عبد السادة البصري :
ــ اليوم الاول …في البصرة ::ــ
ـــ عبد …خذ ابنتك الى الطبيب غدا ،فهي مريضة جداً.
ـــ صار …بعد عودتي من العمل صباحاً سآخذها الى المستشفى .
كانت الشمس تميل الى الغروب لتعانق خط الأفق في تلك الساعة ، وانا أحمل متاعي ذاهباً الى عملي في شركة البتروكيمياويات اذ كنت أعمل بصفة مؤقتة وبنظام المناوبة ( يومين نهارا ويومين ليلا)…في ذلك اليوم الموافق 1992/5/26 كانت منوبتي ليلا.. اخبرتني زوجتي قبل خروجي من البيت ان ابنتي الكبرى ( ايناس) مريضة جدا ويجب ان آخذها الى المستشفى عند عودتي من الدوام صباحا .
خرجت من البيت الى مكان انتظار سيارة الشركة ..وصلت الى الشركة فقمت بتبديل ملابسي المدنية بملابس العمل ، صعدت الى الكابسات ( كوني اعمل بصفة مؤقتة ــ مشغل ــ في معمل البوليمرات واطئة الكثافة بأجر يومي )..بعد مرور نصف ساعة على بدأ العمل سمعتهم ينادون علي بجهاز مكبر الصوت ان مدير المعمل يريدني حالا ، استغربت ساعتها من حضور مدير المعمل لانه يداوم فقط في الصباح ولغاية الظهر ولم يأت الى الدوام ليلا الا في الحالات الضرورية..نزلت من الكابسات وذهبت الى غرفة السيطرة فوجدت مدير المعمل واقفا بانتظاري ــ كان في وقتها مهندسا كرديا اسمه نصر الدين قادر ــ سلمت عليه ، فرد السلام قائلا ::ــ
ــ المدير العام يريدك الان ..!!!!!
ــ ماذا يريد مني المدير العام ياأستاذ ؟؟؟!!!
ــ لا أعرف هو اتصل بي قبل قليل وطلبك بالاسم ..!!!!
ــ ماكو مشكلة ..فقط ابدل ملابسي واذهب معك .
ذهبت الى غرفة الاستراحة لتبديل ملابسي فسمعتهم ينادون علي مرة اخرى ..لبست ملابسي على عجل وعدت الى غرفة السيطرة لأجد المدير العام واقفا بانتظاري ..لم أكن قد التقيته من قبل ولم اعرفه حينها غير ان مدير المعمل ( استاذ نصر ) قدمني له قائلا ::ــ هذا عبدالسادة البصري …
واكمل …استاذ علي ــ المدير العام كان اسمه علي النعمة ــ جاء بنفسه عليك ، اعتقد ان هناك مهرجانا شعريا كبيرا ..اطلب منهم مبلغا جيدا كمكافأة ..
سلمت على المدير العام فرد علي السلام قائلا ::ــ انت عبدالسادة البصري ، جماعة جاءوا عليك ، اعتقد يريدونك لمهرجان شعري او ماشابه ذلك ..
ــ استاذ وينهم ؟؟؟
ــ في مكتبي ..تعال معي لتتفاهم معهم .
ــ استاذ يامهرجان بهذي الساعة ؟؟!!
ــ والله ما أعرف ..تعال وياي وشوفهم …
ركبت السيارة مع المدير العام ( كان يسوقها بنفسه ) وصلنا الى الدائرة الادارية فنزلنا الى غرفة المكتب ..دخل امامي قائلا ::ــ هذا عبدالسادة البصري..
عند دخولي رأيت ثلاثة اشخاص ، سلمت عليهم فقاموا مرحبين بي ..
ــ أهلا استاذ عبدالسادة …ممكن تجي ويانه ؟؟!!
ــ وين اروح وياكم ؟؟!!!
ــ اكو مهرجان والاستاذ طلبك بالاسم ..
ـــ اي مهرجان ؟؟!!… وأي استاذ .؟؟؟!!
ــ انت تعال ويانه وتعرف بنفسك كل شيء .
ــ والدوام ؟؟؟!!
ــ نحن نعيدك بعد ماتتفاهم ويه الاستاذ .
ذهبت معهم الى سيارتهم ( كانت نوع سلبرتي بيضاء اللون )، صعد احدهم في الامام واخر في الخلف ثم طلبوا مني الصعود ليصعد الثالث الى جانبي ــ وضعوني بينهم ــ بدأوا يسألونني عن الشعر وماذا اكتب …قلت انا اكتب قصيدة نثر ..سألوني هل اكتب الشعر الشعبي ..أجبتهم احيانا ..ثم سألوني عن اسماء بعض اصدقائي الشعراء ..هل تعرف فلان وفلان وفلان …اجبتهم ،نعم اعرفهم انهم اصدقائي شعراء ايضا ..سارت بنا السيارة من الشركة وحتى الطويسة حيث استدار السائق باتجاه دائرة المخابلاات في البصرة والتي تقع قرب النهر تماما …في السيارة وعندما كانوا يتحدثون معي ويعطونني سجائر لأدخن اصابني بعض القلق والخوف من مجهول لا أعرفه كوني لم أرتح لهم ولحديثهم ولكن ماباليد حيلة سوى الرضوخ لمطاليبهم والسير معهم.. وصلنا الى الطويسة وحينما دارت السيارة باتجاه دائرة المخابرات سألتهم ::ــ
ــ شنو المهرجان بالمخابرات ؟؟!!!..اجابوني ..
ــ لا ..ولكن الاستاذ موجود هنا ..يشوفك ويتفاهم وياك عالمهرجان ونرجعك الى الشركة !!!!
دخلت السيارة الى الدائرة فتوقفت قرب باب حديدي كبير ..فتح الباب فخرج منه شخص ضخم الجثة يرتدي ملابس رياضية ( تراكسوت )..فتح باب السيارة فنزلنا جميعا قالوا له ::ــ خذ الاستاذ يمك …..اجاب قائلا::ــ اهلا وسهلا ,,تفضل …
ــ اين اتفضل ؟؟!!
ــ من هنا ..واشار الى الباب الحديدي ….دخلت من الباب فوجدت قاعة كبيرة ذات ضوء خافت تؤدي الى ابواب حديدية ( قضبان )…. اوقفني قائلا اعطني ماعندك … لحظة دخولي هذه شاهدت صديقي وزميلي الناقد عبدالغفار العطوي خارجا من المرافق الصحية وبيده قنينة ماء …ناديته ..فلم يرد علي ولاحتى التفت صوبي…. استغربت من وضعه ..واخذتني صفنة ما انتبهت على صوت الرجل اعطني مابجيبك…قلت ::ــ دفتر الخدمة العسكرية وفلوس ….قال ::ــ نعم اعطني اياها وادخل في هذا الباب …اخذها مني ووضعها في كيس نايلون وادخلني من باب حديدي ( قضبان ) يفضي الى دهليز شبه مظلم فيه ابواب على الحائط الجانبي (قضبان ) تفضي الى غرف صغيرة جدا لاتسع اكثر من شخصين ..رايت في احداها شخصا جالسا يئن ..وفي ممر الدهليو شابا جالسا القرفصاء وواضعا رأسه بين ركبتيه….سلمت عليهم فلم اسمع سوى الهمس ….جلست على الارض اتحدث مع نفسي قائلا::ــ اي مهرجان ؟؟!!..اي استاذ ؟؟؟!! ليش جابوني الى هنا وقالوا مهرجان شعري ..زين انا شنو علاقتي بمهرجانهم شنو القضية ؟؟؟؟؟؟؟!!!
—–
هذا جزء من رواية يقدم على كتابتها الصديق عبد السادة البصري..