يقف العشماوي في منطقة على مسافة من الآخرين هو حكاء ماهر وروائي مميز هذا كله لا يعني بالضرورة أنه الأفضل على الاطلاق أو لأنه الأكثر مبيعا إنما لتفرده في فن الرواية بصورة مختلفة تماما عن الكثيرين لكنه جاذب بشكل لافت لديه سحر وغموض في كتاباته سهل ممتنع بمذاق جديد في الالفية الثانية ، العشماوي الذي يصر على الكتابة الكلاسيكية باخلاص مبتعدا بفراسخ عن الفانتازيا والتجريب مفضلا الحكي الجذاب مع الاحتفاظ بالعمق ومع ذلك يحقق نجاجات مبهرة ولديه قدرة هائلة على التنوع والتلون في كل رواية رغم أنه أحيانا لا يشتبك بعنف مع القضايا والهموم التي يطرحها في رواياته إنما يكتفي بالاحتكك بها بقوة ليلفت نظرك إليها ثم يمطرك بوابل من الأسئلة على لسان شخصياته أو من خلال تحريك الأحداث ودفعها للأمام وهوبارع في ذلك ، لتجد نفسك قد غصت معه في عمق لكنه يتركك وحدك ربما يرى البعض أن فن الرواية يقتضي ذلك بالابتعاد عن المباشرة أو الصوت العالي مع قدرة المؤلف على التخفي وراء شخصياته لكن هناك أصوات أخرى تنتقد العشماوي وترى أن الانتصار للحكاية يغلبه ويجذبه ليضمن الامساك بتلابيب القارئ عن هذه الاختلافات وغيرها كان لنا معه هذا الحوار:
- نجحت روايتك الأخيرة بشكل لافت نقديا وصحفيا وجماهيريا ، وزعت الرواية آلاف النسخ في أقل من شهرين ونفدت الطبعة الأولى بعد ساعات من نزولها وعشرات المقالات هل كنت تتوقع ذلك كله وما مدى تأثيره على عملك القادم؟
الحقيقة لم أتوقع وفي كل عمل جديد تنتابني حالة من الخوف والقلق تزداد مع كل رواية من الروايات الثماني التي كتبتها ، رغم أن ناشري يطمئنني ومحرري الأدبي كذلك لكن هاجس غريب يطوف حول رأسي أخاف أن يكون العمل غير مكتمل وأتسائل هل كان بامكاني العمل عليه أكثر رغم أنني وصلت للذروة أثناء المراجعة التي قد تكون لمرة ثالثة أو رابعة ولو رأيت مسودتي الأولي لعرفت الفرق الشاسع بين أول كتابة وبين الصورة النهائية . في ظني أن نجاح بيت القبطية سيجعلني متوترا أكثر عند اختيار عملي القادم الذي لم استقر عليه بعد وأظن أنني أحتاج لبذل جهد مضاعف لتكون روايتي القادمة في نفس المكانة . الحفاظ على النجاح أكثر صعوبة من الوصول اليه .
- في ندوتك الأخيرة قلت أن الجوائز الحقيقية هي بعدد الحضور الضخم الذي كان أشبه بمظاهرة حب لأشرف العشماوي وكتاباته الجذابة وروحه المرحة هل يعني ذلك أن الجوائز لم تعد مهمة بالنسبة لك بعد حصولك على ثلاث منها في روايات تويا والبارمان وكلاب الراعي ؟
لا يمكنني القول أن الجوائز غير مهمة أنا أسعد جدا بالجوائز لكن ما يبقى هو حب الناس والتقدير الجماهيري لأعمالي والاقبال عليها . أنا لدي حلم منذ 2010 عندما نشرت أولى راوياتي قلت لناشري بالحرف بعدما وزعت روايتي الأولى ألف نسخة فقط في عامين وهو رقم ضيئل للغاية إنني أحلم بمليون نسخة وبأن أكون في كل بيت وما زلت أعمل على هذا الحلم وأحس أنني سأحققه قريبا بإذن الله بعد مبيعات الرويات منذ 2014 إلى الان ، وعندما أموت أتمنى أن تعيش أعمالي مئات السنين بعدي. وقتها سيقول الناس أشرف العشماوي كاتب جيد ولن يتذكر أحد الجوائز. هذا هو الفارق .
- المعادلة التي تحققها حتى الأن بنجاح كثير من التشويق والجاذبية وبعض العمق مع الحرص على الأسلوب الأدبي يجعلك متفرد عن أقرانك هل تظن أن تلك هي نقطة قوتك بالفعل أم أن ذائقة القراء تتحكم في الأمر باعتبار أن أسلوبك سلس وبسيط وسهل القراءة ؟
بالمناسبة الأسلوب السلس والسهل في القراءة أصعب في الكتابة ، لكني دعني أقول ما أشعر به أنا أدرك نقاط ضعفي ونقاط قوتي وأعرف أن لدي عامل التشويق وهو أمر أحرص عليه لجذب القارئ بالطبع لأن الكتابة الرتيبة والمسهبة تصيب بالملل حتى ولو كانت اللغة بديعة . أنا لا أدعي إنني أديب أو مفكر أنا روائي يجيد الحكي وأعمل على تطوير أسلوبي وبناء رواياتي كل مرة لا أفكر في قارىء وقت اختيار الموضوع أو الكتابة لكن بمجرد نزول العمل في المكتبة أبدأ في متابعة القراء لأن الرصاصة خرجت ولابد أن أرى هل أصابت الهدف أم حادت عنه . وربما ذائقة القراء تميل للأسهل والأبسط لكني لا أكتب بسطحية على ما أعتقد هناك بعض العمق حسبما يقول النقاد عني على الأقل . فأنا لا أجيد الحديث عن رواياتي .
- ولكن البعض يتهمك بأنك لا تشتبك بقوة مع القضايا التي تثيرها رغم خطورتها ولا تقدم حلولا ؟
وهل وظيفة الروائي تقديم حلول أو وظيفة الروائي الاشتباك والتحليل لقضايا مجتمعية ؟ ما دور الدارسات الاجتماعية إذن؟ وما دور المقال والتحقيق الصحفي . أنا أرى أن الفن الروائي يطرح أسئلة أكثر مما يجيب والفن قائم على الدهشة والتنوع ، أنا لا أشتبك بقوة مع قضايا لكني اقترب منها واكشف الغطاء عنها من خلال شخصيات وحدث داخل قالب روائي يعتمد المشهدية بالاساس ليكون القارئ جزء من العمل الذي يقرأ سطوره . ثم من قال أنني أملك حلولا أنا روائي ولست مسؤلا في وزارة خدمية .
- ابتعدت ببيت القبطية عن المنطقة التاريخية التي تحبها واجدت فيها منذ كلاب الراعي حتى سيدة الزمالك فهل ستعاود الكتابة عنها ام هجرتها مثلما هجرت اسلوب الرواي العليم مؤخرا معتمدا الاصوات السردية ؟ لا أدري .. أنا أكتب ما يلح على ذهني وعلى عقلي ما أراه مختمرا وجاهزا بحيث أشعر أنه لابد وأن يعيش على الورق ويتحرك أمامي وأراه بعين الخيال كما لو كان واقعا حقيقيا أنا أتقمص شخصيات رواياتي أعيش معهم لكن قبل كل هذا هناك سؤال لابد أن ترضيني إجاباته قبل الكتابة هو لماذا أكتب ؟ لماذا اخترت هذا الموضوع وما الذي أريد أن أقوله من وراء تلك الحكاية ؟ لو عثرت على الاجابة أبحث بعدها عن القالب الذي سأقدمه بها لأن المعالجة أو الطريقة التي أحكي بها هي البطل من وجهة نظري وقد يكون راوي عليم أو ضمير متكلم او أصوات فالمعالجة تحكمني ولا استطيع التقرير مسبقا . وإلى الأن أنا أبحث وأتأمل وأفكر وأقرأ ولو استقريت على أمر سأبدأ في كتابته وإلى أن يحدث أنا في اجازة مستمتعا بنجاح بيت القبطية حتى استقر على رواية جديدة .
- كثير من المؤلفين يغيرون ناشرهم ، ينشرون مع دور نشر متعددة لكسب جمهور وتجارب جديدة بينما تحرص على النشر مع دار واحدة منذ سنوات. هل ترى أن التغيير يضر بالكاتب أم يفيده ؟
أرى أنه يضره وأنا أتحدث عن تجربة شخصية ربما لا تفيد أخرين أنا محظوظ بناشري الدار المصرية اللبنانية وما يقدمونه لي من رعاية واهتمام بلا حدود أنا أشعر أنني واحد من ملاك هذه الدار أتعامل كأنها بيتي لا ناشر وكاتب وهم بالمثل يتعاملون معي كصديق مقرب وأخ لهم ، في ظني أن التجربة بين الكاتب والناشر كي تنجح لابد وأن يظل الكاتب مع ناشر واحد هو نوع الشراكة في النجاح يشعر بها الطرفان وأيضا استثمار في الكاتب الذي يعمل الناشر على إبرازه وتقديمه بصورة مثلى كل مرة فلماذا التغيير والبداية من الصفر مع كل عمل ؟ في رأيي ان الناشر الواحد نوع من الاستقرار مفيد للروائي.