تروي هذه الحكايةُ القصةَ الحقيقية للرحلة الطويلة التي قام بها والد رفقة ولده عبر مختلف دول أمريكا اللاتينية صيف 2010. أَنْدرِيا الشاب المصاب بمرض التوحد أتمّ ثمانية عشر عامًا للتوّ وقد تمّ تشخيص حالته على أنه مصاب وعمره ثلاث سنوات. روى الوالد مغامرته للكاتب فولفيو إرفاس في سياق حديث دام أكثر من سنة كاملة، فاستنبط الكاتب من ذلك الحديث رواية تجمع بين أحداث ومشاعر حقيقية، حاك خيوطها عبر الخيال والفن الروائي.
في إطار برنامج الترجمة لـ”مشروع كلمة” التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة صدرت القصة بعنوان: “إن عانقتك فلا تخف” وهي للكاتب الإيطالي المعاصر فولفيو إرفاس بترجمة العراقي عدنان علي ومراجعة التونسي عزالدين عناية. كتاب قيّم يسبر غور عالم التوحّد، ذلك المرض الذي يصيب الإنسان فيعزله عن مجرى الحياة الطبيعية -كما يراها الآخرون ويجعل منه كياناً لا يتوافق سلوكه وقدراته وتطلّعاته مع النظام العام الذي أقره عامة الخلق وارتضوه لأنفسهم في هذه الدنيا. علماً بأن واحداً من كل 68 شخصاً في العالم مصاب بمرض التوحّد، بحسب مصادر الأمم المتحدة، حيث الإصابة بين الذكور تفوق بأربع مرات ما بين الإناث. وقد بات المرض في ازدياد مستمر وذلك بفضل التطورات التي طرأت في تشخيص المرض. لا شك أن المكتبة العربية والأسرة العربية بأمس الحاجة إلى مؤلف مثل هذا. ثمة بالفعل حاجة، لا بل عوز للاهتمام والسعي إلى تقديم إجابات علمية واجتماعية عن هذا المرض، كفيلة بإشباع رغبات وتطلعات الباحث والقارئ العربي: كيف التعامل مع المصاب بالتوحّد؟ ما مدى دور الوراثة في الإصابة؟ متى وكيف تظهر مؤشراته؟
هذا المؤلف الذي يُقدَّم للقارئ هو عبارة عن قصة حقيقية، من خلال السرد اليومي لوقائع وأحداث رحلة، في قالب مغامرة، يقوم بها رجل لا يذعن لنصائح الأطباء ومشورات الأصدقاء، برفقة ابنه المصاب بالتوحّد. مقتنعاً بأن من شأن التدخلات مساعدة الأشخاص المصابين بالتوحّد على اكتساب مهارات مختلفة وقدرات في التواصل، تعينهم في مسيرة الحياة. يتتبع الكتاب سلوك الابن وانطباعاته، وتفاعله مع ما يواجه من تغيرات في حياته اليومية وتصرفات الناس الذين يحيطون به وردود فعلهم. وفي الوقت ذاته، يروي الكتاب الصعوبات التي يجابهها الأب، الذي لا يكل ولا يدخر جهداً في متابعة ابنه والحرص على سلامته من جهة، والبحث الدؤوب عن بارقة أمل يتشبّث بها لتحسين حالته من جهة أخرى. لا يذهب الكتاب إلى بحث أسباب المرض ولا يدعّي تقديم حلول ناجعة، بل يقتفي آثار الرجلين في الأراضي الأمريكية، فينقل جمال الطبيعة الخلابة ويلقي الضوء على عادات مختلف المجتمعات وتقاليدها، مختلساً النظر إلى الطقوس والشعائر السائدة في بعضها، ومتعمقاً في خلجات الأب وهواجسه، وبالمثل ابنه، التواقين إلى حدوث معجزة. يُشهَد للمؤلف توفيقه في شدّ القارئ واصطحابه في مغامرة مشوّقة لا مكان فيها للملل.
الكتاب هو من تأليف الكاتب الإيطالي فولفيو إرفاس، وهو أستاذ جامعي في العلوم الطبيعية، وقد بدأ نشاطه الأدبي في 1999، برواية “اليانصيب” بالتعاون مع شقيقته لويزا، فحاز على الفور جائزة “إيتالو كالفينو” في دورتها الثانية عشرة، وقد نشرت دار النشر “ماركوس إي ماركوس” الكتاب في 2005، فاحتكرت من حينها نشر مؤلفات الكاتب. وللمؤلف العديد من الأعمال، منها “البطاريق المشوية”، “بوفالو بيل في البندقية” وغيرها الكثير.
المترجم عدنان علي، هو أستاذ للغة العربية من العراق مقيم في إيطاليا، سبق أن ترجم عدة أعمال منها، “تاريخ الهجرات الدولية”، “الواقعية الجديدة والنقد السينمائي”، “سوسيولوجيا الجسد” وغيرها.
المراجع عزالدين عناية، أكاديمي تونسي يدرس في جامعة روما، ترجم وراجع ما يربو عن خمسين عملا من الإيطالية إلى العربية.
إن عانقتك فلا تخف (قصّة)
المؤلف: فولفيو إرفاس
المترجمة: عدنان علي
المراجع: عزالدين عناية
“مشروع كلمة”، أبوظبي 2016.
—