(مهداة إلى الأديبة والمحاورة الرائعة الصديقة عزيزة رحموني
التي نشرت موضوعا عن الكتابة أوحى لي بهذا الموضوع)
تعالوا نكتب فهناك من ينتظرنا.
من يريد أن يقرأ عنا، أن يعرفنا.
أن يسمع أساطيرنا
ونكاتنا وأصوات ضحكاتنا
ونشيج بكائنا
جدنا وهزلنا
وكل حقائقنا، وكل شيء عنا.
تعالوا نكتب
فهناك من يأمل أن نترك له شيئا يدله علينا
فقد عرفنا آباءنا الأقدمون مما تركوه لنا مكتوبا؛ فدلنا عليهم.
تعالوا نكتب
فهناك في الزمن الآتي من يحب أن يجد ما يذكره بنا، ما يدله علينا، ويذكر له مآثرنا، بطولاتنا، هزائمنا، حزننا، فرحنا، حكمتنا وحمقنا.
هناك في الزمن الآتي من يريد أن يعرف كيف كنا نفكر .. نعمل .. نلبس .. نعيش .. نتعامل، نتحارب، نتصاحب، نكره، نحب.
لا تقل لي: إن الكتابة بطر وترف فكري لا يشبع من جوع.
لا تقل لي: إن سوق الكتاب كاسد، والكاتب أفقر من شحاذ.!
ولا تقل لي: ليس هناك من يقلب الكتب ليعرف مضمونها؛ بعد أن شغلته الدنيا بهمومها.
لأني سأقول لك: وماذا أراد الإنسان البدائي الأول الذي لم يكن يعرف الترف والبطر حينما ترك رسومه وكتاباته وآثاره على جدران كهوف منسية، لتصل إلينا بعد حفنة آلاف من السنين، فتدلنا عليه؟
هل كان يأمل أن يبيعها ويتربح بها؟
ماذا أراد المتحضر السومري والبابلي حينما أصر على كتابة أفكاره وقوانينه مستخدما ألواح الطين بدل الورق، ومسامير الحديد بدل الأقلام، متحملا عناء رسم تلك الصور التي دلتنا على تاريخه بعد آلاف السنين من وجوده؟
هل كان يكتب ليفتخر أو ليبيع ما يسطر؟
إن الكتابة يا سيدي هي محاولة لتمجيد الذات، ذات الفرد وذات الأمة، بل وذات الإنسانية جمعاء، فمن منا يكره ذاته؟!.
الكتابة تخليد للعمل الذي أنجزناه سوية عبر عمرنا.
الكتابة وسيلتنا التي نخاطب بها أنفسنا؛ والقادمون من بعدنا.
هي خامتنا التي نرسم عليها واقعنا، لكي تأتي الأجيال بعد ألف عام وعام فتعرف ماذا كنا نعمل، وماذا كنا نريد أن نكون، وإلى أين وصلنا، ولماذا، فتأخذ العظة.
إن الكتابة يا سيدي المعترض تختزل كل القرون بأسطر معدودات وتضعها بيد من يبحث عن خفايا وأسرار وطقوس تلك القرون.
والكتابة هي ديمومة الحياة.
وهي الآصرة التي تربط الماضي بالمستقبل لتؤكد وحدة الوجود.
وعلينا أن نكتب لكي نديم التواصل مع التاريخ القادم.
فكتابتنا هي التي ستوصل لهم تراثنا وتراث من سبقنا.
فنعود بنظرهم أحياء بعد موت طويل
وتكتمل سلسلة الوجود