محمد الماغوط (سلمية ،حماه 1934/دمشق2006 ) ظاهرة شعرية حديثة بامتياز في الأدب العربي الحديث وهو ليس كغيره من الشعراء الذين تخرجوا من أرقى المعاهد والكليات ولا من الذين أوصى بهم الأمراء والوجهاء إنه شاعر شحذته المواقف وتعهده الجوع وأوصى به الفقر فكان رجل مواقف وشاعر إباء خاض تجربة قصيدة النثر في وقت اشمخرت فيه صروح شعر التفعيلة برغم اعتراضات النقاد الكبار عليه ونخص بالذكر الراحل الكبير عباس العقاد الذي كان يسمه بالشعر السائب ويحيل قصائد الشعراء الشباب في ذلك الوقت من أمثال أحمد عبد المعطي حجازي ونزار قباني وصلاح عبد الصبور على لجنة النثر للاختصاص إمعانا في السخرية وفي عدم الاعتراف بهذا اللون من الشعر،أرض جديدة إذا قطعها الماغوط ،أرض بكر لم يقتحم مجاهلها رائد من قبل بمعية يوسف الخال وأدونيس في مجلة شعر وفي مدينة التجريب والمغامرة بيروت التي دخلها سرا في الخمسينات ولكن الماغوط مهر قصائده بنضاله وإبائه ورفضه وهكذا لم تعد المنابر هي الأماكن التي يتلو فيها قصائده ولا صالونات الكتاب التي يوقع فيها البيع بالإهداء بل المقاهي والأرصفة هو إذا شاعر المقاهي كما هو شاعر الرصيف ،الرصيف الذي صار له ديوان فخم في الشعر الحديث ومن الرصيف استمد لغته الشعرية فحبك بين ألفاظها بعرق الأجير وكدح الفلاح وأنات المسجون وأحلام الشباب العربي المجهضة ،قاموس شعري بسيط بساطة الإنسان المدافع عن عرضه ووطنه والحالم كغيره من خلق الله بعالم أكثر عدالة ورحمة ، المتشبث بأرضه ،وبقدر بساطة ذلك القاموس حد المباشرة يمتلك كل صفات الشعر ومعاني الرفض والتمرد والإباء والسخط وما شئت من ألفاظ الإباء وحقله الدلالي، لون كابي ونغم حزين تطالعك به دواوين الماغوط الكثيرة ك”شرق عدن غرب الله” و”سياف الزهور” وغيرهما فهو الشاعر الذي عزف مواويل الحزن والتمرد بين جنبات السجون (وقد دخل السجن أكثر من مرة) ،وشبع في هذه الدنيا تسكعا على الأرصفة فهو بحق ملك الأرصفة وإمبراطور الصعاليك ومن عرف سر صعلكته أحبها وشغف بها عشقا إنها صعلكة نبيلة فيها كبرياء وعزة ونبل وطهارة وصدق مع النفس ومع العالم ،لم يتعلم الماغوط تعليما منتظما عاليا يبرر به ذلك الإبداع العظيم الذي خلفه فقد ترك المدرسة صغيرا بسبب فقر والده ولكنه بموهبته الشعرية وحسه الجمالي الكبير استمع إلى صوته الداخلي صوت الفطرة الذي فتح بصيرته على الحق والعدل والخير والجمال فعزف أروع النوتات بين جنبات السجون وعلى أرصفة المقاهي إنه تروبادور حزين متجول يحمل كنانته ويرمي بسهام من قارص اللفظ فتصيب المقاتل منا ، إنه لاجئ في هذه الدنيا يبحث عن الحرية والخبز والنار والنور. هو ديوجين العربي الذي سكن برميلا وحمل شمعته في وضح النهار ورائعة الشمس يجول عبر الطرقات ويجوس خلال الديار سائلا أين الإنسان؟ أين العربي؟
المقهى كان منبر الشاعر والرصيف معلمه ، وللمقاهي حكاية لا تنتهي فقد قال الكاتب الإيرلندي جورج مور قبله:
“إنني لم ألتحق بجامعة أكسفورد ولا بجامعة كمبردج ولكنني التحقت بمقهى أثينا الجديدة، فمن أراد أن يعرف شيئا عن حياتي ينبغي أن يعرف شيئا عن أكاديمية الفنون الرفيعة هذه لا تلك الأكاديمية الرسمية الغبية التي يقرأ عنها في الصحف””.
وفي المقاهي العربية الحديثة ك”الفيشاوي” في القاهرة و”الرصافي” في بغداد ومقهى” تحت السور” في تونس و”ستار باكس” في بيروت و”الهافانا” في دمشق تاريخ لا ينتهي من الإبداع والحميمية والتمرد كذلك فقد كانت منابر مفضلة لكثير من المهمشين والرافضين على السواء مثلما كانت مقاهي الغرب ك “فلور” و”لي دو ماجو” و”ليب” منبرا سياسيا وفنيا وثقافيا كما هي فضاء تقتسم فيه الحميمية والدفء والفرجة. لكن الماغوط جعل المقهي ديوانا فخما في الشعر العربي الحديث وفي نصوصه لا تنقطع حقوله الدلالية.
هل كان المقهى والرصيف إيذانا بأزمة الجامعة وفشل النخبة وتحول المثقف إلى لاهث وراء المغنم والشكليات كالألقاب والمناصب ونهاية مجتمع المعرفة وطلبة الموقف والإبداع إلى طلبة الشهادة والخبز والاجترار والأمية الثقافية – وهي غير الأمية الألفبائية؟ وفي تقديرنا إن ذلك يصح كثيرا فقد انتهى دور المثقف الصانع وحل محله المثقف المتفرج ،انتهى دور المثقف المتن وتم طرده بقوة الطرد المركزي إلى الهامش وحل محله السياسي البهلوان ورجل الأعمال ولاعب كرة القدم ونجمة الإغراء ومغنية الملاهي والواعظ خمس نجوم مثل قصاص المساجد زمن عبد الملك بن مروان أو أبي جعفر المنصور !
واقع عربي محبط في كل ظواهره بدء بالسياسة التي عرفت نكبة فلسطين والخذلان العربي وانتهاء بتقسيم السودان والحرب على العراق وبين نكبة ونكبة قمم عربية للخطابة وقمع سياسي ضد الشعوب العربية جعلت أوطانها أشبه بالمحتشدات في غياب الكرامة والحريات بله ولقمة الخبز في حين تملك تلك الأوطان كل مقومات الحياة الكريمة وتكالب غربي على تلك الشعوب وعلى أوطانها تحت مسميات قمع الإرهاب تارة والإصلاحات الاقتصادية تارة أخرى وجحافل من الشباب العربي الهارب إلى الضفة الأخرى أو الساكت على الضيم إيثارا للسلامة الفردية وواقع ثقافي متسم بالشكلانية المفرطة تارة والجري وراء المكاسب والمناصب في الحكومات وقصور الثقافة تارة أخرى انتهت فيه الثقافة إلى سلم يرتقي به الموصوف بالمثقف إلى متزلف ناشد كرسي أو طالب غنيمة أو جائزة أو ميدالية أو تكريم أو ترقية جامعية أو مؤتمرا مدفوع الرسوم والتكاليف في هذه الأرض العربية اليباب وفي كل هذا التخلف وهذا الخراب كل هذه الظروف شحنت قريحة الشاعر بالشعر وملأت نفسه الرافضة الأبية إباء وشموخا على حساب صحته النفسية والبدنية وحريته الشخصية فمن السجن إلى الرصيف والمقهى ومن هذه الأمكنة التي جعلها ديوانا فخما حديثا في الشعر العربي وصل شعر الماغوط إلى كل زاوية عربية يلقى آيات القبول والرضا من لدن كل القراء.
لأنه شاعر الموقف ، شاعر الصراحة اقرأ وهو يقول عن نفسه وعن الوطن ،هذا مطارد من قبل البوليس وذاك من قبل الطامعين من الغزاة:
ولن أنام بعد الآن
في مكان واحد مرتين متتاليتين
وكالطغاة أو الأنبياء المستهدفين
سأضع شبيها لي
في أماكن متعددة في وقت واحد
لا لتضليل الوشاة والمخبرين فلقد صاروا آخر اهتماماتنا
ولكن لتضليل القدر
وإني بهذه المناسبة
أنصح هذا الوطن الخرف العجوز
أن يقوم بنفس الشيء
ولا ينام في خارطته مرتين متواليتين
وماذا يتبقى من الأوطان بعد أن بيع كل شيء تحت مسمى الخصخصة والشراكة مع الأجانب وفلول الإقطاع والفساد وأمجاد التاريخ الغابر:
كل ماحولنا يتصدع ويتداعى
أين الأنقاض
هل باعوها سلفا؟
ربما كان التمرد العربي ومقاومة الاستعمار والبغي هو الصفحة الناصعة في تاريخنا العربي المملوء بالانكسارات والخيبات والخيانات كذلك ولكن حتى الشهداء لم يسلموا من الضيم ومن الخذلان ومن التحريف ومن انتحال مجهودهم والتلاعب بدمائهم الزكية:
الشهداء يتساقطون على جانبي الطرق
لأن الطغاة يسيرون وسطها
وللحرية حضور الأسد في دواوين الماغوط فهو شاعر الحرية كما هو شاعر الرفض والسخط والكابية والحزن ومن خطب الحسناء لم يغله المهر كما قال شاعرنا القديم .الحرية التي مارسها في الإبداع فتمرد على عمود الشعر ثم على شعر التفعيلة وتمرد على فخامة اللفظ ونصاعة الصور الشعرية واختار جمهورا من الناس هم العامة أولا فقد عهدنا الشعراء يتوجهون إلى خاصتهم تارة بالمدائح وتارة أخرى بالغزل الذي أوجعوا به رؤوسنا أما هو فيوميات العربي وألفاظه :السجن، الخبز، التحقيق، البوليس، الحب، الله، الرصيف، القهوة، الكرسي، الخريطة، الخوف، الجوع، العري، الاستغلال……..:
كلما أمطرت الحرية في العالم
سارع كل نظام عربي إلى رفع المظلة فوق شعبه خوفا عليه من الزكام.
لقد فك الماغوط شيفرة العلاقة بين الشاعر والحاكم – وقد فعل كثير ذلك وابن بلده نزار خير مثال – فلم تعد العلاقة دلالا وغنجا في حضرة الحاكم لقد عهدنا الشاعر القديم يقوم بالتدليك بأشعاره لجلدة الحاكم ولعل هذا ما جعل نقاد التاريخ العربي من مستشرقين يقولون بتفاهة كثير من الشعر العربي لأنه لا يخرج عن مدائح لم يفعلها ديوان شعر أمة من الأمم فاسمع جريرا يقول لآل مروان:
يا آل مروان إن الله فضلكم فضلا عظيما على من دينه البدع
أو:
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمـــــــين بطون راح؟
واسمع الفرزدق يقول في الوليد بن عبد الملك:
صلى الذي الصلوات الطيبات له** والمؤمنون إذا جمعوا الجمعا
إن الوليد أميــــــــــر المؤمنين له** ملك عليه أعان الله فأينعــــا
وأعشى همذان يقول كذلك في الحجاج الذي قال فيه عمر بعد العزيز: “لوجاءت كل أمة بطغاتها وجئنا بالحجاج لرجحناهم”:
إذا وعد الحجاج أو هم أسقطت** مخافته ما في بطون الحوامــــــل
بسيف به لله تضرب من عصىعلى قصر الأعناق فوق الكواهل
ويقول مرة أخرى بكل وقاحة:
أبى الله إلا أن يتم نــــــــوره ويطفئ نار الفاسقين فتخمـــــــــــدا
فما لبث الحجاج أن سل سيفهعلينا فولى جمعنا وتبـــــــــــــــددا
ويقول الشاعر ربيعة بن عامر الدارمي:
ألا ليت شعري ماذا يقول ابن عامـــر ومروان أم ماذا يقول سعيد؟
بني خلفاء خلفاء الله مهلا فإنـــــــما** يبوئها الرحمن حيث يريـــــد
إذا المنبر الغربي خلا ربـــــــــــــــه** فإن أمير المؤمنين يزيــــــــد
وأبو تمام الذي مدح أميرا مرة بقوله:
إقدام عمرو في سماحة حاتم **في حلم أحنف في ذكاء إيــــــــاس
فلما استدرك عليه الكندي عدم بلوغ المشبهين بهم رتبة المشبه استدرك الشاعر عفو البديهة:
لا تنكروا ضربي له من دونه ** مثلا شرودا في الندى والبــــاس
فالله قد اختار الأقل لنــــــــوره** مثلا من المشكــــــاة والنــبراس
وانتهاء بابن هانئ “متنبي الغرب” الذي بذهم جميعا في السفاهة والتفاهة فقال مخاطبا المعز لدين الله الفاطمي:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار** فاحكم فأنت الواحد القهار
فكأنما أنت النبي محمد** وكأنما أنصارك الأنصـــــــار
علاقة أساسها التدليك والنفاق من قبل الشاعر والتكبر من قبل الحاكم والطغيان وبذل أموال بيت مال المسلمين لهؤلاء المرائين ولهذا تغيب الجماهير في الشعر العربي ، يغيب الكادحون والفقراء ويحضر الملوك واللصوص والأغنياء والجواري والراقصات وهي ظاهرة تصم كثير ا من الأشعار العربية وإن عجبت فاعجب لمن يتشدق بحفظها والإشادة بفخامة ألفاظها وروعة صورها بل ويؤلف فيها الكتب والرسائل الجامعية وهي بذاءات وهراء ساهم في تخلفنا الحضاري ولعله مرض الشعر وقد حلل الراحل علي الوردي هذا المرض في كتابه البديع “أسطورة الأدب الرفيع” كما تناول أمراض الشعر الكاتب والناقد عبد الله الغذامي في تحليله الرائع للأنساق الثقافية وبعض المنجز الشعري أو النثري العربي يصدق عليهما قول الشاعر القديم:
تلك المكارم لا قعبان من لبن** شيبا بماء فعاد بعد أبـــــوالا
وقد روي أن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز كان يحب أن يتمثل بهذا البيت فهل كانت ذائقته الشعرية استثناء كما كان حكمه كذلك استثناء بعد الخلفاء الراشدين؟ ولم يسمح للشعراء المتملقين بالدخول عليه.
فالعلاقة بين الماغوط الشاعر والحاكم العربي أيا كان علاقة يحكمها التوتر والتمرد والسخط ولو على حساب اللقمة والحرية مضحيا بكل الامتيازات التي يجلبها الولاء هاهو يخاطب ابنتيه شام وسلافة :
معظم المبدعين والثوار العظام
يحملون أطفالهم مسؤولية التنازلات المتوالية
أمام الرغيف
والحذاء وقسط المدرسة
والدروس الخصوصية
وثياب العيد
وحبكما علمني تحمل الجوع والعطش والألم
تحت الشمس والمطر والثلج والمشانق
والصمود أمام المقابر الجماعية ودبابات الطغاة
نكهة السخرية مع اللون الكابي ونيران السخط وألفاظ التمرد هي مايعطي لشعر الماغوط السياسي سحره وألقه وجاذبيته واندغام القارئ في ثنايا نصوصه إنه يجد نفسه الموؤدة وروحه المغتصبة وحقوقه المهضومة وحريته المغيبة اقرأ سخريته من الأداء الحكومي العربي:
وشكلت حكومة ظل وطوارئ ورشحت لها
كل أنواع الورود في العالم لوزارة الشباب
والقمر لوزارة الكهرباء
والمطر لوزارة الري
والسنونو لوزارة المواصلات
ونسرا لوزارة الخارجية
وببغاء لوزارة الإعلام
والرياح لوزارة التخطيط
وسكيرا لوزارة التربية والتعليم
وغجريا لوزارة الإسكان
وأبو النواس لوزارة الأديان
وأبو السياف للسياحة
والحجاج لوزارة العدل
وطفلا لوزارة الأعياد والأراجيح والحلوى
وأبو هريرة أمينا عاما للحزب الحاكم ولمجلس الوزراء
ولاتحاد الكتاب والمعلمين والمهندسين والعمال والفلاحين ولأي اتحاد أو نقابة أو مؤسسة فيها سر من الأسرار
ويأخذك العجب كل العجب أن تسمع بأشكال القمع والرقابة ثم تجد هذا الزخم من الإبداع والاعتبار والقيمة ونحن لا ندافع عن أحد ولا نزكي نظاما ولكننا نحار فيمن يتباكى على الحريات في الشام من إخواننا العرب في حين يعيشون في دياحير العصور الوسيطة بالنسبة للحريات الأساسية ولعل المثل العربي ينطبق عليهم “من كان بيته من زجاج فلا يرمي الآخرين بالحجر” نقول هذا لبيان جودة الإبداع في الشام وصدقه مع ما يعاني الشوام مثلما يعاني العرب جميعا من تضييق وتقتير وخنق وعسف وفساد.
لكن الماغوط الرافض الذي لا يساوم على موقفه اضطرته الأقدار إلى العمل الصحفي في دولة نفطية وهو الشاعر الذي قال مرة: “قبر مفتوح على البحر ولا قصر في الصحراء “إمعانا في نقد ثقافة النفط والسطحية اضطر إلى قبول العرض فلما روجع في ذلك كيف يقبل هذا المنصب قال ساخرا:” الفم يساري والمعدة يمينية “وعاد لانتقاد جائزة نفطية سخية القيمة كان قد نالها. إن هذا لا يشي بسلوك الشاعر ولا مواقفه التي لا يساوم عليها ولكن يكشف فاجعة الملتزم والنزيه والمسئول عن شعره ومواقفه كيف يغدو مسمارا تطرقه مطارق الحاجة والعوز في وطننا العربي.
وتعد فاجعة رحيل زوجته سنية صالح 1935/1985فاجعة إنسانية وشعرية بامتياز فالشاعر المحب لزوجته أم بنتيه شام وسلافة والمقدر لعاطفة الحب والوفاء الزوجي سيظل جريحا كالصقر فقد سقط جدار كان يِلوذ به في صحراء الحياة وترك في وجدانه لهيبا وسيظل يندبه لأخر رمق، هل اتفق القدر على الشاعر؟:
آه ياحبيبتي
الآن يكتمل جنوني كالبدر
كل أسلحتي عفا عليها الزمن
كل صحبي تفرقت
وحججي فندت
وطرقي استنفذت
ومقاهي تهدمت
وأحلامي تحطمت
وقصيدته في رثاء زوجته الشاعرة سنية صالح”سياف الزهور” من أجود المراثي في الشعر الحديث لانحس فيها إلا بلهيب الحب وزفرة الأسى وأشواك الطريق، كما تتشمم بحاستك الشعرية والإنسانية مشاعر الوفاء والاعتراف والولاء للزوجة الحبيبة.
وفي علاقة الشاعر بالمرأة علاقة أساسها الاحترام والمحبة والوفاء والموقف والروحانيات الأكثر جاذبية وإغراء في المرأة والتي تعين بصبرها وإخلاصها وفكرها ومواقفها على السير بصمود في صحراء الحياة على العكس تماما من نزار الذي كرس مرضا ثقافيا في غزله لايفتن إلا المرضى والمقموعين جنسيا ومن يعانون من داء الغلمة “إنه نسق الفحولة” كما يسميه الناقد السعودي عبد الله الغذامي شاعر دون جوان يتباهى بفتوحاته في أجساد النساء وقد أنتج هذا الركام من القصائد فشكل صالونا نسويا في شعره قراؤه نساء وطقوسه الغنج، والتفاهة، والسطحية والشبق والميوعة وفحيح الشهوة
اقرا إحدى إنجازاته الشعرية:
لم يبق نهد أسـود أو أبيض
إلا زرعت بأرضه رايــاتي
فصلت من جلد النساء عباءة
وبنيت أهراما من الحلمـــات
يا سلام على إنجازات الشاعر وفتوحه ماذا نفعل نحن- العرب المقموعين والجوعى – بهذه الحلمات وفيم تفيد أمتنا؟ ومع احترامي لقامة نزار الشعرية ومواقفه الشامخة فهذا الكلام ابتذال وسخف وسطحية ورداءة.
وهذا ماجعل الشاعر السعودي غازي القصيبي يقول إن نزار انتهى منذ زمن وظل يكرر نفسه على طريقة رامبو 1 ورامبو 2 ورامبو3 وليس في هذا غض من قيمة الشاعر فنزار قامة شعرية وقصيدته في رثاء زوجته بلقيس من عيون شعر المراثي في الأدب الحديث وقصائده السياسية ومواقفه إكليل غار على جبينه ولكن لا داعي للتعمية والمبالغات لأهداف تجارية أو مشبوهة من قبل بعض الجمعيات النسوية أو الحركات الثقافية أو الاجتماعية التي لا تعرف الكوع من البوع.
ولا يكتمل الحديث عن الماغوط الشاعر والإنسان دون الحديث عن الماغوط المبدع في المسرح السياسي الذي له فيه صولات منذ “ضيعة تشرين” و”غربة” وهي نصوص تتميز بالسخرية مع مواصلة روح الاحتجاج ونفس التمرد والرفض تماما مثلما كتب في نصوصه الشعرية.
سلام لروح الماغوط الشاعر الإنسان والذي أظنه يسخر منا جميعا من مرقده الأبدي وسلام لروح الشاعرة سنية صالح التي قضت بالسرطان وتحية شامخة باذخة للشام الذي أمطر أرض العرب بسحائب الفكر والفن والجلال من لدن جمال الدين القاسمي وميشال مغربي وجورج صيدح ومحمد الماغوط وأدونيس وزكريا تامر ولؤي كيالي وياسر العظمة ويوسف العظمة ومحمد سعيد رمضان البوطي وعبد السلام العجيلي وممدوح عدوان وحنا مينة وصباح فخري ودريد لحام وعبد الباسط الصوفي وسعد الله ونوس والطيب تيزيني وصادق جلال العظم ونزار قباني وعمر أبي ريشة وكوليت خوري وبرهان غليون ومنى واصف على سبيل الذكر لا الحصر.