كنتُ طالبا لغرض التأهيل اللغوي الدنماركي. وبالرغم من كوني قد أنهيت البكالوريا وأصبحتُ مهندساً في العراق لكنني شعرت وأنا في الصف المدرسي الدنماركي كطالبٍ حقيقي مراهقٍ ونزق ، ويتوجب عليه أن ينظر الى معلمه أو معلمته من باب( قم للمعلّم وفّه التبجيلا). في الصف الدراسي كنتُ أجلسُ بين طالبتين زميلتين ، كاترينا وناتاليا.كاترينا فنلندية عشرينية ذات شعر يتطاولُ في الإستفزاز الجميل من تحت قبعةٍ ٍترتديها في الشتاء لتقيها من لسعة بردٍ إسكندنافيّة ، ولغرضٍ آخرٍكموديلٍ للرومانسية الكلاسيكية الحالمة ،فكانت تبدو وكأنها قديسة بهالةٍ إلهيةٍ عظيمة ، أو كأميرةٍ جاءت على حصانٍ وترجلت فعليك أن تمسكها خوفا من الوقوع ثم تعينها على الجلوس فوق كرسيها المدرسي بكل هداوةٍ ورقّة متعالية. ثم ناتاليا الروسية وماأدراك ما ناتاليا ، تلك التييُضافُ لخفتها حلاوة الريق والمبسم ، وأنا تفضحني شرقيتي المتخلّفة في التحديق لزيقها الزمرّدي الأبيض ، مما جعلها تضربُ كتفي مازحةَ ًبوداد عظيم وتقول بعد غمز عينيها ..وبما معناه ..ياوقح أنت.. يا أنت.. ياهاتف .. هذه هي ناتاليا .. وإذا فغرَ الفاه أصبح الخدان تفاحتين شاميتين عند الضحك الطويل الذي فضحنا ذات يوم مما أدى الى طردنا من الدرسنحنالثلاثة صاغرين طائعين .كنا نضحكُ لأنني قلتُلنتاليا من باب المزاح : كيف لي أن أرى جسمك عارياً من خلف زجاج ، فأنتِ لايمكن أن ينظر لك بشرُّ على المباشر بل يتوجب عليه التمرين في النظر لأكثر من مرّة ومرة ، فقالت الفنلندية كاترينا التي كانت تضحك برئتيها وشفاهها معاً ، هذا الأمر في غاية البساطة ، أنا وهي في عطلة الإسبوع نذهب الى مسبح المدينة، فبإمكانك أن تأتي فتسبح معنا وترى على المباشردون حرجٍ ولاهم يحزنون. فقلتُ للنفس حينها : يا إله الماءِ (أنكي) عجّل في أمرِك.
بينما كنا نضحك نحن الثلاث ، طفقت طالبةُّ صومالية مسلمةمثل حظي الأغبر، محجبة من أخمص نعلها حتى آخر شعرةٍ في رأسها قد تعرّقت ونحن في زمهرير ديسمبر من كثرة ماترتديه من أرديةٍ لتغطي جسمها المسلم. ربما أضاقها مشهدنا ونحن فرحين مجنحين وينقصنا أن نطير فرحاً وسعادة ، هكذا هو الطالب . بينماهي قد تحجّررأسهاكماالبسطال العراقي القديم لمافيه من أوساخِ من تأسلمَ وأصبح متطرفاً حد اللعنة . قالت موجهةً سمومها الدينية لي ونحن في أعظم بلد علماني في العالم إستطاع أن يأويها ويأوي كل عائلتها المتخلّفة ورغم ذلك تنعتهم بالكفار والزنادقة بينما هي لن تجد رغيفا في الصومال تأكله وهذا حسب ما كنا نراه في شاشات التلفزة كل يوم والى يومنا هذا نسمع عن الصومال الجائع والذي يَظهر أطفاله المساكين عبارة عن هياكل عظمية ينخر بها الجوع حد العظام نتيجة النظام العالمي الظالم .
قالت الصومالية لي: هل أنت مسلم : قلتُ نعم : شيعيُّ أم سني : قلتُ شيعي : قالت وبدون أي خجلٍ او مواربةٍ … يعني أنك لست مسلماً ..أنت كافر .. كافر … كافر ..قلت لها أنا شيعيُّ لكنني شيوعي .. لم تفهم ما أعنيه لجهلها ولحسن حظي ، لأنها لو تداركت حتما سترفع رأسها للباري ترتجيه أن يشويني في الحال بنارِ جهنمٍ شيّا …لم أقل شيئاً غير أنني التفتُ الى كاترينا وناتاليا وقلت ماقالتهُ هذه المتوحشة عقلاً وزياً وأخلاقاً سمجة..وبدورهن ولأجل الضحك الذي طُردنا بسببه من الحصة الدراسية ، قلن لي وبالعربي … كافر … كافر … وظلّت هذه الكلمة على السنتهنّ لأجل الهزار حتى إنتهت لذاذة عيشي معهنّ بإنتهاء الفصل الدراسي ولم أرهنّ بعدهاحتى هذه اللحظة التي خلّفت ورائها ذكرى نعومة خدودهن حين كنت أمرر أصابعي عليهن بخفة عالية لنتف ( حَف) زغب وجناتهن الأشهب بالخيط الرفيع حيث كانت لي خبرة في مجال الحلاقة تعلمتها في جيش القادسية اللعينة رغماً عني. كنتُ أفعل ذلك لأكثر من طالبةٍ في الفرصة الدراسية وكان هذا مثارا للهزار والضحك الجميلنظرا لعدم وجود هكذا ثقافة لدى الأوربيات في نتف زغب وجناتهن فكان الأمر يبدو غريباً عليهن.
اليوم أنا واثقً من أنّناتاليا وكاترينا في حياةٍإنسانيةٍ عاريةٍ راقصةٍ تتغلغلُ بين المقاصف والمطاعم الشهيرة والإستجمام والرياضة وحب الناس والحياة .بينما شعوبنا في ظل ثقافة متردّية كما هذه الصومالية القميئة، في أسوأ حال ، بل تتطاحن عراكا وحروبا بين السنة والشيعة .