السؤال: مصباح الخطى :
حبلى بالأسئلة أراها كلما تأملتُ الحياة. ربما ذلك ماجعل الإنسان الواعي يصنّع أسئلة ً لتقشير غوامض الوجود ومن هنا أنبثقت الفلسفة ، لو بحثنا عن.. كيف، لماذا، ومتى .. هل سنجد أجابة صامدة، لاتهتز بعد حين من الكشوفات الاجتماعية والعلمية ؟
أبدأ بالكتاب الكريم فأجد الكثير من الأسئلة.. يستوقفني:
سؤال العارف الأعظم ( ما تلك بيمينك ياموسى /17- طه) وهذا السؤال يشغل منزلة التمهيد،ولا ينتظر جوابا، فالعارف يعلم ماذا يمسك موسى، لكن سؤاله للتنبيه، وبعد جواب موسى وهو يعدد الوظائف التقليدية للعصا: (قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهشُ بها على غنمي ولي فيها مأرب ُ أخرى/ 18) وهنا سيمنح العارف الأعظم وظيفة خارقة للعصا ذاتها(فألقها فإذا هي حيّة تسعى /20).
سؤال المدد، ينطلق من الأرضي إلى سعة السماء، وهو يتألق في كتب الأدعية:(أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).
سؤال الوجود الصوفي(إلى كم وأنت في بحر الخطاي..؟).
سؤال الفضول: جاء في كتاب الأغاني، إن جارية ً كانت تتقصد التجوال في السوق وهي تحمل طبقا وعليه طبق منكفىء، وما أن يسألها أحدهم: ماذا بين الطبقين ؟ تجيبه الجارية : فراغ، من خلاله نصطاد الفضوليين في الأسواق.
وسؤالنا اليومي والميداني : متى تستقر أحوال العراق؟
تلك أسئلة عامة وثمة اسئلة خاصة يطرحها المرء على ذاته.. لكن في الوقت الراهن هل مازلنا نملك شجاعة مواجهة الاسئلة؟
هل نستطيع أن نوجه لأنفسنا الاسئلة؟ ربما.. ولكن في فوضى الأسئلة كم مِن سؤالٍ صحيحٍ يمكنه أن يمسك بنقطة الإجابات الشافية؟
ولو طرحنا سؤال: لماذا الاسئلة صارت جزأ لا يتجرأ من حياتنا او من وجودنا؟ ربما سيكون الجواب سؤال اخر:هل الأسئلةُ مفاتيح تبحث ُعن أبواب في دوارات الفوضى؟
قبل البحث عن الإجابة هل تعلّمنا صياغة الأسئلة المناسبة كما تناسب الأقفال أسنان المفاتيح؟
الآن ونحن نجري في متاهةٍ اسمها الوطن كم علينا ان نسأل لنسلك طريقاً واضحةٍ تحت اقدامنا
مَن جعل الأحزان مظلة حياتنا؟
وأصبحت أعيادنا ملغمة ً بالفواجع؟
و موتنا جماعيا؟
ليلة العيد تصبح الأسواق أتونا، ما أن تمتلئ بالمتبضعين ترتفع ألسنة اللهب ويصير الشواء بسعر الجملة !!
هذا ماجرى: قبل سنوات في شارع عبد الله بن علي في البصرة والمجمّع التسويقي في الكرادة.. والان وفي غمرة افراح عيد نوروز نفجع بعبّارة الموصل..
وبين هذا وذاك الكثير من الاحداث التي مِن شأنها أن تسخم وجه أعيادنا. فهل كل تلك الاحداث انطلقت من منصة القضاء والقدر؟
لماذا نهرب من مواجهة الحقيقة؟ ونعلق على مشجب الاقدار كل فواجعنا؟
هل تلك الاحداث جاءت بتقصير من الحكومة؟
هل حقا كل ما يحدث مشكلتهُ تكمن في قرارات الحكومة وأن الناس على خير ما يرام ولا حيلة لهم بذلك؟
هل الشعب مسيّر بِلا رؤية؟
متى نعترف بخطئنا الجمعي؟ ونتحاور مع ذواتنا ؟
لماذا دائما نبحث عن مشجب نعلق عليه ما نقترف ؟
لماذا كل مايحدث نبرره بالمؤامرة؟ وكأننا دمى وعلى الحكومة أن تضعنا كيفما/ ومتى.. ما تشاء؟
حين نطفأ مصباح عقلنا نكون قد ساهمنا بقتلنا.. ورضينا أن نكون بلا قرارات، تقودنا رغبات الآخرين..
وذلك ما يحدث الان وفي كل المجالات وللأسف هناك مَن جرّد نفسه من أرادته وامتثل لإرادة الاخر كما حصل ويحصل في الانتخابات السياسية والأدبية إذ إن هناك مَن نتحرك بمشيئته..
علينا أن نلتفت إلى أنفسنا و نطرح عليها سؤالاتنا قبل أن نخطو أي خطوة.. فالسؤال مصباح الخطى.
*عمود شهري/ في( مجلة الغد ) الصادرة من محلية الحزب الشيوعي العراقي في البصرة/ع26/ نيسان 2019