بالأدب.
في كل الأحوال، كان اكتشافه هذا دافعاً مشجعاً جعله يتفاءل بما سيتمخض عن بحثه المشوب بالخطورة، إذ أن المكان والظرف الراهن لا يتوافقان مع مزاجه كمحقق، خصوصاً أن تعقب المتهمين في البصرة يختلف عما هو عليه الحال في لندن التي اشتُهر فيها كمحقق ذكيّ وبارع، طالما تمتع باسمٍ لامع في عالم التحريات الجنائية، لكنه مع ذلك يرغب في خوض غمار هذه التجربة، وازداد اهتمامه بالأمر حين علم أن هذه هي الجريمة الأولى التي تحدث في البصرة بعد أيام من الهدوء الذي أعقب دخول القوات البريطانية وأعمال النهب. ”
” في اليوم التالي، فكّر السيد ” بيتر ” بالذهاب إلى المكان الذي يلتقي فيه أدباء المدينة، لعلّه يحصل على بعض المعلومات، منها المكان الذي يسكن فيه المجني عليه، ومعرفة ما إذا كان له أعداء أو خصومات مع أشخاص في الوسط الأدبي. وما أن اقتنع بالفكرة حتى طلب المساعدة من الجيش، فخصص له آمر الثكنة التي يقيم فيها، في أحد القصور الرئاسية المشرفة على الشطّ، دورية عسكرية مؤلفة من عشرة جنود وضابط وثلاث عجلات ومترجم عراقي. “