عبد اللطيف رعري:
البُعد لي ..
القُرب لك ..
فمن يطوي زمن الأحاجِي بيننا …؟
السّماءُ
لها تسلسُلها الضّوئِي..
لهَا حظّها مِن المدّ
ومَا تنسَّمهُ الرّيحُ جزرًا
لها مَقامات بوجهٍ طلقٍ ,وبشاشةِ
الأنبياءِ ..
لها أدراجًا شاقولية المَدى
لإخفاءِ هندسة الحرفِ
عن مَعناه..
لها أغْصانها تزهرُ بقُلوب العذارَى
تَحتفِي بِمواسِم الألوانِ
وترْسمُ
بالأحْمرِ مَسارًا للذِّكرياتِ..
لَها نِصفُ التُرابِ مقْبرة
لِلجَوعَى..
ونصفُها مائيٌّ تسكنهُ البلوَ ى….
السّماءُ….
حزْمة نارٍ أكلَ الفَضاءُ وهجُها
فَرمَّدها..
وَدخَّنها…
فَصار المُطلقُ فِيها اسِتثناءًا…
وصَارَ الاستثناءُ
بغيرِ
اسِتثناءٍ ..
البعدُ لي .. والقربُ لك…
فمَن يطوِي زَمن الأحَاجِي بينَنا …؟
الأرضُ..
تعجُّ بالافتراضِ …
هي البِدايةُ وهي النِّهايةُ
جَوفُهَا النّارٌ
وسَطحُها النّارٌ…
وابنُ الطَّريقِ على لوحِها
بالذُعر ِ
ينْهارُ …
لها منَ الوحَلِ تاجٌ لِملوكٍ تَكهّنُوا
بدَوامِ العزَّةِ
فَحفرُوا قبُورَهمْ
بِسبابةٍ عَارِية
يُشِيرُونَ بِها إلى رَحبةِ الإعْدَامَات
يومًا… مَا
زَارَهُ الطُوفَان
فَضاعَ المُلك مَع الوَحلِ
وكذبت سيّدة النّهر توالِي الأحْكامِ
اسألُوا الجدَّات عَن نجْمةِ
سليْمان ..
لمّا تلقّفهَا طائرُ القصْرِ …
اسألُوا الجَدَّاتِ
حِينَ مَرّت قَوافلُ النسَاءِ
مَعصُوبةَ العُيونِ…
والغُرابُ يرْمِي الوادِي بحَصَى البرِّ
البُعدُ شَجرةٌ أبديةَ العَراءِ…
مخْمَلية الرائِحةِ كالقِدمِ …
شَجرة عَدميَّة
جِدعها خيالٌ محتَّلٌ…
وأوراقُها فراشات ميِّتة
حينَ يتخلَّلها البردُ تصمتُ فتنامُ …
البعدُ مسَافات مجَازِية
يرَاها الهَاربُ ماءً
وأرَاهَا أَنا
كَوْمةً من ضَوءٍ شَارِدَة..
لَكِن
وحْدي أسبحُ في هذِه المَتاهةِ
مُنذُ بِدايةِ الشَّكِ…
أنا صانعُ البعدِ
أحْرقُ الماء
وأسحبُ الضَّوءَ من خَطواتي المُسرعةِ
أقِفُ ساخراً
من ابنُ الملكِ حينَ يقلِّدُ أباه
وتخُونهُ أناهُ…
أقهقهُ في صمتٍ معَ الحَريمِ
حتّى أخر الموتَى…
هذَا البعدُ
مِشوارٌ مَكانِيٌّ فاشِلٌ
وخَطواتي ثَقِيلة
ويدِى تمسكُ ظلاً ليسَ ظلِي
فمنْ يوقفُه عن الهروبِ كلَّما اقتربتُ منهُ مَجازًا.. ؟
البُعدُ
ولَمعانُ الثّلجِ
ينتَهيانِ في فَمِ مَوجةٍ
لا يسْحرُها الشّط
فيحتَرِقا….
البُعدُ
شُعاعٌ
نتج عنْ احْتكاكٍ بينَ صخْرةٍ وَعينٍ دامِعَة
فتفرقَ بلا حُدودٍ
اليدُّ الخشنةُ تسحقُه بين قبضةٍ
وقبضَة
ولا يسيلُ من بين الأصَابعِ
إلاَّ دخانَ الغيمة
القربُ
هو أن تمْسِد ظهرَ النَّهرِ
فَينامُ بينَ يديكَ
لِتستحمَّ ساعَة علَى بِساطِ المُستحِيلِ
رَغبة فِي القيامِ
بثورةٍ
منْ
تحتِ
الماءِ
القربُ هو انشِطارُ قاطِرتِي
إلى فُصوصِ رَمل تحتَ زحمةِ المارّة
هُو
تحلُّل الأجْساد المُتهالكةِ
إلى مُضاداتٍ سامَّة تقتلُ الألفةِ
هُو
انفِجارُ موجةِ قُربَ زوْرقٍ
مِن وَرقٍ
قدرهُ حملُ ذِكرَيات
الطِّفلِ السَّاكنِ في الجسدِ إلى الأبدِ
البُعد لي ..
القُرب لك ..
فمنْ يطوِي زمنَ الأحاجِي بيننَا …؟
عَفوًا لا البعدُ لي ولا القربُ لك
مُجرَّد هذَيان بعَظمةٍ واهِيَّة …
عبد اللطيف رعري/فرنسا