عبد الرزاق الصغير :
طيري
طيري أيتها الغربان
ارحلي يا ليالي الشتاء
نفضي زغب فراخك أيتها النسور
وارحلي أيتها الأشباح من روحي
يا شياطين الشعر
يا خطوط الغبش
تنحي من على بتلاتي البيضاء
.. … .. … .. … .. … .. …
الماء ، السماء ، الليل ، نهد الزنجية ، المخيم ، الدهليز الواقف يحدق فيا في وجه المرآة الناصع موقوف ، واقف أتزيا من نبضتين من نيف وقرنين حائرا بين مشط وكتلة عاج غير مشكلة ، وفرشات وشعرة متمردة ، أبحث عن ما أزيل به الغبار المتراكم في تجاعيد الحذاء . ابحث عن الصفحات المفقودة من كتاب ، أنظر في المرآة أجذب شفتي السفلى إلى الأسفل والعليا الى الأعلى لأ صحح الخطء الوارد في أسناني ، أعيد الشعرة النافرة ، أحدق مليا في بياض عيني الزنجية المالئ خلفية اللوحة . في بياض قميصي المجعد ، أدقق في ياقته وأكمامه أتذكر السروال المنكمش ، والكلمة النافرة ترى أين تكمن الآن … ؟ آه التجاعيد مودة هذا العام … القصيدة لا زالت ناقصة . النجمة ، الزهرة ، المرأة ، الحمامة ، الكلمة الأخيرة في الشطر الأخير لازالت مفقودة ، القصيدة إذن ناقصة شبه غائبة … … …
الماء ، الخد ، شعر الزنجية المجعد الطويل ، القوام نخلة المساء الداخل في بؤبؤ جميل ، وجهي أين المرآة ؟
لقد تأخرت ، تأخرت وجسدي تملئه شهوة الخروج من سبل طاغور المتربة ، وأسواق البياتي الفقيرة المعدمة ..
تطفح من كل ثقوبي شهوة الأبواب ، ملمس مناديل نزار الحريرية المطرزة ووسائد القطيفة المبعثرة ، قمصان الحرير البيضاء المقبلة على الحلمات ترضعها تلعقها تمصها ، تتحمل شقاوتها الطفولية ، ضحكاتها العالية فرفشاتها وزعيقها المبكر المندلق على كل شيء حتى فناجين القهوة والكؤوس المذهبة والعادية والفارغة إلا من الغبار … بغتتا تحملني من الفراش عاريا الى المكتب تاركا حبيبتي تئن كلمة تتبخر ما بين الورقة والقلم …
الماء …
فجأة أفتح الباب فراغ يصعقني يفتتني ينثرني
أين المدينة ..؟
فراغ من الماء للماء
كمياء الأريحية ، الطمأنينة ، الأيمان ، السكينة
الملح
السكر
الحمامة البيضاء
هل البياض
بياض الورقة
البرد سكينة ؟
أين المدينة شجرة الدردار ؟
نفذ النهار وها هو أبي يسحب طرف الخيط الفارغ من الحلم الزهري ، الضوء البرتقالي يخترق هيكل الكرمة الفارغ من الحياة …
نول أمي ، أصيص الأزهار ، قصعة أمي فارغة . الساعة فضاء من الأرقام ومؤشر الزمن مشنوق في الساحة تأرجحه بنات الريح في معزل…
السنبلة ، مشبك الأوراق ، الإبرة شاغرة ، بطن المريض مفتوح ، الطبيب الجراح يتحدث في التلفون …….
البيدر ، المخزن ، مشبك الشعر ، الملقط ، المقص ، الورق الأبيض ، المهد ، اللحد ـ سروال الطبيب ، الكمبيوتر الأزرق ، كناش بنيتي الوردي وقلمي الحبر السماوي …………………..
حمالة الممرضة البيضاء يعتمرها الجبل ، الإقامة الصعود أو النزول في هذا الجو مستحيل …
أبل الخيط . أحداق حبيبتي ، البيت ، الليل ، مكر اللحظة أن تزعم قراءة البياض المزدحم بالصراخ والعواء المنبعث من بين أشجار حياتك التي تأكلها العفونة والبياض الممرغ في والموت المتقدم خطوتان خطوة يجني الخطيئة والإحسان ، الآثام والصلاة التي لا ترتفع قيد أنملة … الساقطة في مغارات الألم الإنساني المتوهج دائما في زرقة الخزامة المركبة في شامات وعيون الأورسيات المشكلة رغباتهن قناديل في شجر الخوخ الجبلي نفس الخزامة التي تغلف السماء مطروحة بين الشواهد على قبور الأحبة …
تملئ المزهرية الخزامية الفضاء على طاولة غلافها أبيض بين حبيبين طال البين بينهما
عادتا في ما سلف لا ينادي الحبيب حبيبته باسمها يا …
إني آسف يا حدقتي وحديقتي يا نور عيني إني موغلا في براري البياض لأرى أين يتسرب الحبر وتتجمهر القصائد …
نفس الخزامة هنا أيضا تملئ الشاشات والملفات وجميع المخطوطات وكل فضاءات الصبح الطاغية والمتناهية الضيق … سيقولون سيظهر عبد الرزاق أمام باب الجامع العتيق ، في حي المجزرة سابقا ، في طريق بسكرة ، وها أنا عند قبر أبي…
آه يا أبي ما مدى عشقك لهذه النبتة الزرقاء . علمتني عشق الشاي الأخضر الممزوج بالصمغ وآية الكرسي ، وسورة الملك وها أنا متكئ بجانبك على التراب متوسد حزمة الخزامة يملئ بصري الفضاء الخزامي اللون تقرأ علي وأنت الميت سورة التوبة وطاه والسجدة والأحزاب
ولكن لما تضحك يا أبي ؟ آه نعم جوربي قميصي سغبي يحمل مذاق ولون الخزامة .هل هذا هو الفرح؟ هل مذاق الفرح هكذا حاد المرارة ، الغول ، الليل ، الجوع ، أشجار القيظ ، أسراب التحرق ، الوله ، الوحشة سعادة …………………………………………
—