محمود درويش في رثاء غسان كنفاني: محاولة رثاء بركان
اكتملت رؤياك، ولن يكتمل جسدك. تبقى شظايا منه ضائعة في الرّيح، وعلى سطوح منازل الجيران.
كم يشبهك الوطن!
وكم تشبه #الوطن!
جميلٌ أنت في الموت يا #غسّان. بلغ جمالك الذروة حين يئس الموت منك وانتحر. لقد انتحر الموت فيك. انفجر الموت فيك لأنك تحمله منذ أكثر من عشرين سنة ولا تسمح له بالولادة. اكتمل الآن بك، واكتملت به.
أيها #الفلسطينيون… إحذروا الموت الطبيعي!. هذه هي اللغة الوحيدة التي عثرنا عليها بين أشلاء غسان كنفاني.
لا يكون #الفلسطيني فلسطينيا إلا في حضرة الموت. قولوا للرجال المقيمين في الشمس أن يترجلوا ويعودوا من رحلتهم، لأن غسان كنفاني يبعثر أشلاءه ويتكامل. لقد حقق التطابق النهائي بينه وبين الوطن.
لم تَكُنْ رَجُلاً
كنتَ إنسانيَّةً. تسلم على السائح، فتصيبه عدوى فلسطين، تقبل امرأة، فتصير مريم المجدلية.
تعانق طفلا فيستكمل طفولته في إحدى قصصك.
لم تمتَشِق قلَماً…
لم تمتَشِق بندقيَّةً…
لم تمتَشِق إلا دمكْ. كان دمُكَ مكشوفاَ من قبل أن يُسفَكْ. ومنْ رآكَ رأى دَمَكْ. هوَ الوحيدُ الواضحُ. الوحيدُ الحقيقيُّ والوحيدُ العربيُّ. دقَّ سقفَ الهجرةِ وعادَ كالمطر.
طوبى للجسد الذي يتناثر مدنا. وطوبى للقلب الذي لا توقفه رصاصة. لا تكفيه رصاصة! نسفوكَ، كما ينسفونَ جبهةً، وقاعدةً، وجبلاً، وعاصمة، وحاربوكَ، كما يحاربون جيشا…
لأنك رمز، وحضارة جرحٍ
ولماذا أنت؟… لماذا أنت؟
لأنَّ الوطن فيكَ حقيقي وشفاف، وابتكار لأنهار منحوتة مياهها من دماء مهاجرة. خريرها دائما محترق، يتمازج فيها ظل الزيتون الراحل بين الذاكرة والتراب.
لو وضعوك في الجنة أو جهنم، لأشغلت سكانهما بقضية #فلسطين.
وفلسطين المفجوعة بك،
أنعزّيها أم نهنِّئها؟ لا أدري.
فهي التي سترتب عظامكَ، هي التي ستعيد تكوينك من جديد. ونحن هنا، سنموت كثيرا. كثيرا نموت، إلى أن نصبحَ #فلسطينيين حقيقيين، وعربا حقيقيين.