القاص والروائي كاظم ألأحمدي :في القلب والذاكرة
*قصصي قد تتشابه ولكنها لاتشبه سوى نفسها
*أتعلم من ألأدباء الشباب مالم اجده في فترة شبابي .
حاوره: مقداد مسعود:
*قبل أيام اتصلت بي الفاضلة ألعزيزة ألأخت أم ضحى رفيقة درب أستاذي الكبير القاص والروائي كاظم ألأحمدي وأول من يقرأ نصوصه ويحاوره،لتبشرني انها عثرت ضمن الأرث ألأدبي على أوراق بخط ألأحمدي يجيب فيها على اسئلة كنت قد وجهتها له ومعها أسئلتي ومقدمة الحوار وهما مطبوعتان بطابعتي الشخصية .وكان ذلك مع بداية الألفية الثالثة..أخبرني أستاذي ألأحمدي ونحن في مقهى (سيد هاني) انه أجاب على أسئلتي ولكنه سيحتفط بها ريثما تطبع مخطوطاته الروائية التي كان يعيريني اياها وهي مكتوبة بخطه ألأنيق..
*لايسعني ألأ أن اتقدم بجزيل شكري للأخت العزيزة الست أم ضحى،وهي تسلمني هذه ألأوراق مانحة أياي حق نشرها..
القسم ألأول- القصص القصيرة
*قبل سنوات التقيت بأحد مجايليك،قرأ لي أبياتا من قصيدة نسبها اليك..متى بدأت الشعر؟لماذا هجرته الى القصة؟ هل ضاقت بك القصة فأنتقلت الى الرواية؟
– كان بودي أن تذكره لي،حتى أجدد معه الذكريات.أن الذكريات طعم لذيذ،بل مسكر،في هذه المرحلة أعيشها..أشعر أنني بحاجة الى تجديد الحياة.نعم لقد أحببت الشعرحبيبا،وربما كتبت شيئا شبيها به..ملأت به دفاتري المدرسية وكتبي ووصل بعضه الى الطرف الثاني،كنت أسمعه كالموسيقى وكالغناء وكاللعب ولكنني فجأة أيقنت بأنني لم أخلق للشعر،في طبعي ثمة ميل الى الرياضة.كرة القدم خاصة وكذلك الى الخط والرسم وأشتركت في معارض الطلبة الفنية وانجزت الكثير من النشرات المدرسية،بتصاميم جميلة،فكانت فرصة أن ادس فيها شيئا من الشعر والمقالة والقصة،من أنشائي ومن أختياراتي وألفت مسرحيتين وكما عرفت انت أن لي(قصيدة عند صاحبك) فأنا أحد طلابي فاجأني بواحدة منها لما قرأتها،خشيت أن تكون من محفوظاتي،اذ انها تقترب من حيث اللغة والصور الى شعر نزار هذا الشاعر الذي ملأ ميعة الشباب بنقاء روحي كنت مولعا به،وبقدر ماحاولت الخروج من(جنته) ورأيت أن ماقلته من شعر ليس سوى سذاجات جميلة ،لقد ضاعت كلها تقريبا،ومن حسن الحظ وربما من سوء الحظ ايضا، كان النثر يرافقني:كتابات أنشائية ورسائل وخواطر،كتابات قصصية،تقترب الى حد الحكايات الشعبية الموروثة..وبالمناسبة كنت أكسل طالب في فن المحادثة المدرسي،الذي كنا نتعلمه في المدرسة ألأبتدائية 1948-1954كانت جدتي وأبنتها الكبيرة تحشوان دماغي طوال الليل بقصص وأساطير قديمة،لكي أحكي واحدة أمام الطلاب ..غير انها تتبخر صباحا عند شروق الشمس ولم يبق منها سوى ظلال معتمة،وأمام الطلاب كنت ألفق القصة وأكثر ماتحيرني تلك النهايات الفاجعة:الموت ،الضياع،غيرأن بعض الطلاب يكتشف مناطق التلفيق- الفجوات – فيعترض السرد بسرد آخر،أكثرانسايبية وقناعة وفي الثانوية كان تلفيق القصة أكثر جودة،لأني صرت أكتب،فأمتلأت زهوا بالكتابة،فكتبت الشعر والقصة والمقالة والمسرحية والخاطرة والرسائل..
أظن المدرسة الثانوية،لم تستطع تنظم فكري،لكن في المرحلة الجامعية، تعلمت كيف أستطيع أن أعيد بناء فكري أدبيا الى حد ما،فأنصب اهتمامي بالشعر والقصة،غيرأنني لم أفكر أقتحام الساحة ألأدبية،ألأ في منتصف الستينات،أذ قدمت مجموعة من القصص للدكتور داود سلوم وهو الذي رآني كاتبا قصصيا،فكتب مقدمة قصيرة،مازلت احتفظ بها،على رغم من تلف المجموعة القصصية،ثم انقطعت وعاودت النشاط ألكتابي في أثناء الوظيفة وفي هذه المرحلة ازداد الشعر كأنه تفجر، وكانت القصة لاتجاريه وانما على استحياء كانت تمشي معه، لاأدري كيف أكتشفت ثانية ان القصة هي العالم المناسب لطبيعتي وفي لحظة مشرقة دخلت عالم القصة القصيرة وأنا أمتلك التجربة ،والخبرة والثقافة وألأدوات وتاريخ القصة العراقية والعربية وشيئا من الثقافة الغربية،بمعنى دخلت بعدة،لم أفكر في أن المساحة ضيقة من حولي،،ولا أنها ستضيق بي،وأعتمدت القدرة ألأدبية ، لاالعلاقات وألأتصالات،وقد قطعت مجموعتي ألأولى(هموم شجرة البمبر)،المسافة الفاصلة بيني وبين القراء والنقاد بأسرع وأثبت قدم،من دون أن يصيبني منها خجل حتى هذه اللحظة،وعلى الرغم من توالي نتاجاتي فهي ماتزال حبيبة بل حبيبة بكر،يمكنهاأن ترتدي ثوبا عصريا،ولن يؤثر عليها مرورخمس وعشرين عاما،وفي هذه المرحلة،ولدت روايتي ألأولى(أمس كان غدا) وولادتها ليست مفاجأة بل كانت طبيعية جدا،لأنها تحمل ثمار شجرة البمبر وها أنت ترى…أن المرحلة من الشعر الى الرواية،رحلة اكتشاف الذات الكونية،ليس هجرة ولاضيق بل هو العالم الفسيح ،ففي القصة وجدت ذاتي أكثر حرية،واني تمكنت من أن أخرج رأسي من نافذة الفضاء وليس فوق رأسي قمة أخشى ظلالها،وبأمكاني أن أنتقل في هذا الفضاء بحسب ما أستطيع من فتح النوافذ المضيئة.
*كيف تتصل بموضوعاتك القصصية؟
– بألأحرى ألأتصال بالقصة وبعدئذ تخلق القصة موضوعاتها..سأقول لك..طبعا لا أفكر بالموضوع، ان التفكير بالموضوع يسقط القصة في النثرية المقالية، التخطيط للقصة يخفق اللغة ايضا،ذلك يجعلها وثيقة ..نصا قانونيا ..مفكرا بصياغته كالقصيدة الوعظية،أعني أنني لااقول سأكتب،كما لو أن احدهم يملي علي واجبا او فرضا امتحانيا،غير أن
لحظة وعلى ألأكثر لحظة وجود الذات الكاتبة الفاعلة التي تخترق الكيان والكون،أرى القصة تنبثق كالخيوط الضوئية،تحيطني من الداخل،وأنا وحدي أكون في الداخل أيضا،بمعنى العيش فيها وعليها وأليها،وسأقول لك:أصبح مأسورا ومأخوذا ومعزولا،أنها تخنقني تمحو علاقتي بآلأخرين،فأرى الى نفسي تجلس الى منضدتي،وقلمي يكتب واوراقي تضحك وتبكي،أعتقد أن عالم القصة،عالم أعتقادات متكررة ولكن بما فيه من منغصات حياتية،فيه أيضا ملذات يستلذ بها القاص،يعيش خلالها،أنه يتحول الى كائن علوي انعزالي،وعدا أولئك الذين يراهم بنور عقله،لايوجد شىء آخر،كائنات أليفة بحميمية،ولكن بوحشية أيضا بأنانية قاهرة أذ انها تتملكه كما يتملكها،تخلقه كما يخلقها،تريده،تجذبه تعذبه، وماأن يوجها كاملة،يراها تفتح ثغورها،لتطرده وهو يتمسك بها في هذه اللحظة،أظنني قد فكرت في الموضوع،أعني في تكاملها ومايأتي بعد ذلك لاأهمية له، أوأنه يضفي عليها مسحات جمالية،كأن لااريد لها أن تتماثل وغيرها في حسنة أو صفات معينة.لاعن قرب كأخواتها ولا عن قرب كالأخريات،أرتني التجربة الفنية،أن القصة كائن حي يتغذى على طاقتي فكريا وفنيا،وكلما شعرت بروح انتماء الى هذا الفن،تفترب القصة لأن تكون أنسانية،تأخذ صفاتي،تراني فيها..أرى نفسي فيها ورؤيتي لها أعمق، لابمعنى القراءة واعادة القراءة وانما بمعنى ألأحاطة الشاملة بكينونتها.
*الى الجملة ألأولى في القصة..متى تصل؟
– قبل الجملة ألأولى،دعني أكشف لك الحالة،أعيش في فراغ ذهني ثقيل،جهل يشير الى عدم المعرفة،عدم التجربة،عدم الحياة،فأكون أشبه بأنسان يحاول أن يتعلم رؤية ألأشياء،يكتشف ألأشياء،في هذه المرحلة،أميل الى المحادثات والمحاورات الطويلة المملة مع نفسي مع قصص الكتاب آلآخرين،ومع قصصي ايضا،فيملؤني العجب وألأندهاش،أنني مازلت بمقدوري قراءة رواية كبيرة ،تعرف الطرق والمنعطفات وآلآدميين والحيوانات وألأشجار،وأعرف كتابة الحروف الناعمة والخشناء،ولكنني لااعرف كتابة القصة،كتابة القصة التي كتبتها،يعسر علي تذكر اللحظة الخلاقة،لكنها فجأة تأتي، ليس كالولادة وانما كخروج سويق نبته من باطن ألأرض،تفذف ضوءا،تخترق الفراغ المحيط بي وبذهني،عندئذ تشتعل أولى رائحة بركانية،فأشعر بألأحتراق الداخلي،كأمر أكتب الذي يقابل ألأمر السماوي – أقرأ- فأكتب ربما وانا ماشي،ربما وانا نائم،ربما اقطع حديثا،او درسا،فماالذي أكتبه،لاتظن بأنني سأكتب القصة،ابدا،وانما سأكتب الجملة ألأولى،السويق ألأول.سأخدعك لو قلت أنني أستطيع ألأحتفاظ بالجملة- السويق:لأنني كما اتذكر الحالات،غيرقادرعلى أن احميه من ثورة البركان الداخلي،فأحيانا اراه يذبل فيموت،ويتولد غيره، ويذبل هذا ويموت،وتكثر الولادات كثرة أعتباطية حتى يجد قلمي(طريقه الى عالم القصة) لااريد ان اقنعك بمثل هذه الصورة،أو بغيرها ولكنني لست أمينا على الجملة ألأولى،لأنها تتعرض احيانا الى ألأهمال، واحيانا تتشظى، فتصبح كمفاتيح ابواب مدينة واحدة،تدخلها من ايما جهة تشاء،وألأفضل أن
تحدد الطريق ألأسهل الطبيعي لكي تكون (أنت)،الوحيد الذي يرى..جمالها او خرابها،ووحيدا من دونما صحبة،من دون دليل،تكتشف بألألهام القدسي عالمك الخاص.
*من يشاركك الكتابة؟
– من يشاركني الكتابة؟ لقد قلت لك أنه(هو).. فمنذ أن عرفته،يميل الى عالم القصة،حرا بلا قيود،قادرا متمكنا من خلق كائنات،لها صورة وملامح ألأحياء،الى آلآن يكتب القصة ويجيد سماع صوتي،ولايكاد يفلت منها نأمة،أنه يعيش معي أثناء الكتابة،وينفصل عني في غالب اوقاته،ولكنه يظل ملازما اياي،شأن الند للند بتلاحم والفة،وبصراع وفرقة،أنا وهو نقيضان/متجانسان،يغلبني اذا عربد طبعه،ويحثني على الصراخ،ان سمع الصمت الداوي،بأروع انواع الصراخ،اقول لك انك تستطيع ان تعرف أينا هو آلآخر- الشريك،وأينا الذي يكتب ويقول أو يصرخ او يتكلم،في اثناء العمل، الفرق بيننا،أنا ظاهره وهوباطني،له قابلية الغياب والحضوروالبقاء- ذلك هو كاظم ألأحمدي نفسه.
ولو انك قلت لي من يشاركك القراءة،القراءة فعل ارادي بخلاف الكتابة،لقلت لك أولا زوجتي فهي مجس كتاباتي ألأول، ولها قابلية الرقابة، بل أشد من الرقيب آلآخر،وكثيرا ما أشعر بقيودها الذهبية،غير انني اتمرد عليها،كادت تقتل(أمس كان غدا)،خوفا على شيخوختي….
ويأتي بعدها ألأصدقاء الذين يقرأون القصص،من غير القاصين،وهم كثيرون،ولكنني سأذكر صديقي واخي الكاتب والناقد محمد جبر،الذي لولاها لما خرجت روايتي ألأولى،فقد قراءها نهارا كاملا،واذكر ساعة انتهائه منها اذ طوقني فرحا بألأنجاز،ولاانسى معلمي الجرأة وألأصرار الصديق جياد تركي،كان ذلك قبل خمس وعشرين عاما،وآلآن أكثر من يقرأ لي الناقد المسرحي صديقي حميد مجيد مال الله وانت يا مقدادمسعودوآخرون..أعتقد لاضير ان يعير الكاتب،نتاجاته للآخرين لأنهم سوف يرونها او قل يعرفونها او قل يكتشفونها،بمعنى يدخلون الى عالمها،لأني واثق بأنهم يجيدون التمتع،يقتنصون اللذة، وانك تخلق لهم كائنات حية.
ولو دمجت الفعلين معا،الكتابة والقراءة، لوجدت ان العملية،في ألأصل،شركة بين القاص والقارىء ،أن اجمل صورة لي تلك التي اراها في عيني قارىء،قد شاركني في صياغة العالم القصصي الذي اعيش فيه ككاتب أو القارىء الذي يكتشفني في اثناء الحياة التي يعيشها هو،لاتظن أن ماقلته محض امنيات..أنها حقيقة..ولكن قد يكون من الصعب ان تراها بعينيك.
*هل يستدرجك الى الكتابة،الحدث او الشخصية اوسبب آخر غيرهما؟
– أنا لاأمارس الكتابة بشكل متواصل،ربما أفعالي القرائية أكثر من أفعالي الكتابية،والكتابة عندي من ألأفعال المتقطعة،كما أنني لم أعتد على كتابة اليوميات والمذكرات،وألأحداث،بمعنى ليس لدي معمل انتاج،ولاأخطط للأعمال،غيرأنني لاأنكر ما لذاكرتي من قدرة على رؤية ألأشياء،فيها ثغرة ملآى بما يمكن أن تدعوه بالمحفزات الكامنة..يتجمع فيها كل ما ينبغي أن يكون صالحا للحظة الكتابة بأعتبارها ذاكرة كاتب،لذلك،لاأعرف ما الذي يستدرجني الى الكتابة، غير فعل الكتابة ذاته،لقد قلت لك:أحيانا أمر بلحظات أشعر فيها أن كل شيء قد أنتهى، وأنني لاأستطيع ألأستمرار..بل أن ما كتبته لاأستطيع أن أكتب مثله أو غيره، ولكن تأتي لحظة الفعل،فأنشط نشاطا غير أعتيادي،قد يمسك بي الحدث أو تمسك بي الشخصية أو الفكرة أو تمسك بي القصة بكاملها،ربما يستدرجني رنين عبارة،الجملة ألأولى،ألأفتتاحية،لحظة ألأنفلات، أعتقد أن تعبير الوخزة ألأبرية،أكثر ملائمة،فأجد القصة،وهذا لايعني أن الحدث لايؤثر بالكاتب،أو رؤية شخصية لاتجعله مذهولا بتراكيبها،لكن البناء القصصي،اذ أنني كثيرا ما أراه قائما،امام عيني ،يجعلك الدخول أليه،أقرب وألصق بحقيقة أكتشافاتك له،بالمناسبة،ثمة كتابات قد تنتهي الى ملف المهملات،لأنها خالية من قوة الجذب.
*بعضهم..يرى أن قصصك متشابهة من الناحية التقنية؟
•-سأكون أنا أكثر منك جرأة،فأتهم البعض بالتحجروقصورالرؤية/ هذا البعض يقرأ من خلال قراءة النقاد،بمعنى أرتضى لنفسه أن يسمع ويقرأ.لا أن يقرأويكتشف،وعندي أن القراءة تسبق النقد.
لقد قرأت سؤالك مرتين وثلاثا.
ان كلمة(بعض)تمثل هروبا نثريا عن مضمون السؤال، وكأنك لاتتحمل مسؤولية قوله،لذلك أرجو أن لايكون سؤالك هذا مطبا،وقعت فيه أو أن توقعني معك،لأن كلمة(التقنية) التي هي نتيجة أو حصيلة للمشابهة المزعومة،ذات دلالة مبهمة،فهي تترجح بين(قنن) وفي هذه نجد القانون والقوانين،ألأصول،وليست عربية،ويقن واليقين العلم وزوال الشك،يقال منه :يقنت ألأمر وأيقنت وأستيقنت وتيقنت،وربما عبروا عن اليقين بالظن،وبالعكس،على أن لغتنا المعاصرة أستعملت كلمة – التقنية – استعمال الغرب لكلمة التكنيك،أن قولة سؤالك(متشابهة من الناحية التقنية)قد يراد بها أو انها توحي بالرداءة أو النمطية،في هذه الحالة يكون من اللائق أن لاتلقي علي السؤال من دون ألأشارة الى القصص المتشابهة،وأن كنت تريد كل القصص،فلا بأس بالجرأة التي بدأت بها ألأجابة،أنك لم تقرأ قصصي، وانما عمدت الى اظهار رأي اعتباطي،ان قارئك سوف يقول لك،اذا كنت ترى هذا الرأي،فلم اذن تلقي عليه تلك ألأسئلة عن البدايات..وألأعمال.. وقد ترمي كلمة(تقنية) بالجودة بمعنى ألأكتمال والقدرة والتمكن والصياغة ،وفي هذه الحالة،لاحاجة لك بما يرى بعضهم،العبارة التي تصدرت سؤالك،لأن البعض،قلة،فلا يشكلون في الحالتين رأيا سليما، اتمنى عليك ان لاتلتفت الى هذا البعض،وقل رأيك،أن كنت قد قرأت لي قصصا وأن لم تقرأ فأرجع الى ما قاله النقاد،لكي يقودوك الى القراءة المنصفة أوقل للبعض أن يقرأوا…
أعترف لك أن في قصصي موقفا ألتزمت به وأنه حقيقي وحي،أنا أكتب عن انسان عصري،وأمتي ووطني وأكتب من خلال فكر عربي،وبأحساس لغة عربية،ومخيلة عربية أيضا، لاألهث وراء معطيات الفكر الغربي،لاتجردني هذه المعطيات عن قدراتي ألأبداعية، وأنا لاأطمح أن يكون لكتاباتي أثرها في آلآخر، من دون أن اعزل نفسي عن الفكر ألأنساني ربما هذا انتماء جعلني بعيدا عن الطبول الفارغة،لكنني قنوع جدا بما قدمت وقناعتي لم تبن على أساس ذاتي محض،وانما جاءتني من القراء والنقاد نفحات طيبة.
*لديك قصص …الفكرة فيها ذات نبرة عالية والقصص تفقد اساليب ألأقناع بها..من هذه القصص:القماط والسرة/اللؤلؤة/لأنهم فقراء أحلامهم مشروعة/عذابات سويلم بن العمية؟
– كالسؤال السابق لدي أجابة طويلة عن هذا السؤال،غير أنني أخشى ظنك بي ،ربما تتصورني لاأبح لك حرية القول:نعم هذا رأيك وهو رأي قديم،بمعنى أنك لم ترجع الى قراءة القصص،لقد قرأتها أنت ،بعد أن قرأها آلآخر ولكنك آلآن على أبواب القرن الجديد، كان ينبغي العودة الى ماقبل ربع قرن،لقد سجل بعضهم ،هذه الملاحظة،قبل ربع قرن، وها أنت ذا تعيدها,وأنا لاأنكرذلك ..بالتفصيل/القماط والسرة فيها شيء من حركة المقاومة الفلسطينية، شيء أحسسته،شعرت به،كيف كتبت عن القضية الفلسطيية؟ ذلك ما كان يغيض بعضهم؟ولكن ايليا اهرنبرغ في الموجة التاسعة،لم يغضني وكذلك جاك لندن في العقب الحديدية،وكل منشورات دار التقدم،أما طائر الخليج والقماط والسرة وألأجازة…فأنها قصص ذات نبرة عالية،وتفقد أساليب ألأقناع.. طبعا أنا كاتب في أمة،وأتصالي بهذه ألأمة ليس أتصالا فكريا فحسب،انما أتصال وجود، وبقاء وخلود، وأنا أمين على كل مالدى هذه ألأمة من تاريخ وتراث،وقد قلت لك،أطمح أن يصل صوتي الى آلآخر،وكلي ثقة أن ماأكتبه يحتل مكانة في أدب أمتي. لقد كتب الناقد فاضل ثامر،عن قصة(عذابات سويلم بن العمية،مقالة طويلة،وأختيرت قصة(لأنهم فقراء أحلامهم مشروعة) ضمن كتاب(قصص مختارة) من أدبنا القومي ألأشتراكي الذي أعده وقدم له القاص الراحل موسى كريدي.ونشرت قصة(اللؤلؤة) في مجلة آفاق عربية، وتناولت أقلام النقاد،هذه القصص،ولم أقرأ لهم رأيا كهذا الرأي. نعم قد كان هنا في البصرة،في المقاهي،من يقول عن قصص كاظم ألأحمدي أنها تفقد أساليب ألأقناع،لأن كاظم ألأحمدي استطاع ان يكتب مالم يستطعه آلآخرون! نعم في قصصي:تكون الفكرة،لكنك لم تشم فيها رائحة ألأرض والمياه والناس، انها ولدت (هنا) في هذه البيئة،ومن فكر أنسانها..هل قرأت وجه أبيض؟أقرأت طائر الخليج؟ وشواهد ألأزمنة؟ غناء الفواخت؟ وتراص ألأنا؟ وهموم شجرة البمبر؟…اذا قرأتها ستعرف من هو كاتبها…! قصصي قد تتشابه ولكنها لاتشبه سوى نفسها.
*في السبعينات،كنت قد قرأت لك قصصا قصيرة جدا..لماذا تركت هذا النشاط الجميل؟
– فعلا كنت قد نشرت قصصا قصيرة جدا، ولكن لم تكن من الكثرة بحيث يمكنها أن تلفت نظر القراء،كما لم تشكل لدي منهجا أو أسلوبا كتابيا،سوى انها كانت حالة من التدفق،أعني حالة أستمرار في الكتابة،سرعان ما أكتشفت ان فيها قوة تدميرية،كادت تؤدي بكل ادواتي الفنية، لاتعجب!اذ أن فيها من الكثافة المزدوجة مايعيق ألأدوات عن النمو والحركة،ولما كنت في السبعينات،أي قبل خمس وعشرين عاما،أعيش حالة نمو وتطور،وكنت أسمع لقصصي صدى طيبا لدى القراء والنقاد، فقد طغت الكتابة القصصية ألأعتيادية، على الكتابة الجديدة، أن هذا النوع من القصص،معد لحركة القطارات والسيارات والطائرات، بل يمكنك أن تقول،يجمع في كتاب الجيب،وقد يترك فوق الكراسي الفارغة،ثم قد تناولته أقلام غير مؤهلة،لم تغض تجربة كتابية، فأصبح فنا زائدا،وليس كمثل ماقرأنا لناتالي ساروت ووليم سارويان….. أنشره،أكتب منه،بعض الكتابات،فأودعها مكتبتي،ولدي عدد لابأس به، لكنني لم اقتنع بعد، ومتى وجدته يحقق اضافة…سوف اسارع الى نشره دفعة واحدة.
القسم الثاني..نتاجات الشباب
*ألأترى أن تجربة العديد من القاصين الشباب،تجربة قراءة،وأن نصوص بعضهم ،وعذرا على هذا المصطلح ألأدبي الرجراج، يمكن اعتبارتجربته،تجربة قراءة مكتوبة؟
•-مادعيته بتجربة قراءة،اذا ماقوبل بالتجربة الحياتية، يكون صحيحا جدا،ومصطلحا موفقا،يمكن أعتماده،في وضع المقارنة،التي أحس ان سؤالك قد بني على أساسها،وفي أجابتي،ستجدني،لاأعتذر عن مصطلح ألأدباء الشباب،لأنه هوآلآخر مصطلح علمي،له ثوابت وجود شمولي،في آلآداب العالمية،وان كنا لانقابله كما ينبغي بمصطلح ألأدباء الشيوخ،ألأ أن مجاز(ألأدباء الكبار) يوحي بذلك،اذن :شباب وكهول،صغار وكبار، تلاحقك هذه الثنائية الخالدة.وفي السؤال ادراك وأنت تخصص التجربة القرائية،بالشباب وحدهم،وكأنك تنتقص تجربتهم ألأدبية،لخلوها من التجربة الحياتية،(العمر)،وقلت يمكن أعتبارها قراءة مكتوبة،وهذا التشخيص يمكن أن يكون صحيحا،بل هو صحيح جدا،ولكن يمكن أن يوازيه ايضا أن تجربة العديد من القاصين الكبار،تجربة حياتية،وأن بعضهم يمكن اعتبار تجربته، تجربة كلامية، رواية أخباروحوادث على الطريقة القديمة،وبين القاصين الكبار،من يمتلك التجربتين القرائية والحياتية،ألأ انه بعيد بعدا شاسعا عن الحياة العامة،وأن ثقافته ثقافة غربية خالصة،فتلحظ نتاجه ألأدبي نتاجا هجينا،أو بأحسن ألأحوال،لاترى فيه معالم الحياة،أقصد أنه جاف وخشن،تحفظه الصفة ألثقافية،وما يكون عيبا أو انتقاصا في تجربة الشباب ألأدبية، يكون مثيله أشد في تجربة ألأدباء الكبار والخلاصة أن عبقرية ألأنسان شابا كان أو شيخا،لايمكن حصرها (العمر)في فئة دون أخرى،أنها عبقرية ألأنسان، شابا كان أو شيخا/ وأنا أدرى أن في أدب الشباب،ماعجز أن يقدم مثله ألأدباء الكبار،وفي أدب الكبار مالايستطيع ألأدباء الشباب أن يتجاوزه/وارجو أن لاتستنتج من قولي،شيئا من التوفيقة،كما يبدو وانما هو أستقراء دقيق لمعطيات العبقرية ألأنسانية،كذا تقول الحكمة وكما صقل الزمن،تجربة الكبارالمبدعين،سوف يشذب أيضا تجربة ألأدباء الشباب المبدعين.
*أين أنت من نتاجات ألأدباء الشباب؟ ولمن تقرأ منهم؟
– ثمة أمراض يعالجها ألأنسان من أجل الشفاء. وأخرى لايستطيع علاجها….بل هي أمراض محببة.
بالنسبة الى الكاتب…الكتابة ادمان، القراءة ادمان، الحس ادمان. وحينما قرأت صدر سؤالك(أين أنت من…) تولدت لدى فكرة جد غريبة،لعلك تدهش عند سماعها،ولكن سؤالك قد اوحى لي بها..
اذا قلت لك:أين أنت؟ تقول:أنا هنا في الدار،في المدرسة،في الشارع،لأن أين للمكان،كذا علمتنا اللغة.ولكن اذا قلت أين أنت من فلان؟فأنا لاأسألك عن المكان،بل عن المكانة،فيخرج السؤال الى الحال،والتفاصيل في هذه الحال:تقول أنا قريب.بعيد.أعلى.أدنى.
سأفترض انك تريد أن تعرف :نظرتي.موقفي.رأي في أدب الشباب..حسنا هناك اجابة عن هذا السؤال،وليس من المفيد تكرار القول،وخلاصته،أن لهذا ألأدب قيمة ما.ستتضح،وسيكون الزمن كفيل بها،أنا قارىء ولكن لاأحدد قراءاتي،لااتابع احدا،لااعرف احدا،أقرأ ماتقع عليه عيناي قراءة مصادفة.وكلما حانت لي لحظة،أقتراب من أحدهم،أبعدتني عن آخرين،وهكذا ليس لدي ميل الى التعصب والولاء،والمشاركة،هي أن اتعلم منهم مالم أجده في فترة شبابي،وأرى بأعينهم مالم تره عيناي،مازال ثمة وقت للتعلم وأكتساب الخبرات من آلآخرين اوائل الألفية الثالثة
*ادرج ادناه ألأسئلة التي لم يجب عليها أستاذنا القاص والروائي كاظم ألأحمدي
1-(أمس كان غدا)رواية مكثفة بأتقان ونسبة الشعرية فيها عالية ،في حين مخطوطتك الروائية(تجاه القلب) تثقلها ألأستطرادات وألأسهاب.
2-أولى محاولاتك الروائية،كانت في منتصف السبعينات،كان اسم الرواية(دوارة الريح) أين
ذهبت تلك الرواية الجميلة؟
3- تتوزع(أمس كان غدا) و(تجاه القلب)على هيئة حروف،لافصول،ماالمقصود بهذه الحروفية.
4- تحاول في (تجاه القلب)،أن تستفيد من تعددية ألأصوات ،لكنني كقارىء لااميز فاطمة وهي تتكلم عن عقيل اوأم عقيل او وحيد الكرناوي،أقصد ان الجميع يتكلم نيابة عن الراوي العليم.ذلك الذي يعرف كل سيء؟
5- شخصية(عقيل)،من قراءتي للروايتين(امس..)و(تجاه القلب)،شخصية غيرمؤهلة للبطولة ،كما حاولت أن ترسمها أن يكون المرء قارئا للكتب وسط بيئة شعبية لايعني اعطاؤه حق البطولة،ومن ثمة ان اطروحات عقيل في(164ص)لاتمت للواقع المعيش في تلك السنوات ألأولى لثورة 14 تموز،اما اطروحات عقيل فيمكن ان تجد لها تربة صالحة وذلك في منتصف الستينات،اما قبلها فلا وجود لمثل هذه ألأطروحات.
6-أرى انك تعود الى توظيف(الملا ناصر)أحدى شخصيا ت مجموعتك ألأولى (هموم شجرة البمبر) في روايتك(تجاه القلب)،هل هي ضمن المحاولات المشروعة للتناص الداخلي؟ أم انك تكتفي بالخبرة الحياتية السابقة والعمل على تشغيلها؟
7- ان ترميزك ل(فاطمة) بالوطن وان الجميع يدورون في دوائر مؤثراتها عليهم…بالنسبة للقارىء المتواصل مع الرواية العربية اصابه الملل من كثرة استعماله)حميدة/زقاق المدق/نجيب محفوظ)(خضرة/ألأرض/عبد الرحمن الشرقاوي)(مظلومة/غائب طعمة فرمان/القربان)(زهرة/نجيب محفوظ ميرامار)
دع عنك عشرات القصص القصيرة؟
8- تقول(تعرضت سيارة الشرطة المسلحة من قبل زمرة من الأولاد -شبان مسلحين – ببنادق بورسعيد/ص134/تجاه القلب) يتضح انك تريد ان تشير الى هوية معينة،لكن هذه الهوية ،لم توظف لها ابطالا في الرواية،مثلا (عقيل في روايتك/امس كان غدا/ص164)محض مثقف لادخل له بالسياسة تماما،لكن بنية تخلف تلك المرحلة رأت فيه مارأت؟ ألأ..ترى أنت أن مهيمنات خارج النص تؤثر سلبا على حركية داخل النص؟
9- يذكرني(عقيل) بموقفين لمصطفى سعيد/بطل موسم الهجرة الى الشمال/للروائي الطيب صالح وهو يستعمل الفعل الجنسي للأنتقام متصورا(لأنه نتاج بنية تخلف) ان هذا الفعل سيحقق من خلاله انتصارا،على الغرب الكونيالي ولو على مستوى الرمز وهذا تصور خاطىء من جانب عقيل ،لأن الغرب لايعطي للجنس نفس معايرنا ألأخلاقية وكذلك يعلن مصطفى سعيد(سأحرر افريقيا ب……ي)؟
الموقف المشترك الثاني:نهاية مصطفى سعيد تحمل عدة تأويلات:غرق/حلول صوفي/ ..اما نهاية عقيل المائية اقصد:دخوله في النهر وتسليم جسده للتيار،فأرى ان ألأمر غيرمقنع؟
الموقف الثالث:يتمثل في موقف مستر فلين ومسزفلين وعلاقتهما ب(عقيل) وهذا يعيدني الى مسترومسزز(روبن) ورغم مشاعر ألأمومة ف(مصطفى سعيد) كان يشتهيها؟
10-يمكن اعتبار الشمس شخصية روائية وموظفة لديك بشكل مميز؟
11- توظيفك للوحة في غاية الجمالية وله دلالات موحية؟
12- ينتصر عقيل على اوتلو في روايتك(أمس كان غدا) في(موسم الهجرة الى الشمال)يصرخ مصطفى سعيد(عطيل اكذوبة انا لست عطيلا)
أي ان البطلين يرفضان التماهي مع نص آلآخر الكونيالي
13-(امس كان غدا)(نجيمات الظهيرة)(تجاه القلب) هل ما كتبته:ثلاثية؟ رواية مثلثة؟ رواية اجيال؟ كم نسبة السيرة الذاتية في هذه الأعمال؟وهل روائيا تحاول تصفية الحساب مع تاريخ الحركة الوطنية؟
14- في:الحي اللاتيني/قنديل ام هاشم/موسم الهجرة/عصفور من الشرق: يحكي لنا البطل تجربته وهو في الحاضرة الكولونيالية:لندن/باريس..لكنك في(أمس كان غدا) قلبت الصورة:صورتهم وهم يمارسون فعل الغزو من خلال ألأستعمار البريطاني في البصرة قبل ثورة14/تموز/1958؟
*ملاحظة:ألأسئلة التي تخصص مخطوطاته الروائية كتب قربها: (سابق لأوانه) فهو كان يؤكد من خلال حوارتي معه،لايمكن الحديث عن غير المطبوع…اما ألأسئلة ألأخرى فقد تركها:دون تعليق.
*مخطوطات تنتظر من يعينها على النشر:
*روايات:
1- قصرألأزلزماني
2- حلم عين
3- ارض القهرمان
*قصص
1-الرمل في الحذاء
2-جديلة نون
3- تألق الرجل ألأشيب
4- يوسف وكواكبه
*لغويات:
1- معجم فاعول في الفصيح والعامي والدخيل/وهو معجم من مجلدات.
*تشكيل
*عشرات الرسوم التخطيطية…
ملاحظة: الحوار نشر في موقع النور بتاريخ 15 آذار 2011