نقلات روائية واضحة بين رواياتها الثلاث “الماء والنار”و”الصمت”و”نساء”، تكتب العراق سردا روائيا بعينين تريان البصرة وتصنع لها حضورا يديم الإحساس بالبقاء بين الناس والطبيعة حتى وان كان على الورق!
الروائية الهام عبد الكريم وبمناسبة حضورها المشارك في (ملتقى الرواية الثالث) الذي اقامه اتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة 7/ 9/ 2018 أجريت معها هذا الحوار..
سألتها أولا:
* رغم مغادرتك البصرة منذ فترة ليست قصيرة،لكن الفضاء الروائي لديك بصري الهوى والشخوص والأمكنة، ما السر وراء ذلك؟
-نعم صدقتِ الوصف، ودقة الملاحظة تنم عن تفاعل واضح مع النص والإحاطة بالتفاصيل..
لا سر وراء ذلك فنحن جبلنا على حب أهلنا ووطننا ومدينتنا وغير ذلك من ثوابتنا، فما بالك ان كان ما نحبه قد جمع كل شيء اثير ومفضل في الحياة.. فالبصرة مفعمة بالحياة قدمت لي في كل يوم شيئا جديدا في المدرسة والشارع والسوق ووضعت علامات فارقة تدخل القلب والعقل على حد سواء وبعدها لايمكن لها أن تغادره..
ويمكن هنالك تفسير جميل لسر حضور البصرة بأهلها وأماكنها يتمثل بتوفير منابع تديم الإحساس بالبقاء وان مغادرة البصرة ليست الاّ عملية شكلية اما الفعلية فهو الوجود الدائم بين الناس والطبيعة حتى وان كان على الورق.
*تجربتك الروائية من خلال رواياتك.. يتيقن القارئ من أنه أمام روائية تتأنى كثيرا لتكتب ماهو مفيد وجميل لذا بودي التساؤل ألا يستحق جهدك الروائي ان تكتبِ عن تجربتك الروائية والقصصية؟
-سؤالك من شقين.. الأول يتعلق بأسلوبي كروائية وهو بحسب رأي النقاد سهل ممتنع فيه الكثير من البوح الإنساني والتعالق ألقيمي بأساسيات الحياة وكذلك احترام الإنسان على مختلف مستوياته وبما إنني بصرية النشأة وشأني شأن أي جنوبي فيه الكثير من الرقة والشاعرية وجدير بالذكر ان هناك رسالة دكتوراه ناقشت شاعرية السرد عند الروائيات العراقيات وقد حضيت روايتي ( الصمت) بحفاوة كبيرة وكانت محور النقاش والاستشهاد بمقاطع كثيرة منها في اثناء المناقشة..
اما الشق الثاني فهو الشروع بالكتابة عن تجربتي الروائية والقصصية.
في الحقيقة أنا لم افكر بهذا الأمر بصيغته الحالية وإنما وضعت خطوطا عريضة لكتاب أشبه برواية سيرة الشاعر الراحل ( رعد عبد القادر) وستكون الكتابة عن تجربتي معه فضلا على تناول تجربتي الشخصية بمعزل عنه والموضوع ليس سهلا أبدا ويحتاج إلى جهد جماعي وليس فردي ولكن لابد من ان اخوض التجربة ذات يوم وأسلط الأضواء على معنى وجود شاعر مجدد وروائية وكاتبة قصة في بيت واحد وظرف واحد.
* في رواية (الصمت) لا يمكن للقارئ أن ينسى هذا الصمت الذي أصبح خطاب المرأة الصامتة، يدعونا للتساؤل كم نسبة الجانب التاريخي في ذلك فالأجواء تؤكد ان الرواية في بدايات القرن العشرين، أعني هل ثمة وثيقة تاريخية اشتغلتي عليها شخصية هذه المرأة وهي شخصية لم نجد لها تكرار عند سواك؟
– اشكرك جدا.. ففي سؤالك إقرار ان الروائية قدمت صورة المرأة بملامحها وتأثيرها الكبير الواضح على الرغم من انها لم تأخذ من حيز الرواية الا بضع صفحات من الفصل الأول وانه بتوالي الحوادث وظهور أجيال جديدة قدمت نفسها بقوة، وكان من الممكن ان يتم نسيان هذه المرأة وكأن الرواية في غنى عنها، ولكن كما ترين بنيت شخصيتها بأقل ما يمكن من الكلمات التي ضمنت استمرار تأثيرها حتى آخر صفحة من الرواية.
ان من يدخل البصرة يشعر انه دخل كتاب التاريخ او كتاب الجغرافية لذا هنالك الكثير من التأريخ في الرواية ولم يكن القصد منه تقديم رواية تاريخية فالتاريخ هنا لعب دورا تشخيصيا وعزز من ملامح الرواية ووفر لها أجواء درامية هي من مقتضيات عصرها، ذهبت معه ولا ينفع إطلاقا ان يكون لها وجود في العقود اللاحقة فالاحتلال حدث في ذلك الوقت وممارساته وتأثيراته السلبية هي نتاج عصره، وإذا اقتضى الاعتراف بسريان مفعوله إلى يومنا هذا علينا ان نقدم صياغة جديدة قادرة على الإقناع والتفاعل.
بالتأكيد أنا لم اعاصر أزمنة روايتي وبالتالي أنا لا استطيع المجازفة في نقل الشواهد الموثقة بتواريخ وشهود من دون ان اكون قد حصنت نفسي..
نعم لدي مراجع كثيرة في مكتبتي جمعتها على مدار اربعين عاما ومعظمها صالحة للقراءة حتى عصرنا هذا.
اما اذا كان سؤالك عن المرأة الصامتة قد ظهرت في واحدة من تلك المراجع فأقول لك لا وإنما هي نتاجي الشخصي بنسبة 100% أنا وحدي من عرفت سرها وأعانها على اخفائه، قلبت معها صفحات حكاية حبها بمعزل عن الاخرين ولو سئلت لما وجدت غير الصمت جوابا.
* لكل أديب طقوسه في الكتابة فما هي الطقوس التي ترين ضرورة توفرها لك من أجل الكتابة؟
– في الحقيقة ليس لدي طقوس بهذا المعنى الدقيق هناك فصل يفتح شهيتي على الكتابة وهو الخريف وما يليه من شتاء ومع تباشير حرارة الجو ينتهي مزاجي وابقى في حالة سبات.
ثم هناك العنوان الذي يبدأ بالطرق على سمعي وعقلي حيث اشعر عندها ان اوان كتابة نص قد حان، وهناك ورقة بيضاء مستلة من بند ورق جديد وقلم رصاص وممحاة وغياب عن الكون بأسره، وقدح شاي آت وفنجان قهوة ذاهب.
-أزدحم الحراك الروائي العراقي بمشاركات نسوية تتمايز وتتباين في إنتاجها الروائي، كيف تنظرين لهذا النشاط الروائي النسوي؟ وهل يشكل قلقا لدى نسق الروائيين؟
* نعم وهذه ظاهرة صحية وان كان عدد الروائيات ما يزال قليلا ألا أنه مهم ومؤثر، أنا بالحقيقة اشعر بفرح كلما تعرفت على روائية جديدة ودائما أشعر بالطمأنينة من ان هذه الأسماء ستحتل مكانها وتبقى في الذاكرة طويلا، وفي الحقيقة ان هذه الأسماء مطالبة بالعمل الدؤوب والأشتغال على نفسها ونتاجها بلا توقف وبلا كلل.
أما ان كان النشاط الروائي النسوي يشكل قلقا عند الروائيين فأنا لا اعتقد ذلك فالروائيين على العموم يرون ان الجيل الجديد من الروائيات لم يستكمل تجربته وبالتالي لا يشكل خطرا عليهم أنهم لا يثقون كثيرا بمقدورات الروائيات مع ان الأمر لا يتعلق بالجنس بل يتعلق بالموهبة والقدرة.
*كيف كانت البدايات بالنسبة للأديبة إلهام عبد الكريم ومن وقف معها في خطواتها الأولى وما بعدها؟
– شهدت بداياتي وهي في المرحلة المتوسطة أهتماما كبيرا من مدرساتي في مادتي العربية والانكليزية والإسلامية، كنت أجيد التعبير والتفسير واستنباط العبر في درسي العربي والإسلامية ما الفت انتباه مدرستي التي وجدت اني لدي ملكة وان بإمكاني ان اكون كاتبة قصة..
في الحقيقة سحرني الأمر وصار شغلي الشاغل وكنت قارئة جيدة وممتازة فرحت اقرأ روايات تلك المرحلة وكنت أحب الأدب الكلاسيكي وأعشق الاساطير وكانت العطلة المدرسية تمضي على عجل ولا أشعر بها حيث أعمل السنة بطولها على جمع الروايات والقصص والمجلات المختصة بالأدب واقرأ الليل بطوله..
وحين انتفلت الى بغداد عام 1971 كانت فرصي أكبر حيث التقيت بعدد من الادباء كانوا في مرحلة الماجستير وقد نشرت أول قصة عام 1973 في مجلة الكلمة للأديب الموسوعي الراحل حميد المطبعي وتوالى النشر بعد ذلك في المجلات الادبية المتخصصة مثل الأقلام والأديب وكنت على الدوام أحضي بفرص نشر سريعة ولم يحدث ان انتظرت طويلا..
أما من يشجعني فأقول بكل ثقة: الادباء من الشعراء والروائيين كلهم بدون استثناء.
*النسوة : ساغيك، برتيون، زهراء، موجة، على المستوى الحقيقي هل وافقن بالكتابة عنهن؟ أم صار زعل ؟!
– باستثناء ساغيك وبريتيون، النسوة الباقيات صنعتهن مخيلة الكاتبة وأسبغت عليهن لحما من لحمها ومشاعر من مشاعرها وأحاسيس من احاسيسها وهذا يحدث كثيرا حيث أفضل بين الكاتبة والمرأة بتكوينها الشخصي، ضعفها وقوتها، حبها وكرهها، زعلها ورضاها..
وأنوه هنا ان بريتون كانت طالبة معي في المدرسة المتوسطة، أما ساغيك فهي وحدها تماما كما كانت في الحياة هي ايضا في الرواية وفي الحقيقة باعدت بيني وبينها الحياة ولا أعرف عنها اي شيء ومكانتها بقيت في نفسي كما هي، أفضل صديقاتي، وأذكر هنا أني في أيام ترملي الأولى بعد وفاة زوجي، لم أكن بحاجة لأحد سوها كنت أناديها هي وأمي الراحلة لإحساسي أنهما وحدهما من يستطيع ان يخفف عني وطأة الحزن وهو كثير جدا.
أتمنى ان أسمع شيئا عنها أو منها وفي الوقت نفسه أتمنى لها ان تكون في أفضل حالاتها.
………………….
جريدة طريق الشعب.. العدد 48 السنة 84 الأثنين 15 تشرين الأول 2018