مع نهاية عام 2015، اوالذي شهدت ساحتهُ الأدبيّة المَحَليّة حراكًا أدبيًّا مُلفتًا،كان لي هذا الحوار مع الشاعر علي هيبي؛ الناطق الرسمي لاتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين، وتناول قضايا حساسة ومصيرية في المشهد الثقافي المحلي!
*ما هي الدّواعي لتأسيس اتّحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيّين، خاصّة، وأنّ هناك اتحاد الكتّاب العرب الفلسطينيّين- 48 ؟
نعم هذا صحيح، في البداية ذهبنا سعيد نفّاع وأنا، بنِيّةٍ صافية وقلب سليم ومفتوح وعقل ينظر إلى مستقبل حركتنا الأدبيّة الفلسطينيّة المحليّة، بما يَتناسب مع حجمنا النوعيّ والكَميّ، آخذين بالاعتبار مكانة الأديب المحليّ الذي ليس له أحدٌ يَرعاه، وليس له أيّ تنظيم جامع وشامل. شاركنا في اجتماع عُقدَ في قاعة لبلديّة شفاعمرو، بتاريخ 29-3-2014، عشيّة يوم الأرض، حضره حوالي أربعين أديبًا، رُبعُهم ليسوا أعضاء في اتّحاد الكتّاب، بل جاؤوا ليرَوْا كيف تدور الأمور وكيف تُدار، وقفنا أمام الحاضرين وشرحنا أنا وسعيد رؤيتنا لبناء الاتّحاد وتنظيمه، من خلال العمل وفقًا لدستور ديمقراطيّ، يبيّنُ النظامّ الداخليّ والهيئاتِ المختلفةَ ومَن يَشغلها على أساس الانتخاب الديمقراطيّ، ولكنّ الأخوة في اتّحاد الكتّاب، وبعد اجتماعيْن في دار الأسوار في عكّا، ووضع مسوّدة الدستور والنشاط لضمّ أدباء من منطقة المثلّث، وقد انعقد اللقاء معهم في عرعرة في بيت الأستاذ مفيد صيداوي، كلّ ذلك كان نشاطًا منّي ومن سعيد، ولم نكن عضويْن في ذلك الاتّحاد، ورأينا أنّ اختلافًا في الرؤى حولَ كثيرٍ من الأمور التنظيميّةِ وغيرها بدا واضحًا للعيان، هذا واحد، أمّا الأمر الآخر فهو أنّ اتّحاد الكتّاب، والذي حصل على رئاسته الأخ سامي مهنّا، ولا أحدَ يَدري كيف حدث ذلك، لم يكن ملموسًا في أيّة نشاطاتٍ أو فعاليّاتٍ، ولم يَتركْ أيّ أثر في الميدان الأدبيّ أو الشعبيّ أو الاجتماعيّ، ولا حتّى في المدارس والمؤسّسات. لذلك استنتجنا بعد التشاور مع عددٍ كبيرٍ من الأدباء، مِن ذوي الباع في الساحة الأدبيّة المَحليّة ومن كافّة المناطق، أنّه لا بدّ من تأسيس اتّحادِ أدباء شامل يليقُ بنا، ويتعدّى كافّة المَضامين والأشكال الفئويّة والشخصيّة، له رؤية وتطلعّات وأهداف سامية، ونشاطات يستفيد منها الأديبُ والأدبُ والشرائحُ الاجتماعيّة، وخاصّة طلّاب المدارس، اتّحاد ينخرط بهموم الناس وقضاياهم اليوميّة والقوميّة، ولا يكون النجاح بذلك، إلّا من خلال مؤتمر مُستقلّ ديمقراطيّ وشفّاف، يَكفلُ اشتراكَ جميع الأدباء، وعلى قدر واحد من المساواة والحريّة والمسؤوليّة، وقد نجحنا بفضل مجموعةٍ من الأدباء المبادرين، بالتحضير للمؤتمر وعقده ونجاحه، وكان ذلك بتاريخ 19-6-2014، في قاعة نادي حيفا الثقافيّ. وبدأنا العملَ والنشاط منذ اليوم الأوّل، وما زلنا نحاول ونُحسّن من أدائنا، وهناك الكثير من الشواهد الملموسة.
*تأسيس اتّحاد الكرمل كجسم جديد مع وجود اتّحاد آخر للكتّاب، ألا يخلق شيئَا من الشرذمة وتبديد الإمكانيّات والقدرات؟ أليس لتوحيدهما في اتّحاد واحد أفضليّة وفائدة؟
لهذا الموضوع شقّان، وقد يكون الطرح صحيحًا من الناحية المبدئيّة المجرّدة، وأنا أقصد فكرة التوحيد، هذا لو كان الاختلاف بين فريقيْن في التفاصيل، ولكن عندما يكون الاختلاف في الرؤى والأفكار والمضامين والنهج في العمل، فإنّ التوحيد المبتذل والشكليّ لا يؤدّي إلى نتائج محمودة، ولا إلى ثمار طيّبة، وقد يؤدّي إلى شقاق يصعب جسره، ونحن لم نكن ضدّ التوحيد مبدئيًّا، وتأسيسنا لاتّحاد جديد ليس لمعاداة أحد، ولا للخصومة مع أحد، فالإخوة في اتّحاد الكتّاب هم أصدقاؤنا.
أمّا الشقّ الثاني فقد يكون قيام اتّحاد آخر محفّزًا للنشاط، من باب التعدّديّة والمنافسة الشريفة، في خدمة الناس والثقافة والرقيّ بالأدب والأدباء، وكلٌّ من منظاره ومنظوره، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
*بعد عقد مؤتمركم، ما هي الخطوات التي قمتم بها، ليَصلَ اتّحادُ الكرمل للأدباء الفلسطينيين وبزمن قصير، إلى هذا الحضور المُلفت في تحريكِ الساحةِ الأدبيّة والثقافيّة؟
مَن يُحاولُ كسْرَ حزمةِ العِصيّ لن يُفلح، ومَن يُفرّقُها ويَكسِرُها آحادًا فسيفلح. لن نبالغ بالأرقام، فقد شارك بالمؤتمر حوالي مئة عضو، أمّا الآن فعدد الأعضاء المنتسِبين حوالي مئة وخمسين أديبًا، والبابُ مفتوحٌ لمَن يَرغب بالانتساب. أولئك المئة انتسَبوا وانتخبوا هيئات الاتّحاد بشكل ديمقراطيّ، وانتُخبَ الكاتب فتحي فوراني رئيسًا، والكاتب عبد الرحيم الشيخ يوسف نائبًا للرئيس، والكاتب سعيد نفّاع أمينًا عامًّا، والشاعر علي هيبي ناطقًا رسميًّا، والدكتور بطرس دلّة رئيسًا للجنة المراقبة، وكذلك انتُخبت لجنة المراقبة ولجنة الإدارة، وكان على هذه اللجان الانشغال في السنة الأولى من منتصف 2014 وحتّى نهايتها تقريبًا بإحصاء الأعضاء وتوثيق الوثائق، ومنها الدستور الذي صُودق عليه بعد ملاحظاتِ وتحفّظاتِ الأعضاء في المؤتمر، وفي الاجتماع الأوّل انتخِبت الأمانة العامّة، وهي المحرّك الرئيس إلى جانب الإدارة.
كانت هذه هي الخطوة الأولى، نستطيع القول أنّه حتّى أواخر سنة 2014 كان التنظيم هو شاغلنا الأساسيّ، فلم نمسك بحزمةِ العِصيّ، بل فرّقناها آحادًا.
*ما هي النشاطات الثقافيّة التي نفّذتموها خلال سنة 2015، بعدَ إتمام التنظيم والتوثيق؟
فوْرَ انتهاء هيكلة الهيئات ومعرفة كلّ هيئة مسؤوليّتها ومهامّها، قمنا بأوّلِ نشاطٍ ضخم في مدينة الطيّبة، بتاريخ 18-12-2015، حيث أحيينا اليومَ العالميّ للغة العربيّة، الذي أقرّته منظمة الثقافة العالميّة “اليونيسكو” التابعة للأمم المتّحدة، وقد شارك حوالي 40 أديبًا من أعضاء الاتّحاد، بتقديم محاضراتٍ وفعاليّات لطلّاب ستّ مدارس من المراحل التعليميّة الثلاث، وقد اختتمَ ذلك اليوم باحتفال كبير، شاركَ فيه أعضاءُ الاتّحاد وجمهور غفير من أهالي الطيّبة، وقد كان هذا النشاط بالتعاون مع بلديّة الطيّبة ومنتدى الطيّبة الأدبيّ، وتوالت النشاطاتُ في كثير من المدارس، أذكر منها: مدرسة شعب الإعداديّة، ومدرسة النور الابتدائيّة في الجديدة، ومدرسة عيلوط الابتدائيّة، ومدرسة نعمت الثانويّة في مجد الكروم، وكان آخرُها إحياء اليوم العالمي للغة العربيّة لسنة 2015 في خمس مدارس في قرية الرينة، وقد شارك في ذلك اليوم حوالي 25 أديبًا من أعضاء الاتّحاد.
*هل هناك مؤسّسات أخرى إضافة لبلديّة الطيّبة والمنتدى الأدبيّ تعاونتم معها، أو شاركتكم في النشاطات المتنوّعة؟
من المهمّ أن نذكر أوّلًا أنّنا دائمًا، وفي كلّ توجهّاتنا وبياناتنا ندعو مُعربين عن استعدادنا للتعاون، مع كلّ هيئة، أو مؤسّسة، أو مدرسة، أو سلطة محليّة، أو أيّ منتدى محلّي يُعنى بالثقافة والأدب، وهأنذا أعود وأدعو الآن موجّهًا ندائي باسم الاتّحاد، معربًا وبصوت أعلى وأقوى عن هذا الاستعداد الدائم.
وبالرجوع إلى السؤال المحدّد، نعم، نحن ننظّم فعاليّاتنا مع إدارات المدارس وأقسام اللغة العربيّة فيها، تعاونّا مع المجالس والبلديّات، وتعاونّا كثيرًا مع مؤسّسة محمود درويش للإبداع في كفر ياسيف، ومع نادي حيفا الثقافيّ، وعدد من المنتديات المحليّة الأخرى، أذكر منها نادي طرعان الثقافيّ، ومع ذلك ما زلنا نقول أنّنا في بداية الطريق، ولكنّنا عبَرنا البدايات الصعبة، وقد كانت ممتلئة بالعقبات والمصاعب ككلّ بداية، وسنمضي قدُمًا وفقًا لرؤيتنا وتطلّعاتنا، نعمل بهدوء، معتمدين على العطاء المتفاني لأدبائنا، ومؤمنين برسالتنا التثقيفيّة، لا نكلّ ولا نحيد، ننظر إلى أمام، مؤمنين بأنّ أعمالنا تجعل الناس ترانا وتقدّر ما نعمل، وليس الجعجعة الجوفاء، فالوعاء الفارغ أعلى ضجيجًا، وسنسعى دائمًا وكما وعدنا منذ أولى خطواتنا، نحو العطاء الأرقى والأجود والأنفع للناس.
*ألمس من خلال حديثك اهتمامًا عاليًا باللغة العربيّة، ما هو الدافع لذلك؟
هنالك في الحقيقة عدّة دوافع، ولكن أبرزها اثنان، الأوّل هو الواقع السياسيّ الذي نعيشه كعرب في هذه البلاد، إذ نتعرّض لكثير من سياسات التمييز العنصريّ من قبل المؤسّسات الرسميّة، وعلى رأسها الحكومة، وبخاصّة هذه الحكومة التي تبيح للعنصريّة والفاشيّة أن تستشري في أوساط اليمين المتطرّف، ولذلك تتعرّض لغتنا وثقافتنا لهذا التمييز، فسياسة الطمس والتغييب لمعالمنا العربيّة ولهويّتنا القوميّة باتت أسلوبًا ممنهجًا عند السلطات الحاكمة، ولذلك كان منذ البداية، ومن البيان الأوّل للاتّحاد وفي كلّ بيانتنا، آمنّا بدور الاتّحاد في ترسيخ اللغة العربيّة والثقافة العربيّة كحافظيْن رئيسيْن لوجودنا، ولدوام تطوّرنا، وللحفاظ على هويّتنا القوميّة وشخصيّتنا المتميّزة، خاصّة وأنّ هذه اللغة نقلت للعالم وللغرب الأوروبيّ بالذات، الكثيرَ مِن الحضارة والعلوم والثقافة الإنسانيّة، وفي جميع المجالات.
أمّا الدافع الثاني فهو أنّنا نلاحظ ما تعانيه اللغة العربيّة من ظلم وإهمال في التعليم العربيّ، فقد أرادت الحكومات منذ قيام إسرائيل، أن تحرمَ الطلّاب من تعلّم لغتهم الأمّ، ليعيشوا حالة من الانقطاع التاريخيّ عن ثقافتهم العربيّة، وامتدادها من أعماق الماضي المجيد، وجهل رموزها ومؤلّفاتهم وآدابهم، وكذلك حالة من الانقطاع الجغرافيّ، كي لا يتواصلوا مع الشعوب العربيّة، فنكون ضائعين كأنّنا “مقطوعون من شجرة”، أو كأنّنا نزلنا إلى هذه الأرض التي سمارنا مِن سمارها “بالبراشوت”، فالطلّاب العرب في المدارس يُحرَمون أيضًا من المناهج التعليميّة التي تعزّز الانتماء، ومن قلّة الموارد والحصص المُعَدّة، فالمناهج تفتقر للمضامين التي تُنمّي الإحساس الوطنيّ والقوميّ، بل كانت أيضًا ترمي إلى العدميّة القوميّة، واليوم تحسّن الوضع عن ذي قبل، ليس لأنّهم صاروا يرغبون بنا، لا، بل لأنّنا نحن أصرّينا على المطالبة لنيل حقوقنا. ومن هنا جاء دور الاتّحاد ودافعه الأقوى لسدّ هذا النقص، من خلال نشاطات ومحاضرات تعرّف طلّابنا بعظمة ثقافتهم، وجمال آدابهم، وتعزّز فيهم شعور الانتماء والاعتزاز، ولتزيل الشعور باليأس والإحباط من الحالة السياسيّة التي تعيشها الأمّة العربيّة تحت شبح الإرهاب، وما يَعيشه شعبنا الفلسطينيّ، من احتلال واستيلاءٍ على مقدّراته وثرواته، وما تعيشه الأقليّة العربيّة من محاولات طمس وتغييب ومسّ بالحقوق الأساسيّة، ومن اعتداءات على الأرض والبيت والمعبد والحريّات، والعمل على محو المعالم الوطنيّة التي كانت قائمة قبل قيام (إسرائيل)، مثل كنيسة الطابغة والمدارس الأهليّة، وبلا شكّ اللغة العربيّة هي أبرز هذه المعالم. لذا علينا صيانتها، كما يصون الإنسان بؤبؤ عينه، كي تحافظ هي بالتالي علينا.
*إضافة للجانب الثقافي، هل لكم انخراط في الجانب السياسيّ؟
بالتأكيد! ليس اتّحاد أدباء فقط، بل إنّ أيّ هيئة أو مؤسّسة أو منتدى، أو أيّ تنظيم لا ينبثق من الناس وهمومهم وقضاياهم وآلامهم وآمالهم، ولا ينخرط فيها، ولا يقدّم ما يستطيع لخدمة الناس، لن يرى النجاح، ولن يكون قادرًا على الاستمرار.
نعم، لنا مواقف سياسيّة واجتماعيّة من كلّ القضايا والأحداث، فقد وقفنا ضدّ جرائم قتل النساء المستشرية في مجتمعنا، بجريرة المسّ بشرف العائلة، ووقفنا ضدّ موجة العنف التي سادت في قرانا، على اعتبارات طائفيّة أو عائليّة، ووقفنا ضدّ جرائم السلطة، عندما قتلوا شابًّا في كفر كنّا، وعندما أحرق عنصريّون كنيسة الخبز والسمك في الطابغة، وكان لنا موقف واضح ضدّ الحرب الهمجيّة، التي شنّتها “إسرائيل” على قطاع غزّة، ووقفنا مع أمين الاتّحاد العام الكاتب سعيد نفّاع، وما يمثّله من تواصل مع إخوتنا العرب في البلاد العربيّة، فقد حاكموه سياسيًّا، وهو الآن يقبع سجينًا نتيجة لذلك الحكم الجائر، واسمحي لي أن أنتهز هذه الفرصة، وأرسل له باسمي ونيابة عن جميع أعضاء الاتّحاد أسمى التحيّات، وأحرّ التمنيات بالسنة الجديدة وأقول له: “كنت حرًّا وما زلت حرًّا في سجنك، نحن بانتظارك، ولا حرمنا الله من عطائك وتفانيك القادميْن حتمًا”.
*هل تعتقد أنّ هذه الفعاليّات والنشاطات ترقَى إلى درجة كبيرة من الرضا؟
لا يكون الرضا كامًلا أبدًا، أنجزنا في سنة واحدة ما يعجز عنه كثيرون في سنوات كثيرة، لنا رؤية ذات تطلّعات كبيرة، فنحن نتطلّع إلى ضمّ معظم أدبائنا إلى الاتّحاد، وهناك حتّى الآن أسماء لم نستطع الوصول إليها في الجليل والمثلّث والساحل، فمثلًا في النقب كلّ نشاطنا الآن ومن قبل، أنّنا نحاول ضمّ ولو عدد قليل من أدبائه إلى اتّحادنا، ليتسنّى لنا التواصل مع هذه المنطقة العزيزة علينا، ولن نيأس وسنصل إلى النقب هذا العام.
نحن حتّى الآن بلا مقرّ، نجتمع حتّى الآن في مقرّات مؤسّسات أخرى، ونشكر المسؤولين عنها على هذا العون، وأخصّ بالذكر الأخ فؤاد نقّارة مدير النادي الثقافيّ في حيفا، والأخ عصام خوري مدير مؤسّسة محمود درويش في كفر ياسيف. نحن نسعى لأن نكون أكثر انتشارًا في المدارس، هذا العام شهد نشاطات مدرسيّة أكثر من العام السابق، ولكنّها غير كافية، نسعى في السنة القادمة أن نُدعى إلى اثنتيْ عشرة مدرسة، أي مدرسة كلّ شهر.
في سنة 2015 عقدنا الكثير من المحاضرات والندوات والأمسيات واحتفالات التكريم وإشهار المؤلّفات للشعراء والكتّاب، ونرغب في المزيد وفي التنويع، وكذلك نرغب في امتداد عقدها في أكثر عدد من القرى والمدن، حتّى نصل إلى قرانا في النقب العزيز.
ولا بدّ من الإشارة إلى أعظم منجزاتنا، فقد اتّخذنا قرارًا ونحن نضع أيدينا على قلوبنا، خوفًا من الفشل، وهو إصدار مجلّة فصليّة أدبيّة وثقافيّة واتفقنا على تسميتها “شذى الكرمل”، ونحن بلا هيئة ولا قدرات فنيّة على التحرير وبلا تمويل، وبالمناسبة حتّى كتابة هذه السطور لم نحصل على أيّ تمويل من أيّة جهة، إنّما نموّل نشاطاتنا من أموالنا الخاصّة، ومعتمدين على تفاني أعضائنا ليس في المجال المعنويّ فقط، بل في المجال الماديّ أيضًا، ولا بدّ من شكرهم على هذا التفاني غير المحدود. ومع ذلك استطعنا أن نصدر العدد الأوّل من المجلّة بحلول الذكرى الأولى على تأسيس الاتّحاد، في حيفا في تاريخ 19-6-2015، وأنجزنا وأصدرنا العدديْن: الثاني في أيلول والثالث في كانون الأوّل من السنة الماضية.
هل نحن راضون عن المستوى المضمونيّ والفنيّ للمجلّة؟ أقول لا! ولكنّ ما أنجز كبير وعظيم، وسنسعى للأحسن والأرقى والأجمل في هذه السنة، ولا بدّ أن يشار إلى أنّ “شذى الكرمل” غطّت مساحة متواضعة من الانتاج الأدبيّ المحليّ، في ظلّ غياب مجلَات كثيرة منها الجديد والغد والمواكب، وليس ثمّة مجلّات أدبيّة كثيرة تغطّي حاجة مجتمعنا. ولقد قمنا برعاية عدد من مبدعينا الناشئين والاهتمام بهم، من خلال منابرنا، وتشجيعهم، ومراجعة مؤلّفاتهم الشعريّة والقصصيّة، ومنهم من أصدر دواوين وروايات، ولكنّ مهمّة الرعاية وتركيزها ووضع أسس لها ما زالت من انشغالات تفكيرنا.
وأخيرًا، ما هي رسالة الاتّحاد إلى الأدباء، والمؤسّسات، والمدارس، والسلطات المحليّة، والهيئات التمثيليّة، خاصّة، ونحن في مستهلّ سنة جديدة؟
أتوجّه إلى جميع أعضاء الاتّحاد وعائلاتهم الكريمة، ومن خلالهم إلى جمهورنا العربيّ هنا، وعموم شعبنا الفلسطينيّ، وأمّتنا العربيّة وإلى الإنسانيّة جمعاء، بأسمى التهنئات وأحرّ الأمنيات للجميع، بأنّ تكون السنة الجديدة سنة خير وسلام وعطاء، نتخلّص فيها من الإرهاب ومن الاحتلال، ليعيش الجميع بأمان وحبّ وسعادة.
أمّا في رسالتنا كاتّحاد أو كمؤسّسة ثقافيّة، فإنّنا ندعو لجنة المتابعة العليا واللجنة القطريّة للرؤساء وكلّ السلطات المحليّة، ندعوهم إلى الاهتمام أكثر بالثقافة، ليس كلّ الحياة كرة قدم، وإلى إيلاء هذا الجانب الهامّ اهتمامًا أعلى، خاصّة أنّه في كلّ سلطة قسم للثقاقة والمعارف، ونتمنّى عليهم تشجيع الأديب المحليّ الذي يشعر كأنّه يتيم مُهمَل، لا يكفله ولا يرعاه أحد، ولذلك نتوجّه إليهم لدعم اتّحاد الكرمل في نشاطاته وإبداعاته ومبدعيه معنويًّا وماديًّا، وتخصيص قسمًا بسيطًا من الميزانيّات له، ونطلب دعم نشر الإنتاج الأدبيّ، فثمّة أدباء لا يطبعون أدبهم لأسباب ماديّة. وفي كلّ قرية أو مدينة عدد قليل من الأدباء، فلا بأس لو ساهمت السلطة المحليّة بدعم إنتاجهم، ففي ذلك فائدة للسلطة وللأدباء وللقرّاء.
للمؤسّسات، وأقصد بالذات التعليميّة والمدارس بالأخصّ، أدعوهم للإكثار من البرامج التعليميّة اللامنهجيّة، وخلق المحفّزات ورعاية البراعم الإبداعيّة، فلدى طلّابنا الكثير من المواهب، والأقلام الواعدة تحتاج لمن يأخذ بيدها ويوجّهها ويصقلها، ونحن أعضاء الاتّحاد نبعث رسالتنا إلى كلّ المدارس العربيّة، معربين عن استعدادنا الكامل للمساعدة في هذا المجال، لنغذّي طلّابنا بخبرات وتجارب أدبائنا المتوفّرة لدينا. وكذلك فإنّ المناهج الرسميّة تفتقر لما نقدّمه.
لأعضاء اتّحادنا أتوجّه إليهم شاكرًا قدرتهم الفائقة على العطاء المعنويّ والماديّ، وأدعوهم إلى المزيد كي يبلغ اتّحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيّين أشدّه، ويشتدّ عود عطائه، ويبقى رافعة للأدب والثقافة الوطنيّة، ونبراسًا يضيء درب الأدباء إلى نور الحياة الساطعة بالإبداع واللغة العربيّة، التي لن تغيب من وجداننا ووجودنا وحضورنا الحضاريّ الإنسانيّ ما بقي الليل والنهار.
وأقول كذلك للأدباء الذين لم ينضمّوا بعد، الاتّحاد بحاجة إليكم وإلى عطائكم الوضّاء، وإلى دم أقلامكم المشرق على ظلام الورق، أدعوكم للانضمام إلى الاتّحاد ليقوى بكم، ولتشهد الساحة الأدبيّة حراكًا ناشطًا وفاعلًا، ولتكونوا أعضاء رسميّين ومنظّمين، لكم حقوق وعليكم واجبات.
عام مضى وأعوام ستأتي وستبقى سفينة الاتّحاد مبحرة تتهادى على أمواج فرح وحبّ، وسيحمي المجداف توازن عشّاق الحياة.
عام مضى وأعوام ستأتي وقافلة الخير والعطاء والخصوبة ستجعل صحراء العدميّة واحاتٍ عِذابًا ومناهل خضرة ورواء لذّة للشاربين. وكلّ عام وأنتم بخير
—